وكأنها عيدٌ لا يلتزم بالزمان والمكان، ننتظرهُ برزنامةٍ ملؤها الشوق ووسعها الحب، و كأنها موعدُ غرامٍ لا تُحددهُ عقارب ساعةٍ و لا تلتزم فيه لا فصولٌ و لا عصورٌ و لا عهود. فهي ليست من زمنٍ و لا من مكانٍ و لا من ملموس. إنها من وجدانٍ، من ضميرٍ ، من أزمنٍ لا مادية، من رياحٍ و وطنٍ، من ملحٍ و جرحٍ، من حنينٍ من لبنان، و ليس كلبنان وطنٌ آخر يليق به صوتُ فيروز.

عادت، نعم عادت فيروز بصوتٍ ، بصورةٍ و بحاضرٍ يسندُ ظهره على ماضٍ فخور، يتّكؤ بثقةٍ على البارح، مطمئناً من كمّ الوفاء و مستنداً على الحب: أسمى ما على هذه الأرض، وما تعيشُ من أجله الحياة. ينتظرها كُل ناطقٍ بلغة الضاد، كل فاهمٍ للحروف العربيّة و كُل مدركٍ بالروح و العقل و القلب. أطلّت فيروز بأوّلأغنيةمنذ آخر ألبوم لها ، فيروز التي تستعد لإطلاق ألبوم جديد بعنوان “ببالي” في 22 من أيلول المقبل من إنتاجريما الرحباني، كانت قد أصدرت في 21 حزيران أول أغنية من الألبوم بعنوان “لمين” تزامناً مع ذكرى رحيل الكبير عاصي الرحباني. لحن الأغنية مستوحى من أغنية “Pour qui veille l’étoile” للفنان جيلبير بيكو، كتبت كلماتها ريما الرحباني ووزعها ستيف سايدويل.

و عند دخولنا على الأنترنت لسماع الأغنية، سمعنا فيروز، وكأنها لم تُبعد بالأعمال عنا، وكانها لم تكبر في السن، بل كبُرت بقيمة التاريخ و المعنى ، صوتها لم يتغيّر، صوت فيروز الذي يمتاز بالنبرة الخاصة، فسحة الصوت الواسعة التي تُبرزها من دون أن تجهد أبداً في إبرازها، بصوتها لا يتغير في القرار و لا في الجواب حسب المصطلح الفني. أما ما يُعرف بالغاء ب”القفلات” فهي لا تزال تحمل روح عاصي الرحباني، إنه الأسلوب الذي تدرّبت عليه الكبيرة فيروز على يديّ المُعلّم عاصي، في الأغنية حافظت فيروز على هذه الميزات الفنيّة الرحبانيّة. إن العظمة الكبرى في صوت فيروز، هو الرنّة الصوتيّة أيّ Timbre التي تبقى ثابتة كما هي في النبرة العالية و المنخفضة ، وهذا ما فشل المئات من الواهمين بالفن بالوصول إليه ، فيفشلون في إدعاء إظهار نبرة الصوت من دون مجهود.

أضف إلى ذلك، قدرتها الهائلة على التصاعد الصوتي من دون الحاجة إلى نغمات إقاعيّة موسيقيّة، وهنا تبصم فيروز بصوتها بصمةً لا تشبهها بصمة.

ومن هنا أيضاً أجزم بحبري الصحافيّ و بقلمي المهني، بالضمير و صلابة ال “نعم نعم و اللا لا” ، أن لا خليفة لفيروز و لا من يشبهها ، و حتى من يحاول جاهداً الوصول إلى مكانتها، فهو بالإفلاس يندحر، و بالفشل يُصاب . ولو كان هناك شبيهاً لفيروز لكان الأخوين رحباني تبنوّه كما فعلوا مع فيروز.

لا تعليق على المعلّقات، نعم معلّقات، نعم ففيروز هي معلّقة شعرية فنية من أعلى أرزةٍ على جبالنا و حتى آخر خطّ ترابٍ يرسم حدود لبنان مع الكرة الأرضيّة، هي فيروز، و لا كلام ينقدها أو يصفها، ينصفها أو يصنّفها، عادت و عودها فيروزٌ ، عودها أملُ و حب. غني يا فيروز، فأنت الأمس و اليوم و الغد، أنتِ العرض و الأرض و أبدا.