القصف حتى المجاعة: هكذا يشن التحالف حربه على قوت يوم اليمنيين

اخترنا لك

الخبر اليمني/متابعات:

على بعد 10 أميال قبالة الساحل الغربي للبحر الأحمر في اليمن، كان سبعة صيادين يوشكون على إنهاء ساعات الصيد الأربع التي استغرقوها لسحب شباكهم المحمّلة بقوت يومهم نحو قاربهم الزجاجي، قبل أن يلحظ أحدهم ظلًّا أسود في الماء يتقدّم صوبهم من بعيد.

 

يسبحون بين المياه وألسنة النار
كانت تلك طائرة مروحية للتحالف العربي، الذي تقوده السعودية والإمارات. الصيادون الذين لم يتجاوزوا الـ30 ميلًا التي حذّر التحالف من عبورها، افترضوا للوهلة الأولى أن سفينة حربيّة ستقترب منهم وتطلب منهم إظهار أوراقهم الشخصية. لكن لم تكن ثمة سفينة، ودون سابق إنذار، بدأت مروحية التحالف بإطلاق النار باتجاههم. استمرّ الأمر لخمس دقائق دون توقّف.

هذه القصّة يرويها وسام، أحد أولئك البحارين السبعة، لصحيفة “ذا غارديان”، وهو مستند إلى عكازته التي أصبح يحتاجها الآن للمشي، بعد أن أصابت بعض الرصاصات في ذلك اليوم ركبتيه وفخذه. كل زملائه أصيبوا أيضًا يومذاك، لكن خمسة منهم تمكّنوا من النجاه، ومن بينهم حمدي، الذي فقد القدرة على الحركة اليوم بعد شظيّة تلقّاها في الرأس، أمّا عبدالله، ففقد حياته، هو وقبطان القارب، الذي يعيل ثمانية أبناء.
الطائرة كادت تجهز عليهم جميعًا في ذلك اليوم، كما يشرح وسام لمراسلة الصحيفة، أيونا كريغ، التي زارت الحديدة وصنعاء، لكنّها غيّرت مسارها فجأة إلى قارب آخر على بعد بضع مئات من الأمتار، وحينها استطاع وسام أن يرى الرعب الذي عايشه منذ لحظات في مشهد حيّ أمامه: قارب يتحوّل إلى كرة من اللهب، وصيادون يفزعون إلى الماء هاربين من ألسنة النار.

الحرب على الصيادين

تلك كانت قصّة واحد من 250 قاربًا أعطبها أو دمرها التحالف، و152 صيادًا يمنيًا قتلهم في مياه البحر الأحمر، والأرقام لرئيس اتحاد الصيادين في ميناء الحديدة الغربي، محمد حساني، الذي يقول للصحيفة: “لقد أعلنوا الحرب على الصيادين”.

على بعد أكثر من 100 ميل إلى الجنوب، وتحديدًا في ميناء المخا، مُنع الصيادون من الذهاب إلى البحر، موئل رزقهم، منذ إخراج مليشيات الحوثي وصالح منها، في فبراير/شباط الماضي، على يد مليشيات يمنية محلّية مدعومة من الإمارات، الشريك الرئيسي في التحالف.

كلّ ذلك يتمّ في الوقت الذي أصبحت فيه مهنة الصيد شريان حياة أكثر حيويّة لليمن في خضمّ أزمتها الإنسانيّة التي تصنّفها الأمم المتّحدة على أنها الأسوأ عالميًا. أكثر من ثمانية ملايين يمني يواجهون الآن المجاعة، بعد أن شددت السعودية الحصار على البلاد منذ 6 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل أن تخفف بعض القيود بشكل طفيف في الـ26 من الشهر ذاته، إثر ضغوطات دولية.

أرض مزروعة بالقنابل

في حي الروضة، شمال صنعاء، توقّف يحيى عبده طالب، عن استزراع أرضه، بعد أن وقعت إحدى قنابل التحالف في حقل لا يبعد أكثر من 50 مترًا عن منزله، وانغرست فيه عميقًا في التربة إلى نحو 10 أمتار. لحسن حظّه لم تنفجر القنبلة، ولم يخسر حياته. لكنه خسر مصدر رزقه.

يقول يحيى لمراسلة “ذا غارديان”: “لدي ثلاثة آبار في أرضي. ولكن الآن لا ينمو أي شيء”. وحينما بدأت أسعار المواد الغذائية بالارتفاع، اتّجه إلى المرتفعات الشمالية القاحلة في اليمن لإعادة بناء الأنفاق اللازمة لزراعة الخضروات في ظروف مناخية كتلك، لكن جيرانه هناك توسّلوه ألا يفعل ذلك: “السعوديون يستهدفونها (الأنفاق)”.

في أغسطس/آب الماضي، كانت 52 قنبلة قد ضربت تلك المنطقة، 12 منها لم تنفجر، وإحداها تلك التي هبطت إلى جوار بيت يحيى طالب. يقول رئيس الفريق الذي يعمل على إزالة القذائف غير المتفجرة في الروضة للصحيفة، إنه قد تمّ تحديد قنابل بريطانية وأميركية وإيطالية من بين ما وجدوه.

ليست حوادث فردية

لكن ثمّة ما يثبت أن تلك القصص ليست مجرد حوادث عابرة، ولا حالات فرديّة. ذلك ما تبيّنته معدّة التقرير مستدلّة بالبحث الذي أجرته الأستاذة الفخرية في كلية لندن للاقتصاد، مارثا موندي، ودرست فيه أنماط قصف التحالف في اليمن. تخلص موندي في تلك الدراسة إلى أنه خلال الأشهر الـ17 الأولى من حملة القصف بقيادة السعودية “كان ثمّة دليل قوي على أن استراتيجية التحالف هدفت إلى تدمير إنتاج الغذاء وتوزيعه” في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والقوات الموالية للرئيس الراحل، علي عبدالله صالح.

تعزز البيانات التي وثّقها “مشروع بيانات اليمن” تلك الاستنتاجات؛ إذ سجّل المشروع 356 غارة جوية استهدفت المزارع، و174 غارة جوية استهدفت أماكن التسوق، و61 غارة جوية استهدفت مواقع تخزين الأغذية، بين مارس/آذار حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2017.

ومع النيران التي تحرق الأرض والبحر معًا، مصدرا الثروة القوميّة الأساسيان بالنسبة لليمنيين، تقطع السعودية والإمارات تحديدًا شريان حياة آخر في اليمن، وتحرم أفواه اليمنيين مصادر قوت يومهم الرئيسية التي اعتاشوا عليها في تلك البلاد منذ آلاف السنين، بعد أن حرمتهم من البضائع والمساعدات الإنسانية. وبذا، يدفع التحالف اليمن، بشكل ممنهج، نحو المجاعة الجماعية التي تدقّ المؤسسات الإنسانية لها نواقيس الخطر.

 

أحدث العناوين

نصائح ضرورية لمرضى القلب في رمضان.. تَعَرف عليها

مرضى القلب المسموح لهم بصيام رمضان ملتمون بتجنب بعض التصرفات الخاطئة التي ستعرضهم للخطر وهنا سنتعرف على بعض النصائح...

مقالات ذات صلة