عن ساكني صنعاء

اخترنا لك

د.بلقيس محمد علوان:

كنا قد أقلعنا عن مشاهدة التلفزيون لعدم توفر الكهرباء ومحدودية إمكانيات الطاقة الشمسية التي تفي أغلب مستخدميها بالكاد الإضاءة، وخصوصاً في فصل الشتاء.
ومع حجب وسائل التواصل الاجتماعي وصعوبة الحصول علی الأخبار، عدنا لفتح التلفزيون لساعات خلال اليوم كي نعرف الأخبار، ومن وقت لآخر نذهب لقنوات أخری ترفيهية أو اجتماعية، ويا لهول المفارقة!
نحن فقط من توقفت بنا الحياة، أو لنقل عدنا عقوداً من الزمن للوراء، إلی حيث جلب الماء من الآبار والاحتطاب. نعم الاحتطاب! فلقد عادت نساء كثيرات في قلب العاصمة صنعاء للاحتطاب وجمع الكراتين الورقية وقطع الخشب لتوفير ما يمكنهن من طهي الطعام وإعداد الخبز.
كما قلت لكم: الجميع يمضي للأمام ونحن فقط نعود للخلف.
العالم من حولنا تتوفر لهم الكهرباء ومساحات واسعة من اليمن بلا كهرباء منذ ثلاث سنوات، هل هناك أحد غيرنا بلا كهرباء؟

العالم تصله مياه نقية للمنزل، وفي صنعاء ومدن عديدة نجلب الماء من البئر بعبوات ذات عشرين لتر، تحمل علی عربات تدفع باليد، أو يشتريها المقتدرون بطلب الوايت ودفع الثمن.
مشاهدة التلفزيون بالنسبة لي كانت صادمة، قالت لي باختصار كم ساء وضعنا وتدهور، وفي الوقت الذي يسعی الناس لتحسين أوضاعهم الصحية والتعليمية والمالية والترفيه عن أنفسهم وأسرهم، اختفى عندنا الترفيه، وأصبح الشغل الشاغل للكثيرين كيف يمضي يومه بالحد الأدنی من المأكل والمشرب. كثيرون ألغوا الدواء من قوائم متطلباتهم، وفي أحسن الأحوال يتداوون عند أقرب صيدلية بلا كشف أو فحوصات.
هكذا أصبحنا بلا كهرباء وبلا مياه وبلا تواصل وبلا مرتبات، وفي ظل قلق وخوف من اشتعال معارك جديدة هنا أو هناك، وترقب لانفراجة سلام، يبدو أن هناك من لم يقتنع بعد بأن السلام هو خيار آخر المطاف للجميع.
تعلن المنظمات الدولية أن ما يزيد عن ثمانية ملايين إنسان علی حافة المجاعة، والخبر لا يعني الكثير للداخل أو الخارج، لكن الرقم بالتأكيد أكبر بكثير. الاستجابة الإنسانية لا تقارن بحجم الكارثة. الجميع يتناقل أخبار الأوضاع الميدانية: معركة الساحل الغربي، معركة صنعاء، معركة نهم، هذا ما يهتم به الجميع، وخصوصاً أولئك المتحدثون من الخارج، الآمنون علی أنفسهم وأهلهم وأموالهم، يهللون للمعارك والانتصارات، لكنهم لا يفكرون ولا يهتمون للضريبة البشرية والكلفة الإنسانية الباهظة، كما لا يتحدثون عن الإغاثة، بل لو أن قطع الإغاثة ورقة في المعركة لن يتورع أي طرف من استخدامها غير آسف.
الوضع الإنساني في اليمن يعد الأسوأ في العالم، غذائياً وصحياً وتعليمياً، وعلی كل المستويات، لكن ما لا يرصد فعلاً الآثار النفسية والمعنوية الأعمق بكثير، أثراً وتأثيراً. نستطيع أن ننقذ طفلاً مصاباً بسوء التغذية خلال ساعات، لكن الآثار النفسية لن تعالج بتلك السهولة، وعلاجها يتطلب أولاً زوال أسبابها ثم معالجتها التي تستغرق وقتاً طويلاً، أو ترافق الأفراد في حياتهم.
قررت مدرسة إبني تنظيم رحلة لطلاب المدرسة إلی مدينة الألعاب، ورغم أن دفع الاشتراك بحد ذاته عقبة ويشكل ضغطاً مالياً لم تعد الأسر تحتمله، لكن الأغلب اشترك لأن الأطفال بحاجة ماسة للخروج من أجواء القلق والترقب والقصف. أضطرت المدرسة لتأجيل الرحلة لدواع أمنية، ثم ألغتها، وكم كان حزن الأطفال لإلغاء الرحلة، فآخر رحلة نظمت قبل ثلاث سنوات.
هكذا هو حال صنعاء وساكني صنعاء، وأسوأ من حال ساكنيها حال مئات الآلاف من النازحين الذين لجأوا لها من تهامة وصعدة وتعز ومختلف المدن التي طالتها الحرب.

العربي

الخبر اليمني/أقلام

أحدث العناوين

انفجارات في مدينة أصفهان الإيرانية..ماذا تقول الأخبار الأولية

تحديث: فوكس نيوز: مصدر أمريكي يؤكد الضربة الإسرائيلية داخل إيران، ويقول إن الولايات المتحدة لم تكن متورطة، وكان هناك إخطار...

مقالات ذات صلة