“كلاب الحراسة لم تنبح”.. كتاب جديد يكشف تواطؤ واشنطن والرياض في أحداث 11 سبتمبر

اخترنا لك

نون بوست/الخبر اليمني:

حتى لو تباسط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الملك سلمان، ورقص على إيقاع “العرضة النجدية”، وأبرم مع ابنه الأمير الشاب الصفقات بما ينوف على 400 مليار دولار، فهذا لا يحصنهما في الولايات المتحدة، كما لا يحصن ترامب أيضًا، فـ”كلاب الحراسة” لم تعد تصمت عن النباح، وكما طاردته في “المعتوه” أولاً، وفي “الخوف” آخرًا، ها هي تطارد حلفاءه الخليجيين.

في كتاب جديد بعنوان “كلاب الحراسة لم تنبح” (The Watchdogs Didn’t Bark: How the NSA Failed to Protect America)، يتزامن نشره مع الذكرى الـ17 لهجمات 11 سبتمبر/أيلول، يكشف الكاتبان جون دافي وري نووسيلسكي حقائق تمّ إخفاؤها عن دور السعودية في الهجمات، وكيف تستَّر مسؤولون أمريكيون عن تفاصيل هذا الدور الخطير، وتآمرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” والسلطات السعودية لحجب الحقيقة.

من السهل دفن الحقائق غير المرغوب فيها بدلاً من مواجهتها

كالعادة، ستقوم احتفالات 11 من سبتمبر التي تحيي ذكرى هجمات وقعت عام 2001 على نيويورك وواشنطن العاصمة، بتكريم الموتى في مانهاتن، حيث سيجتمع السياح والمعزون في المكان الذي كانت فيه أبراج مركز التجارة العالمي قائمة يومًا ما، ويخفضون رؤوسهم تخليدًا لأرواح الذين لقوا حتفهم هناك، لكن هذه الطقوس التي تنقلها وسائل الإعلام كل عام لن تعكس وجهة النظر القائلة بأن “الهجمات كان من الممكن منعها قبل وقوعها”.

وبالنسبة للمئات من أسر الضحايا وعدد متزايد من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي السابقين، فإن الحزن الذي سيشهده إحياء ذكرى مرور 17 عامًا على الـ11 من سبتمبر سوف يكتنفه غضب عارم ممزوج بالكآبة، حيث لا تزال هناك “مؤامرة” من الصمت يتبناها كبار المسؤولين الأمريكيين والسعوديين السابقين بشأن تفاصيل الاعتداء الذي أودى بحياة 2606 أشخاص.

وسعيًا وراء كشف “نظرية المؤامرة”، ينطلق جون دافي وري نووسيلسكي في كتابهما من مقابلة صحفية جريئة أجرياها عام 2009 مع منسق مكافحة الإرهاب ريتشارد كلارك في أثناء إدارتي كل من بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، وكال كلارك في المقابلة الاتهامات لكبار مسؤولي “سي آي إيه”، بمن فيهم جورج تينيت الذي كان مديرًا للوكالة عام 2001.

اتهم كلارك في تلك المقابلة المسؤولين الأمريكيين بإخفاء معلومات مهمة وتجاهل تحذيراته من تهديدات تنظيم القاعدة، خاصة وصول السعوديين خالد المحضار ونواف الحازمي إلى الولايات المتحدة وتورطهما في هجمات 11 سبتمبر التي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، وأسفرت عن سقوط قرابة 3000 قتيل.

وانطلاقًا من تلك المقابلة واصل المؤلفان التحقيق في كثير من التقارير الرسمية عن الهجمات، وقاما بعمليات تنقيب عميقة في الأحداث، وتوقفا عند عدد من الفجوات والتناقضات في الرواية الرسمية التي تقول عن تلك الهجمات إنها “فشل في التنسيق بين الأجهزة المعنية”، وتوصل الكاتبان لنتيجة مفادها أن هناك تسترًا حكوميًا على تورط السعودية في تلك الهجمات.

ووفق ما أظهره الكتاب، يتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” بحجب معلومات ضرورية كانت كفيلة، بحسب نقاد الوكالة، بمنع حدوث الهجمات التي نفذها خاطفون في كل من نيويورك وواشنطن، بينما يتبادل مسؤولون سابقون وحاليّون الاتهامات، ملمحين إلى تواطؤ رسمي أمريكي – سعودي استمر بعد وقوع الاعتداء.

وفي عرض للكتاب بمجلة “نيوزويك” الأمريكية، نقل الكاتب الصحفي جيف ستين الذي اطلع على الكتاب وناقشه مع علي صوفان، وهو أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في مكافحة الإرهاب، قوله “إنه شيء فظيع، نحن لا نزال نجهل ماذا حدث”، متهمًا وكالة الاستخبارات المركزية بحجب المعلومات بشأن تحركات منفذي “القاعدة” المستقبليين للاعتداء.

وبالنسبة لصوفان، كما للعديد من المسؤولين السابقين في الأمن القومي، فإن الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها بشأن الأحداث التي أدت إلى هجمات 11 سبتمبر 2001، تضاهي الأسئلة التي بقيت معلّقة بشأن اغتيال الرئيس جون كينيدي وبقيت من دون جواب، والأمر خطير، حسب هؤلاء، لأن “أحداث سبتمبر غيّرت العالم بأسره، إذ لم يتم على إثرها غزو أفغانستان والعراق وتكسير الشرق الأوسط ومضاعفة النمو العالمي للجهاد الإسلامي فحسب، بل دفعت كذلك الولايات المتحدة لتصبح دولة بوليسية”.

من جهته، عبّر مارك روسيني، وهو واحد من اثنين من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي اللذين كانا منتدبين في “وحدة أسامة بن لادن” التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، قائلاً “أنا حزين ومكتئب حيال ذلك”، وسبب ذلك زعمه أن مديري الـ”سي آي إيه” منعاه وزميله بشكل غامض من إبلاغ قيادة “إف بي آي” بوجود متآمرين من تنظيم “القاعدة” قد يشكلون خطرًا مستقبليًا، في الولايات المتحدة، وذلك عام 2000 ومرة أخرى في عام 2001.

ويقول ستين إن دوفي كاتب يساري ومدافع عن البيئة ونوسيليسكي صانع أفلام وثائقية، ولا يمكن اعتبارهما في مكانة صحافيين آخرين قاما بفتح ثقوب لافتة في الرواية الرسمية لأحداث سبتمبر، ومن بينهم لورنس رايت الذي ألف كتاب “البرج الغامض: القاعدة والطريق إلى 9/11” (The Looming Tower Al-Qaeda and the Road to 9/11) الحائز على جائزة “بوليتزر”، لكن الكاتبين، حسب ستين، نجحا في إيجاد فجوات وتناقضات ضخمة في القصة الرسمية التي تعكس فشلاً ذريعًا في ربط النقاط ببعضها.

عن تورط السعودية بهجمات 11 سبتمبر

رغم أن السر لا يزال قائمًا بشأن علاقة السلطات السعودية بمنفذي هجمات 11 سبتمبر، وجُلّهم يحملون جنسية المملكة، إلا أن الكاتبين قدما تحديثًا عما تم كشفه عن الدعم السعودي لـ”القاعدة” في السنوات الأخيرة، حيث غطى الكتاب جانب التواطؤ السعودي الرسمي مع المعتدين، استنادًا إلى أحدث ما بات معلومًا عن دعم الرياض لتنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة.

ووفق تقرير مجلة “نيوزويك”، فإن التقرير الأمريكي الرسمي الصادر عام 2004 عن لجنة 11 سبتمبر لم يعثر على دليل يثبت تورط الحكومة السعودية في الهجمات، لكنه يقول إن مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى مولوا بصفتهم الشخصية تنظيم القاعدة.

وبعد ذلك بسنة واحدة، فتح تقرير المفتش العام لوكالة الاستخبارات الذي تم حجبه بشدة، نافذة جديدة بخصوص الموضوع بالإشارة إلى أن عملاء الوكالة لم يستبعدوا أن بعض المتعاطفين من داخل الحكومة السعودية ربما قدموا الدعم لزعيم القاعدة أسامة بن لادن.

وكشفت التحقيقات اللاحقة أن مسؤولين سعوديين في وزارة الشؤون الإسلامية كانوا يساعدون بنشاط الخاطفين، حيث وفروا المساعدة لتسهيل إقامة عدد من السعوديين في كاليفورنيا، وهم نفس الأشخاص الذين شاركوا في هجمات 11 سبتمبر.

وبحسب أندرو مالوني محامي دفاع أسر الضحايا، لمجلة “نيوزويك” الأسبوع الماضي، فإن الاستخبارات السعودية أقرت بأنها كانت تعرف هوية الشخصين (خالد المحضار ونواف الحازمي)، وعلمت لحظة وصولهما إلى لوس أنجلوس بأنهما من تنظيم القاعدة، لذا فإن أي ادعاء من الحكومة السعودية بالقول: “نحن فقط نساعد جميع السعوديين في الولايات المتحدة” خاطئة، يقول مالوني مضيفًا: “لقد كانت الحكومة تعرف، وكانت وكالة الاستخبارات المركزية تعرف أيضًا”.

من جهة ثانية، كشف مالوني أنه سيطالب بعزل مسؤولين سعوديين، خاصة فهد الثميري، وهو مسؤول قنصلي سابق في لوس أنجلوس وإمام مسجد كولفر سيتي في كاليفورنيا الذي كان يزوره المعتديان وعناصر أخرى من “القاعدة”، وفي عام 2003، تم اعتراض الثميري بعدما هبط في لوس أنجلوس على متن رحلة جوية من ألمانيا وترحيله من الولايات المتحدة “بسبب ارتباطات إرهابية مشبوهة”، لكن المشكلة، حسب مالوني، أنه لا يزال يعمل لصالح الحكومة في الرياض.

الوصول إلى وثائق عن الثميري وعمر البيومي قد يتطلب أمرًا تنفيذيًا من الرئيس دونالد ترامب، وهو ما يعده مالوني مستبعدًا في ظل ما تقدمه الإدارة الأمريكية الحاليّة من دعم قوي للنظام السعودي

وفي أبريل الماضي، طلب مالوني من مكتب التحقيقات الفيدرالي الحصول على وثائق عن الثميري وعمر البيومي، وهو جاسوس سعودي مشتبه به في الولايات المتحدة كان على اتصال أيضًا بالمعتدين، لكن المكتب لم يستجب، وعليه يعتزم المحامي تقديم طلب رسمي لإلزام مكتب التحقيقات الفيدرالي بإصدار الوثائق تزامنًا مع الذكرى الـ17 لهجمات سبتمبر، لكن الوصول إلى تلك الوثائق قد يتطلب أمرًا تنفيذيًا من الرئيس دونالد ترامب، وهو ما يعده مالوني مستبعدًا في ظل ما تقدمه الإدارة الأمريكية الحاليّة من دعم قوي للنظام السعودي.

وتأتي تصريحات المحامي بعدما اتهم ستيفن مور عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي ترأس التحقيق الذي أجراه المكتب عن اختطاف الطائرة التي توجهت إلى البنتاغون، لجنة 11 سبتمبر بتضليل الرأي العام عندما قالت إنها “لم تعثر على أدلة”، وكتب مور موضحًا ادعاءه بالقول: “كان هناك دليل واضح على أن الثميري قدم المساعدة للحازمي والمحضار”، شارحًا “بالاستناد إلى الإثبات في تحقيقنا، كان بيومي نفسه عميلاً سريًا ومرتبطًا بالمتطرفين، ومن بينهم الثميري”، الذي لم يكن التحقيق الأمريكي معه معمقًا ودقيقًا.

وكانت السلطات السعودية قد سلمت وثائق عبارة عن أكثر من 6800 صفحة جلها باللغة العربية، ويعكف فريق المحامي مالوني على ترجمتها، وقال مالوني إن تلك الوثائق تتضمن أشياء مهمة وسيطلب من الرياض وثائق جديدة عن طريق المحكمة، ويلفت إلى إنه سيعود إلى المحكمة في أكتوبر للضغط من أجل الحصول على مزيد من الوثائق.

لماذا تعاونت الاستخبارات الأمريكية مع السعودية لإخفاء تفاصيل 11 سبتمبر؟

للإجابة عن هذا السؤال ينبغي العودة إلى الاتهامات التي كالها كلارك لمسؤولي “سي آي إيه”، بمن فيهم مدير الوكالة جورج تينيت، وهي الاتهامات التي أقسم تينيت أمام الكونغرس بأنه لم يكن على دراية بالتهديد الوشيك؛ مبررًا ذلك بأن البرقية التي وردت للوحدة لم تحمل وسم “سري للغاية” أو “مستعجل” فبقيت غير ملحوظة، في إشارة إلى دخول المحضار والحازمي.

لكن هذه الرواية التي رواها تينيت تم دحضها بعد 5 أعوام حيث كشف السيناتور رون ويدن وكيت بوند تلخيصًا للتحقيق الداخلي الذي أجرته “سي آي إيه” في 11 سبتمبر، وذكر أن ما بين 50 إلى 60 عميلاً قرأوا برقية إلى 6 برقيات احتوت معلومات تتعلق بسفر بهؤلاء الإرهابيين، ما أدى إلى غضب كلارك عندما اكتشف الأمر، خاصة أنه كان يثق بتينت الذي كان صديقًا وزميلاً، ومقتنع بأنه يقول الحقيقة.

في عام 2009، بعدما شعر باليأس من قلة اهتمام وسائل الإعلام بكتم الـ”سي آي إيه” للمعلومات، كتب كلارك كتابًا عن الازدواجية بعنوان “حكومتكم تخلت عنكم” (Your Government Failed)، لكن الأخير تم تجاهله إلى حد كبير، ولذلك عندما تواصل معه كل من دوفي ونوسيليسكي رحّب بهما بشدة.

ورغم أن السبب الذي جعل “سي آي إيه” تتكتم على تفاصيل مهمة وتقرر عدم مشاركة “إف بي آي” بها طوال هذه السنوات لا يزال غير واضح، فإن كلارك وغيره من المطلعين في مكافحة الإرهاب يعتقدون أن “سي آي إيه” كانت تخطط لتجنيد كل من المحضار والحازمي – وربما عناصر أخرى من القاعدة – وتحويلهما لعميلين مزدوجين.

وكما تقول النظرية التي أوردها الكتاب إنه “لو اكتشف “أف بي آي” أنهما في كاليفورنيا لطلب اعتقالهما”، لكن عندما فشلت الخطة أخفى تينت المعلومة عن كلارك؛ حتى لا يتهم مسؤولي الوكالة بارتكاب مخالفة وإساءة استخدام السلطة، وهذا هو التفسير المنطقي لإخفاء المعلومات عن وصول الحازمي والمحضار حتى بعد الهجمات، كما يقول الكاتبان.

لكن قد لا يكون ذلك هو التفسير الوحيد، فالأدلة الجديدة التي قُدمت للمحاكم الأمريكية، التي كشفت صحيفة “نيويورك بوست” الأمريكية المفضلة لدى الرئيس ترامب، وموقع فوكس نيوز على الإنترنت الداعم له، عن تورط السعودية في دعم وتمويل هجمات 11 سبتمبر، تحل مع الذكرى الأولى لاعتماد الكونغرس الأمريكي لقانون محاسبة رعاة الإرهاب، والمعروف اختصارًا بـ”قانون جاستا”.

وبحسب الصحفية في مجلة “سي كيو” الأمريكية بريس أزوالد، تمكن ولسنوات كثيرة السياسيون حلفاء السعودية في واشنطن من توفير حماية لها من دعاوى أهالي الضحايا، لكن مع مرور السنين برزت أيضًا عوامل عززت من قناعة الكونغرس لدعم قانون “جاستا”، منها سجل السعودية الطويل في دعم الإرهاب وتمويل الجماعات الدينية المتطرفة في الشرق الأوسط وشرق آسيا.

وانطلاقًا من تلك المعلومات تحرك المئات من أقارب ضحايا الهجمات لتعديل صياغة الشكاوى المقدمة، ورفع دعوى قضائية ضد الحكومة السعودية أمام المحكمة الفيدرالية في نيويورك مطالبين بتعويضات مالية، رغم ممارسة “اللوبي السعودي” ضغوطًا كبيرة على إدارة أوباما للحيلولة دون إقرار قانون “جاستا”، وفي العام الماضي، تم اكتشاف وكلاء من السعودية يقومون بحملة علاقات عامة بشكل سري في محاولة لعرقلة مشروع قانون في الكونغرس يسمح لمجموعة من أسر ضحايا 9/11 بمقاضاة المملكة عن الأضرار، وكان لافتًا فشله في إحداث تحول في الموقف الأمريكي، وخصوصًا في الكونغرس.

إلى أين يمكن للأمور أن تصل بالسعودية؟ الجواب لا تجده في التكهنات وإنما في التوقعات، وثمة من يتوقع رفع الحصانة عن الرياض في العالم كله، لا في هذه المحكمة الأمريكية أو تلك، وإنهاء ما وصف باستثناء السعودية، فليس بالمال وحده تستطيع أن تبقى وأن تنجوا.

 

أحدث العناوين

Ansar Allah leader reviews American and British failure in confronting Yemeni operations

On Thursday, Ansar Allah leader, Abdul-Malik Al-Houthi highlighted the American and British failure in their attempts to counter Yemeni...

مقالات ذات صلة