هتئتها التهامية البسيطة تنبئ عن طيبة فائضة، و ملامح الشيخوخة في وجهها تشير أن عمرها قد تجاوز الستين، عيناها تنطقان برجاء و أمل خجول، من يدها اليمنى يتدلى كيس بلاستيكي مهتريء، و في اليد اليسرى رزمة تقارير طبية وروشتات بأسماء أدوية كثيرة.
رفاء نبيل -الحديدة-الخبر اليمني:
كانت تتأملني من بعيد قبل أن تتقدم نحوي بخطوات مرتبكة و تسألني بصوت خافت:
(هل انت من أخذت رقمي قبل أيام لتساعديني؟)
أدهشني سؤالها فقلت : يبدو انه تشابه لا اكثر يا خالة!
لكنني لم أستطع لجم فضولي الذي دفعني لاستدراجها كي تحكي قصتها:
اسمها “سلامة علي”
أرملة مريضة بالقلب وأم لثلاثة ابناء، هي من تعيل أسرتها منذ عشر سنوات بعد إصابة زوجها بجلطة سببت له الشلل لأربع سنوات قبل أن تسلمه للموت.
من وقتها للان عملت” الحجة سلامة” في وظائف عديدة؛ عاملة تنظيف في المدارس و المستشفيات و البيوت، بائعة فل تجوب الشوارع…
لا تكف المصائب عن مطاردتها، فمع انهيار الأوضاع الاقتصادية للبلاد والحالة المعيشية للناس، فقدت سلامة وظيفتها كعاملة تنظيف.
ثم فجعها القدر مجددا بابنها “عمر” الذي تعرض لإعاقة دائمة بعد إصابته بشظايا استوجبت بتر ساقه اليسرى.
بعد حادثه ابنها عمر بأشهر شاءت الاقدار أن تذيقها جرعة أخرى من المرارة والالم.
إبنتها الكبرى “فوزيه” مطلقة و أم لطفلتين تقيم في منزل والدتها.
فوزيه كانت تعاني وتحتاج لإجراء عملية “الناسور” فيما الأم لا تملك شيئا، وبعد عناء طويل استطاعت جمع تكاليف عمليتها باهضة الثمن لتجريها في أحد المستشفيات الخاصة.
لكن فوزية لم تتعافى بعد العملية، هناك شبهة وجود خطأ طبي بينما يصر الطبيب على القول أن جرحها لم يلتئم بسبب إصابتها بمرض “السكري” و أنه يجب إجراء عملية ثانية في اسرع وقت، هذا بخلاف تكاليف الأدوية باهظة الثمن.
تمضي الأيام ببطء في زمن الحرب، أيام ثقيلة و معها يزداد ثقل الحمل على كتفي سلامة ما دفعها أخيرا للتسول في المدارس والجامعات حاملة معها التقارير الطبية لابنائها و كل البؤس المطل من ملامح وجهها المتعب سائلة الناس مد يد العون لها ولسان حالها يقول: (هل من معين يا الله) ؟
