صفقة القرن: الفلسطيني الحاضر الغائب؟

اخترنا لك

قد تبدو كل اطراف “المعادلة” في مستند الرؤية: ‘السلام والرخاء للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني’ المعروفة بـ “صفقة القرن” واضحة ما عدا من هو الشريك الفلسطيني! ففي حفل اشهار رؤية ‘صفقة القرن’ غابت ‘العروس’ فلسطين رغم حضور بعض ‘الشهود’ (سفراء) من ثلاث دول عربية (الامارات والبحرين وسلطنة عمان) !، وبعضهم من خلف الستار!؟. ففي تاريخ المنطقة كان مثلث التعاون الحميم بين انظمة الرجعية العربية والامبريالية والصهيونية في توافق تام عبر مراحل الصراع التاريخي كلها.
فمنذ تحرير رسالة وزير الخارجية البريطانية جيمس بلفور التي صدرت في ٢ تشرين الثاني ١٩١٧ وفيما أصبح يعرف بـ “وعد بلفور” كان هناك “شريكا عربيا” في كل مؤامرة على الشعب الفلسطيني! الا انه ومنذ اتفاقية أوسلو اصبحت ضرورة وجود وتعاون شريك فلسطيني اهم من وجود شريك عربي (غير فلسطيني). فهل سيتم انتاج ‘شريك’ هذه المرة على الطراز ذاته ام ان الشريك هو بمثابة “حاضر غائب”؟.
إذا ما تناولنا الخطاب السياسي المعلن لمذيع ( نظرا لوجود نتنياهو كمخرج وثلاثة مشتركين في كتابة السيناريو) ‘صفقة القرن’ الرئيسي دونالد ترامب فسنجد ان “الفضاء العمومي” امتلأ بثلاثة نصوص: النص الأول هو خطابي الاشهار لترامب ونتانياهو (الشراكة الامبريالية الصهيونية)؛ والنص الثاني هو المستند ذاته؛ اما النص الثالث فهو في ما يسمى ب “التفسير الترويجي” اللاحق للمستند وذلك من قبل مستشاري ترامب ومساعديه.
في خطاب “حفل الإشهار”، تفوه ترامب بجملة اراها في غاية الأهمية عندما قال:
“أفكر انهم سيريدونها في النهاية. هي جيدة جدا لهم”.
“I think in the end they’re going to want it. It’s very good for them”!
هذه الجملة مقسمة الى ثلاثة مركبات:١) “انا ترامب افكر” (أي انا الذي اقرر). ٢) “في النهاية”. إذا انه لدينا الطرح الان في حفل الاشهار ولكن يوجد جزء لاحق وهو ‘في النهاية’ (وبعد الضغط والتهديد) – أي ان هناك مراحل متعددة. وهذه الجملة تستند على ‘نظرية الصدمة’ وهي: الصدمة المتدرجة ويتلوها الإحباط وبعدها التأقلم، ويتلوها القبول ويمكن ان تفهم (على الأقل) على النحو التالي: ١) هذا هو الحل الوحيد الممكن والنهائي ولن ترون حلا آخر. ٢) سأفرض عليكم هذا الحل شئتم ام ابيتم. ٣) انذركم لكني امنحكم الوقت لترتيب اوضاعكم الداخلية. ٤) سيكون هناك من سيقبلها !
أما المركب الثالث فهو عندما قال في القسم الثاني من الجملة: “هي جيدة جدا لهم”… فهو لم يفصح عن من يقصد بـ’لهم’. فمن الممكن ان في عقله او وفقا لمعلوماته انه لو لم تقبلها هذه القيادة فيوجد احتمال (او يوجد اسم شخص) أن “قيادة أخرى لاحقة ستقبلها”؟.
هل هذه الجمل هي عبارة عن تورية استقاها من نسيج خياله ‘الادبي الأخلاقي’ ام ان هذه الجمل تستند على مخططات او “خيوط مؤامرتيه” وعلى ضرورة ايجاد او ‘انتاج’ وموضعة شخصية فلسطينية او بالأحرى وجود شخصية فلسطينية معينة او اكثر اتفق معها مسبقاً ترامب ونتانياهو (او انها مؤهلة لان يتفق معها) على ان تكون هي الشريكة من خلف الستار وأنها ستطفو على السطح في الوقت المناسب لتنفيذ هذه ‘الرؤية’، وعندها فقط يصبح من الممكن تسميتها ب ‘صفقة’ وذلك لوجود طرفين؟
في اتفاقيتي أوسلو (لعامي ١٩٩٣-١٩٩٥) تم اعداد اتفاقية امنية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. ورغم ذكر ‘الامن الخارجي’ في اتفاقية أوسلو الا ان هذا بقي تحت سيطرة الجانب الإسرائيلي (الحدود مع الأردن ومصر، والجو والمياه وأمن المستوطنات والمستوطنين). اما الامن الداخلي، ورغم انه كان من المفروض ان يكون في قبضة الجانب الفلسطيني. وقد جاء ذكر تأسيس ‘شرطة قوية’ لضبط الامن العام مكونة من ستة فروع\انواع. الا ان تأليف لجنة تعاون وتنسيق -أمني مشترك – مع الجانب الإسرائيلي أبقت الجانب الفلسطيني في خانة ‘المطيع’ رغم تباين أنواع التنسيق في فترات التوتر المختلفة بين الطرفين. أما في مستند رؤية ‘صفقة القرن’ فتم توسيع الرقعة الأمنية لتشمل الاقليم بأكمله.
بعد اشهار مستند “رؤية” ‘صفقة القرن’ تم تداول (وكإحدى إمكانيات رد الفعل الفلسطيني) تخفيض او توقف التعاون الأمني بين الطرفين. إلا ان الامر الاوسع والذي يتعلق بالأمن الخارجي، اخذ يتوسع في مستند الرؤية “صفقة القرن” وشمل أمورا إقليمية كاملة تحت ذريعة صراع القوة في الإقليم وبالتحديد ما بين إيران وإسرائيل. حيث ورد في
المستند ضرورة تأسيس “لجنة أمن إقليمية”:
Regional Security Committee
كما ورد اسم السعودية والامارات كشريكتين في هذه اللجنة الامنية الإقليمية.
نتيجة الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي العارم وحتى وان خضعت الأنظمة العربية لابتزاز ترامب (وجعلها تسدد الخمسين مليار دولار لتنفيذ الصفقة) الذي صرح به جهارة في الماضي، وصرحت انها تدعم ‘رؤية’ ‘صفقة القرن’ فيجب ان تأتي هذه الأنظمة العربية بمجموعة فلسطينية او على الأقل ‘شخص’ فلسطيني إما من الداخل او الخارج لتطبيق هذه الصفقة؟.
السيناريو الأول والذي هو من المؤكد ان الإدارة الأمريكية كانت قد درسته يتعلق بـ ‘الخلافة’ او وراثة السلطة وخطوات تعاقب القيادة بعد ترك الرئيس محمود عباس السلطة وإمكانية ان ‘تنتج’ وتعين شريكاً فلسطينيا ‘متهاونا’ او ‘متعاونا’ معها لتنفيذ الصفقة؟ وله سجل ايجابي في التعاون معها في السابق. الإمكانية الأخرى تستند على أساليب اكثر ‘ضراوة’ للامبريالية الامريكية (وليس فقط ترامب) وعلى تاريخها الحافل في الحروب وحملات الغزو وتدبير الانقلابات والاغتيالات عبر العالم؛ فقد تقوم الإدارة الامريكية وبتكليف لأجهزتها السرية وبالتعاون\الشراكة مع أجهزة امنية إقليمية “عربية” وأجهزة الاحتلال بتنفيذ انقلاب دموي في قطاع غزة وآخر ‘أبيض’ في الضفة الغربية وبهذا تكون قد مهدت الطريق لأن “يطبع” الفلسطينيون مع ‘صفقة القرن’ (وبالتحديد اذا ما استمر الانقسام الفلسطيني الداخلي) وأن كرازاي فلسطيني، وذلك لقاء تنصيبه ‘قائدا’ جديدا، يقبل ( يحاول) بتنفيذ ‘صفقة القرن’ ليقول ترامب في النهاية، “لقد قلت لكم: انهم سيريدونها في النهاية. هي جيدة جدا لهم”. فهل يوجد “كرازاي فلسطيني” (ومجموعة تدعمه) حاضر غائب مقبول ومختبر بالتحديد لدى الطرف الإسرائيلي وعلى أمريكا والأطراف الإقليمية والتي من الممكن ان تلعب هذا الدور؟
تعودت على قراءة المقولة النقدية ( للإمبريالية ) البريطانية القائلة: حسنًا ،،، إن لم تكن هناك مؤامرة،،، فتبا لكم، كان من الأفضل ان تكون هناك مؤامرة !

* أكاديمي فلسطيني متخصص في الاعلام السياسي – كيمبريدج، إنجلترا

 

المصدر: رأي اليوم

أحدث العناوين

انفجارات في مدينة أصفهان الإيرانية..ماذا تقول الأخبار الأولية

تحديث: فوكس نيوز: مصدر أمريكي يؤكد الضربة الإسرائيلية داخل إيران، ويقول إن الولايات المتحدة لم تكن متورطة، وكان هناك إخطار...

مقالات ذات صلة