منى الحجري:
في الواحدة صباحاً كانت الأبواب مغلقة ، البابُ الخارجي لبيتنا ما يزال مفتوحاً لم اتربسهُ بالقفل بإنتظار أخي الذي ما يزالُ في الخارج ، اوصدتُ نوافذ غرفتي واتجهتُ متثاقلةً خطواتي إلى فراشي الذي ما إن تكورتُ عليه حتى انتفض بي برداً يُثلجُ أطرافي ،
تحاملتُ على التفافي عليه لأجذب بطانيةً من خزانة أمي التي كانت قد غرقت في سباتٍ عميق ، وعدتُ إلى فراشي بنفسِ التباطؤ في المرةِ الأولى ، استلقيتُ بظهري ونظرتُ إلى أعمدة السقف وهي ترسمُ من ضؤ هاتفي ظل وجهي ، كان الظلُ ثابتاً فأنا لم أحرك رأسي لا يمنةً ولا يسره ، كل ما في غرفتي مثيرٌ للإنتباه ، صوتُ عقارب الساعة المثبتة على الحائط أعلى الباب ، صوت دبيب النمل فوق قطعة الشكولا التي تكاسلتُ عن أكلها ، صوتُ المروحة وهي تجرُّ جناحاً تلو الأخر لتركي باب غرفتي مفتوحاً حتى اسمع رنة جرس الباب الخارجي بينما يجيء أخي ، حتى زفراتي وشهقاتي بدا لها صوتاً يشبهُ الصفير في ليلة قارصة البرودة ، اما دقات قلبي فكانت تشبهُ المضخة صعوداً وهبوطاً بصدري ،
يا الله كل ما اسمعه يزعجني ، وددتُ لو انسلخ مني ، انسلخُ روحاً ويظلُ جسدي هنا معلقاً مع هذه الأصوات ،
تمرُّ الدقائق وهي تنتحبُ عليّ وكأنها في عزاءٍ مؤقت لجسدٍ وحيد في زوايا أربعة ،
الموت السايكولوجي هذا هو ما أشعرُ به هذهِ الأثناء ولا قدرة لي على الإنفكاك منه بسهولة ، كل ما كان يفزعني أن ثمة شيء يضربُ في أصابع قدمي ويدي وكأنهُ ماس كهربائي ذا فولتيه كبيرة ، ينفخُ جسدي المرمي على الفراش كالمنطاد بغازٍ مغشوش فيرتفعُ بي ببطء تارة ويلقي بي تارةً أخرى بسرعةٍ قاتلة ،
يا الله إني استنزفُ وقتاً مخيفاً في بيتٍ أشبه ببيت الأشباح الذي قرأتُ عنه ذات يوم في رواية دراكولا ، ايكونُ عقلي يستحضرُ تلك القصة واقعاً حقيقاً في هذهِ الليلة الكئيبة ،
حاولتُ شدَّ قدمي إلى الأعلى ولكني تبلورتُ متصلبة كالإناءِ الموضوع في فريز ثلاجتنا قبل أن ننسى شكل الثلج لغياب الكهرباء ما يتجاوز ست سنوات وأكثر ، أحسستُ بإنكماشي كأسفنجةِ المواعين حينِ يهجرها الماء على رف المطبخ متجاهلين استخدامها ،
ما الذي أصاب جسدي اليوم لا شيء فيه ينفذُ ما أطلبهُ منه، وجهي ككرةِ الغولف وهي تسقطُ في حفرة عميقة جراء ضربةٍ قوية من لاعبٍ محترف ، ظهري متخشبً على السرير كلوحِ ، يديَّ ممدودتان كجناحي نسرٍ مصلوب في قمة جبل ، قدمايَّ كعموديَّ كهرباء في منتصفِ السرير ، وداخلي ضرباتٌُ كالمطرقة على وتدٍ متحجر ، يزيدُ توتري ، وانا في دائرة صراعٍ مع جسدي المنهك هزَّ جرس الباب الخارجي للبيت أذنيَّ بعنف ، فوثبتُ واقفة وعينيَّ سبقتني إلى الساعة فإذا هي الواحدة وخمس دقائق ، حينها عرفتُ أني كنتُ في كابوسِ غفوة مؤقتة..