| د. عبدالله الأشعل*
مادامت الأمم المتحدة (المحكمة واليونسكو) قد قررت أنه ليس للصهاينة حق فى فلسطين فلابد من مراجعة تاريخ الصراع مع إسرائيل الذى ينقسم إلى صفحتين صفحة تخص الفلسطينيين وصفحة أخرى تخص العرب وتاريخ الصراع به الكثير من الخرافات والاساطير وأن المسألة كلها هى مؤامرة على فلسطين التى كانت تظن أنها جزء من العالمين العربى والإسلامى ومحمية بهما . وبالفعل فإن مراجعة الشعارات الناصرية والقومية تقطع بذلك ولذلك تعلق الفلسطينييون بالحركة القومية أملا منهم أنها تحميهم فكما خطط الغرب من خلال بريطانيا فى زرع إسرائيل فى فلسطين ظنت فلسطين أن انتماءها العربى والإسلامى سوف يقابل المؤامرة الغربية.
والحق أن هذه المراجعة لم تكن ممكنه قبل طوفان الأقصى الذى كشف أمورا كثيرة ما كان يمكن أن تتكشف وأولها أن الفلسطينيين لم يتوقفوا يوما عن مقاومة الصهيونية لديهم وأنهم رفضوا المغامرين الصهاينة الذين تسللوا إلى قراهم فى القرنين التاسع عشر والعشرين ولكن الاوساط الصهيونية أشاعت فى الأوساط العربية أن الفلسطينيين باعوا أرضهم وأنهم هم من جلب الصهاينة إلى بلادهم وإلى المنطقة وقد شاع فى مصر عند قيام إسرائيل وتدفق اللاجئين الفلسطينيين إلى مصر هذه المقوله.
وثانيها أن الدول العربية كانت عاملا سلبيا فى مقاومة الفلسطينيين للصهاينة وأن من أسباب احباط الثورة العربية الكبرى فى فلسطين (ثورة القسام عام 1936) كانوا هم العرب حتى أن بريطانيا العظمى استعانت ببعض الاطراف العربية حتى تهدأ هذه الثورة فارسل الملك عبدالعزيز نجله الأمير فيصل عام 1936 وكان الشاعر الفلسطينى الذى رحب بالامير بليغا فى شعره عندما قال
ياذا الامير أمام عينك شاعر
ضمت على الشكوى المريره أضلعه
المسجد الأقصى أجئت تزوره
أم جئت من قبل الضياع تودعه
ويبدو أن الشاعر قرأ هذه الحاله المتدهورة مبكرا وبالفعل صح ما توقعه بعدها بسنوات قليله. كذلك حاولت بريطانيا أن تقوم بجهد مباشر مع الحكام العرب فعقدت مؤتمر لندن للحكومات العربية عام 1939 قبيل بداية الحرب العالمية الثانية وتوصلت معهم إلى اقرار مبدأ الهجرة اليهودية إلى فلسطين واوهمتهم انها وضعت خصيصا لهذه الهجرة فخرج المأتمرون فرحين بالنتيجة .
ثالثاً أن بريطانيا تمكنت من تدريب العصابات الصهيونية فى جيوشها فى جميع الساحات لكى يحصلوا على التدريب والسلاح وأطلقتهم على الفلسطينيين وهذه العصابات هى التى قادت ما أسموه حرب تحرير فلسطين وأطلقوا على يوم النكبة العربية وهو يوم قيام إسرائيل فى 15 مايو 1948 يوم الاستقلال ولم تعترف الدول العربية بقرار التقسيم أو بقيام إسرائيل ومصر كانت الدولة الوحيدة الجادة التى استشعرت خطر قيام إسرائيل على حدودها ولذلك رفض الملك فاروق الاعتراف بإسرائيل واعلن الحرب عليها وارسل جيشا لمحاربة هذه العصابات ولكن الجبهه العربية التى تكونت من خمس جيوش اخرى لم تكن جادة كما أن قيادة هذه الجيوش لم تكن على مستوى التحدى ولما كانت مصر هى اكبر الدول العربية والمشروع الصهيونى يستهدفها فقد اتخذ الملك فاروق موقفامناهضا للمشروع الصهيونى فكان جزاؤه ان تم خلعه وان تأخر ذلك الخلع اربع سنوات حيث شهدت مصر حركة الضباط عام 1952.
رابعها أن بريطانيا العظمى هى التى قدمت مشروع قرار التقسيم بعد أن أكملت المسرحية بإلغاء انتدابها من طرف واحد على فلسطين عام 1946 فرفضت الدول العربية جميعا قرار التقسيم كما رفضته إسرائيل وكان قرار التقسيم اسطورة من الاساطير وأكذوبه من الاكاذيب التى انطلت على العالم العربى وغفلوا عن أن الحركة الصهيونية كانت تريد فلسطين كلها وليس اقتسامها مع صاحب الأرض وتشكل الجيش الاسرائيلى من هذه العصابات وخلع رداء الدولة على إسرائيل ثم كانت المهزلة الكبرى أن دخلت إلى الأمم المتحدة عضوا فيها فى 9 مايو 1949 وقد صدر قرار مجلس الأمن يقر بتوفر شروط العضوية فى المادة الرابعة من الميثاق فى هذه العصابة وكانت واشنطن هى التى ورثت تسويق إسرائيل بعد أن زرعتها بريطانيا العظمى.
خامسها لم تدرك الدول العربية والفلسطينيون حقيقة المشروع الصهيونى ومع ذلك استغلت إسرائيل عدم موافقتهم على القرار لتشن حملة عليهم بأنهم ضد السلام.
والواقع أنه منذ قيام إسرائيل أطلقت المصادر العربية على المواجهة العربية في فلسطين الحرب العربية الإسرائيلية الأولى وقد ظلم العرب أنفسهم لان الجيوش التى ذهبت إلى فلسطين افتقرت إلى عوامل الجدية والفاعلية ولما تقدم الصراع العربى الإإسرائيلى الموهوم لانه صراع بين دول عربية وبين عصابات صهيونية تدعى زورا أنها تملك كل فلسطين والواقع أنها لم تكن صريحة قبل طوفان الاقصى أما بعد طوفان الأقصى فقد تكشفت النوايا الحقيقية لهذه العصابات.
سادساً الضغوط العربية والدولية على ياسر عرفات اضطرته إلى قبول قرار التقسيم وإلى الغاء ما تضمنه ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية من انها تهدف إلى تدمير الصهاينة ولم يكن فيه ما يعيب و اضطر ياسر عرفات إلى توقيع اتفاق أوسلو والاعتراف بإسرائيل الصهيونية يعنى أن ياسر عرفات اعترف بالعصابة الصهيونية على أرض فلسطين بينما هذه العصابة لاتعترف بالشعب الفلسطينى ولا بحقوقه على الأرض.
سابعا استجدى ياسر عرفات إسرائيل حتى توافق على حقوق الشعب الفلسطينى فى قرار التقسيم فكأن صاحب البيت يستجدى اللص السماح له باستخدام بعض غرف البيت.
ثامنا تمكنت واشنطن من شق الصف العربى المجمع على العداء للعصابة الصهيونية ونجحت في استدراج السادات إلى هذا الفخ بعد أن كانت مصر تتمسك مع العرب بعدم الصلح المنفرد مع إسرائيل قادت مصر هذا الصلح المنفرد ومن قبيل النفاق العربى فرض العرب عقوبات على مصر بسبب هذا الصلح المنفرد علما بأن واشنطن هى المحرك الاساسى فى هذا الصلح وصدقت مصر أن العرب ضد السلام مع إسرائيل وتفخر مصر بأنها مكنت إسرائيل من كسر الاجماع العربى واختراق الصف العربى فتحولت مصر من المعسكر الذى يرفض الصلح مع العصابة الصهيونية على جثة الفلسطينيين إلى الطرف الرئيسى الذى دخل بيت الطاعة الأمريكى وصدق من خطط لكى تعمل مصر مع إسرائيل ضد مصالحها القومية والوطنية.
تاسعا تمكنت واشنطن من القضاء على العمل العربى المشترك إلا أن يكون لصالح إسرائيل فاقدمت على أمرين معاً الأول هو خلق مصالح ذاتية لكرسى الحكم ضغط فى هذه المرحلة على مصالح الوطن وقد كشفت ملحمة غزة نجاح هذه السياسة اذ انفردت إسرائيل بإبادة الفلسطينين بإطمئنان دون خوف من احتمال تدخل اى طرف عربى.
عاشراً منذ أن عقدت مصر الصلح المنفرد مع إسرائيل عام 1979 شجعت إسرائيل على اختراق الساحة العربية فى البداية يبدو أن السادات كان يظن أنه يصنع معروفا فى إسرائيل لتوسط مصر بينها وبين الدول الممانعة ولكن الدول العربية بتشجيع واشنطن ذهبت هى إلى إسرائيل وبقيت مصر تتفرج عليها علما بأنه كلما تم الاعتراف العربى بإسرائيل اضيرت مصالح مصر الاستراتيجية وقويت إسرائيل فى مواجهة مصر.
الحادى عشر ظلت مؤتمرات القمة منذ عام 1979 تردد الصيغة العربية للسلام مع إسرائيل وبالذات تبلورت هذه الصيغة منذ قمة بيروت العربية 2002 حيث طالب العرب إسرائيل بأن تنسحب من الأراضى العربية المحتلة علما بأن إسرائيل ادعت تبعية هذه الأرض لها.
ومن ناحية أخرى طالب العرب بدولة فلسطينية تسمح إسرائيل بقيامها مقابل اعتراف العرب بإسرائيل علما بأن الدولة الفلسطينية تعنى أن يقبل اللص بإقامة صاحب البيت إلى جواره فكأنهم سلموا لاسرائيل الصهيونية بالاقامة فى فلسطين ومن ناحية ثالثة اشترطوا أن تكون حدود الدولة الفلسطينية هى الرابع من يونيو 1967 وهذا يعنى التنازل العربى لاسرائيل عن قرابة ربع الأراضى الفلسطينية خارج حصة إسرائيل فى قرار التقسيم ,
ومن ناحية رابعة فإن العرب يطالبون بعاصمة لهذه الدولة هى القدس الشرقية المحتلة عام 1967 مع التنازل لإسرائيل عن غرب القدس.
ولذلك لايحق للعرب أن يتحدثوا بأسم الفلسطينيين وأن يفرضوا وصاية عليهم بعد الآن وسنري أول قمة عربية بعد طوفان الأقصى وهل يجرؤ العرب على المطالبة للفلسطينيين بدولة على كل فلسطين ويسحبوا اعترافهم أم أن الكراسى أهم من مساندة الحق الفلسطينى فى فلسطين؟!
*كاتب مصري/ مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.