كسر قيود الجغرافيا والتاريخ: كيف أعادت المقاومة رسم خريطة الصراع؟

اخترنا لك

أبو بيروت:

العدو الصهيوني حقق مشروعه الإحلالي الاستيطاني تنفيذاً لمخطط وضع قبل مئة سنة، أولاً بالتزام عناصره بالعقيدة والفكر الصهيوني، وثانياً باعتماد وسائل ترهيبية والمبادرة بالتخطيط والهجوم على جميع الأصعدة وتوفير الإمكانيات الضرورية لذلك وتحشيد الدعم اللازم من مشغليهم.

مارس العدو سياسة تهجير لإفراغ فلسطين من سكانها بارتكاب أفظع المجازر وأقسى أنواع الحصار (وهو ما يتكرر اليوم بعد 8 عقود).

وبعد فشل الأنظمة العربية المتواطئة، كما هي الآن، في التصدي للاحتلال، برزت قوى ثورية رمت إلى التحرر والتحرير، وانطلقت حركة فتح حاملة لواء الكفاح المسلح (إلى جانب منظمات فلسطينية مسلحة أخرى) ونجحت إلى حد بعيد في خلخلة الكيان الغاصب واستقطبت الثوار من كافة أرجاء الوطن العربي وأنحاء العالم، ونفذت عمليات فدائية دون أن تضع حدوداً ولا خطوطاً حمراء عند استهداف الصهاينة داخل فلسطين المحتلة وعند خطف الطائرات، فوضعت بذلك القضية الفلسطينية في واجهة الأحداث العالمية وأصبحت ما يسمى “قضية الشرق الأوسط” محل نقاش سياسي في كل المحافل الدولية.

عندما قام النظام الرسمي العالمي بالهجوم على “إسرائيل” سنة 73 كان ذلك من أجل محو آثار هزيمة 67 وليس للقضاء على الكيان.

وبعد اتفاقيات الذل والعار مع العدو الصهيوني (كامب ديفيد، وادي عربة، أوسلو)، برزت المقاومة الفلسطينية الإسلامية كبديل ثوري مقاوم شكل معادلة ردع شديدة بفضل العمليات الاستشهادية التي تطال العمق الصهيوني ومجتمعه المعسكر، إذ لا يوجد في الكيان مدنيون.

وتزامنت تلك العمليات مع انتفاضة أطفال الحجارة التي فرضت واقعاً سياسياً دولياً جديداً أحيا خيار المقاومة من جديد (ودخلت كلمة الانتفاضة القاموس السياسي العالمي).

وبالرجوع إلى الاتفاقيات و”الحلول السياسية”، تبين أن ما أخذه العدو من خلالها من مكاسب أكثر بكثير مما حصل عليه بالقوة، فتوسع الاستيطان وبنيت المعتقلات والسجون وامتلأت بالفلسطينيين والعرب، وضمت أراضٍ كالجولان وجنوب لبنان، وقُبرت القضية الفلسطينية وتكرست يهودية الدولة.

دُحر الاحتلال وطُرد من لبنان بفضل المقاومة الإسلامية (حزب الله) وهُزم في حرب 2006 وأصبح الحزب قوة ضاربة محلياً وإقليمياً يُحسب لها ألف حساب وتؤخذ بعين الاعتبار في المعادلات الدولية، وبرز الدور الهام لقائد الحزب والأمة الشهيد سماحة السيد حسن نصر الله الذي وضع نصب عينيه تحرير فلسطين ولكنه كُبل بأغلال سياسية واعتبارات محلية وإقليمية بعد طوفان الأقصى الاستثنائي والأسطوري والملحمي الذي مَثّل شرارة انطلاق تحرير فلسطين لو تجاوب المحور وبادر للهجوم و”احتلال الأراضي” داخل “إسرائيل” عوضاً عن الإسناد أو على أقل تقدير مهاجمة البنية التحتية للعدو وأبراجه “المدنية” وقصف التجمعات السكانية والإجهاز على جمهوره وعدم التقيد بالخطوط الحمراء وأخلاقيات الحروب ومساكنة الطابور الخامس، لذا كانت النتائج كارثية على لبنان (اغتيال القادة وتدمير نصف البلد وخسارة مقدرات الحزب بالاتفاق “1701”) وعلى سوريا وسقوط نظامها المتردد دائماً في مقاومة الاحتلال، وعلى غزة بمحوها حجراً وبشراً. ولولا تدخل اليمن في المعركة وقلب موازينها لكان الوضع أكثر كارثية.

إن مهاجمة اليمن للكيان الصهيوني ومشغليه وداعميه بفكر وعقيدة راسخة وإيماناً قوياً بنصر الله، أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المبادرة والهجوم وإرادة التحرر وحدهما القادرين مع الثبات والعزيمة وتوفير الأسباب على تحرير الأرض وكنس الاحتلال وإفشال مشروع الهيمنة، وبالتالي إمكانية توحيد الوطن العربي والنهوض بشعبه والارتقاء به لمصاف الأمم المتقدمة.

إذ نحيي أنصار الله والقيادة اليمنية وقواتها المسلحة، نهيب بهم وبكل أحرار الأمة والحركات المقاومة بمواصلة المسيرة وحشد كل مقدرات الشعب العربي العسكرية والسياسية والثقافية والإعلامية والمعلوماتية لفائدة القضية المركزية فلسطين. وختاماً: “وحدها الحروب التي تغير التاريخ والجغرافيا”.

أبو بيروت.

تونس 29 نيسان 2025.

أحدث العناوين

هل تراهن أمريكا على فصائل الإمارات في اليمن والصومال لمواجهة أنصار الله؟

نشرت مؤسسة منتدى الشرق الأوسط تحليلًا سياسيًا جديدًا للباحث الأمريكي مايكل روبين بعنوان لمحاربة الحوثيين تعاونوا مع خفر السواحل...

مقالات ذات صلة