أتقنت اسرائيل على مدى السنتين الماضيتين وتحديدا منذ وقوع عملية طوفان الاقصى دور الضحية المستضعفة، وهو الدور الذي طالما تسترت به اسرائيل منذ اعلان تأسيسها من رحم الامم المتحدة لتنفيذ سياستها الاحلالية التوسعية على مدى العقود الماضية معتمدة في ذلك على الة دعائية مدروسة و متمكنة و قادرة على قلب الحقائق وتزييفها لتتناغم مع الرواية الاسرائيلية التي يتم ترويجها في العالم و الاستثمار في نقطتين أساسيتين و هما المحرقة اليهودية و عقدة الذنب الاوروبية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في كيان الاحتلال لتكميم الافواه الناقدة و محاكمتها تحت شعار معاداة السامية ..لم يخرج التعاطي الاسرائيلي بعد عملية طوفان الاقصى مع هذا التوجه الذي تحول اليوم الى حرب اعلامية معلنة داخل وخارج الكيان لفرض الرواية الاسرائيلية المتعلقة بعملية السابع من اكتوبر وانكار أي مسؤولية أو دور لسلطة الاحتلال فيما حدث.. بالامس كشف الصحفي الامريكي كريس هدج أنه تلقى دعوة من النادي الصحفي باستراليا للحديث عن تخاذل الاعلام الدولي ازاء الصحفيين الفلسطيني و مقتل 278 صحفية وصحفي قبل أن يتم الغاء الدعوة نزولا عند ضغط اللوبي اليهودي وتعويضعه بالضابط السابق سفير اسرائيل لدى استراليا علما وأن هادج كان من الصحفيين الامريكيين الذين يترددون على غزة وهو شاهد على جرائم الاحتلال في حق نساءها و اطفالها ومساجدها و مستشفياتها قبل الحرب.
نعم مطلوب اليوم خطاب اعلامي يستحضر المشهد الفلسطيني قبل السابع من اكتوبر و يتحدث عن جرائم الاحتلال التي بدأت منذ اربعينات القرن الماضي و استمرت و تراكمت لان العالم تجاهلها و انتصر للجلاد على حساب الضحية لسبب مهم و خطير وهو أن المحرقة اليهودية وقعت في اوروبا و لم ترتبط يوما بالفلسطينيين الذين يدفعون اليوم الثمن …
ولاشك أن هناك اليوم و بعد سنتين من مشروع الابادة المستمر في غزة حاجة لاعادة رسم و تحديد الحرب الاعلامية المضادة ووضع النقاط على الحروف و اعتماد خيارات اعلامية جرئية وواضحة تهتم جديا بكل الاسباب التي دفعت الى عملية السابع من اكتوبر التي سبق و أعلن الامين العام للامم المتحدة أنها لم تكن من فراغ عندما تجاوزت الة القتل و الدمار الاسرائيلية كل الخطوط الحمراء و لكن الحقيقة أن الامين العام للامم المتحدة تخلى عن ذلك الخطاب عندما وجد أمامه سيوف الكيان مسلولة في وجهه تتهمة بدعم الارهاب و تدعو لاقالته من منصبه ..و هو الموقف ذاته الذي سيعتمده كيان الاحتلال كلما ارتفع صوت سياسي أو حقوقي أو قانوني أو اعلامي يذكر العالم بجرائم الاحتلال التي هيأت الارضية لعملية طوفان الاقصى التي أتت على خلفية تراكمات عقود من جرائم الاحتلال الذي راهن أولا على دعم الغرب الامحدود و ثانيا على ضعف و خذلان المجتمع الدولي و غياب سياسة الردع و المحاسبة او المسائلة ليتمادى في سياسة التوسع و الاستيطان و مصادرة الارض والاغتيال والتهجير و التدمير لكل مقومات الحياة بغاية اتلاف ونسف كل احتمالات اقامة الدولة الفلسطينية مهما كانت ضئيلة ..و من هنا كان اطلاق عملية طوفان الاقصى على عملية السابع من اكتوبر و التي تزامنت مع توسع رقعة الحملات الاستفزازية لجيش الاحتلال في القدس المحتلة وتمادي جيش المستوطنين في سرقة الارض و تهويد المقدسات واعتقال الاسرى كل ذلك وسط تصريحات عنصرية ودعوات تحريضية لشركاء ناتنياهو في حكومته اليمينية المتطرفة لاسيما بن غفيروغالانت لطرد الفلسطينيين من بيوتهم بكل الطرق المتاحة بالقصف و الترويع و التجويع او الابادة.
سيقول الكثيرون أن المقاومة دفعت بالفلسطينيين الى الجحيم و تسببت في حصول الدمار الشامل في غزة و أن حماس فشلت في توقع رد الفعل الاسرائيلي عندما اقدمت على عملية السابع من اكتوبر ولم تتوقع أن يقتل جيش الاحتلال عشرات الالاف من الفلسطينيين ويجعل غزة مقبرة مفتوحة وهي مواقف لا تجانب الصواب الى حد ما والاكيد أن حماس أخطات في وضع حساباتها ولم تتوقع ان تستمر الحرب سنتين و ربما تكون حماس راهنت على دعم سيأتي من المقاومة في الضفة ومن لبنان وسوريا وايران واليمن بما يعزز شعبيتها و مكانتها لدي الشعب الفلسطيني ..ولكن في المقابل فشلت حماس في قراءة المشهد الاقليمي والدولي وفي قراءة الموقف العربي الرافض لاستمرار حماس في السلطة في اليوم التالي للحرب ..
تمراليوم سنتان على هجمات السابع من اكتوبر التي وصفت بالسبت الاسود والهجوم الاخطر في تاريخ الكيان الاسرائيلي خلال عقود فيما تستمر حرب الابادة على غزة رغم الخطة التي أعلنها الرئيس الامريكي دونالد ترامب لاطلاق سراح الرهائن وانهاء الحرب ودعوته المتكررة لرئيس الوزراء في كيان الاحتلال ناتانياهو بوقف القصف على غزة التي تحولت الى مقبرة مفتوحة تنعدم فيها أسباب الحياة والبقاء ولو أن ما تعرضت له غزة من ابادة وحشية و قصف و تجويع وتدمير حدث في أي مكان من العالم واستهدف أس شعب أخر على وجه الارض لما استطاع الصمود و البقاء..
هناك حقائق اليوم رغم قتامة المشهد و دمويته ورغم غطرسة كيان الاحتلال يستوجب التوقف عندها و تسليط الاضواء عليها ومن ذلك المعركة الاعلامية وهي واحدة من المعارك المنسية في غزة حيث يسعى كيان الاحتلال الى اعتماد سلاح الاعلام لتغييب الرواية الفلسطينية والترويج للرواية الاسرائيلية بشأن ما حدث في السابع من اكتوبر وفي ذلك أولا هروب للاحتلال من المسؤولية وانكار للاسباب الحقيقية التي دفعت الى عملية السابع من اكتوبر و محاولة الركوب على الحدث والاستثمار في كل جزئية منه لتبرير كل ما يقوم به الاحتلال وما سيقوم به من الضفة الى غزة من جرائم حرب ومن انتهاكات وخروقات لانكار حق الشعب الفلسطيني في الكرامة وفي تقريرالمصير على أرضه كما تقر بذلك العدالة الدولية أول ضحايا الحرب المستمرة في غزة ..
لسنا في اطار الدفاع عن عملية طوفان الاقصى وتمجيدها والانتصار لما أقدمت عليه حماس ولا نحن أيضا بصدد شيطنتها أوتحويلها الى جريمة في حق القضية الفلسطينية والاكيد أن الخسائر البشرية و المادية كبيرة جدا في غزة والثمن باهظ و لكن لا يمكن باي حال من الاحوال الانجرار الى الغاء ما تسعى اسرائيل لالغاءه وهو تجريم المقاومة و اعتبارها عمل ارهابي لان هذا سينعي توفير الارضية للاحتلال للعمل على تغيير ميثاق الامم المتحدة و الغاء الحق المعلن للشعوب تحت الاحتلال في المقاومة ..
طبعا لن يكون من الهين اليوم الحديث عن حصيلة تداعيات و مالات الهجوم غيرالمسبوق الذي قادته المقاومة الفلسطينية على عدد من المستوطنات الاحتلالية الواقعة في غلاف غزة والذي شكل صفعة للمخابرات الاسرائيلية واهانة الجيش الذي طالما وصف بأنه لا يقهر ..و قد كان للصور والفيديوهات التي تم ترويجها في الساعات الاولى التي تلت طوفان الاقصى فجر السبت السابع من اكتوبر عبر وحدات الضفادع البشرية من البحر والمظليين جوا والمقاتلين برا وقعها على قادة الكيان السياسيين و العسكريين الذين سيدخلون في حرب ابادة انتقامية ضد الفلسطينيين دون تمييز …لم تتوقف حكومة ناتنياهو عن محاولة تجريم ومحاكمة كل من ينكرأو يروج لعملية السابع من اكتوبر ودفع الكنيست الى المطالبة بسجن أي شخص ينشر منشورا أو تصريحا يفضي إلى إنكار ما سميت “مذبحة 7 أكتوبر” سواء خطيا أو شفهيا، أو يعبر عن تمجيده أو تأييده لها.. كما سعى الكنيست الى معاقبة و سجن من يؤيد دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
بمرور مائة يوم على حرب الابادة وفي وثيقة رسمية أصدرتها حماس، في 21 جانفي 2024، أوضحت الأسباب التي أدت إلى المعركة، مشددة على أنها جاءت أيضًا لمواجهة ما يحاط من خطط للسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة.
اذا سألنا اليوم هل كانت عملية طوفان الاقصى من فراغ ؟طبعا لا هل كانت غزة جنة مفتوحة يتنقل ابناؤها بحرية قبل السابع من اكتوبر ؟طبعا لا
هل كان يتعين على الفلسطينيين زرع الورود لاستقبال جيش الاحتلال ؟طبعا لا
هل أن جرائم الاسرائيل ممنوعة من العقاب ؟طبعا لا الواضح ان العالم يتغير و الرأي العام الدولي بات يرفض سياسة المكيالين و يشهد صحوة ووعيا في المواقف لدى الشعوب و النخب في العواصم الدولية و اكبر الجامعات التي تشهد تحركات حاشدة منددة بجرائم الابادة وهو ما ترجمته ايضا الدورة الاخيرة للجمعية العامة والقاعة الفارغة خلال خطاب ناتنياهو قبل ذلك تسونامي الاعترافات بالدولة الفلسطينية و ما يتجسد من قافلة الصمود الى اسطول الصمود …فكيف يمكن اليوم الاستثمار في هذه التحولات السياسية الرسمية و الشعبية والقانونية والديبلوماسية والاعلامية لوقف الابادة و اعادة تصويب البوصلة في التعاطي مع القضية الفلسطينية ؟