التفكير في “فصل صنعاء عن غزة”.. معضلة اليمن غير المردوع تؤرق العدو الإسرائيلي

اخترنا لك

| ضرار الطيب:

مع إعلان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، برز فشل العدو الإسرائيلي في ردع القوات المسلحة اليمنية في واجهة المشهد باعتباره مشكلة لم تحل بالنسبة للعدو، وبرغم أن صنعاء قد برهنت على الارتباط الكامل بين ضرباتها العسكرية على عمق الأراضي المحتلة وبين الإبادة والحصار في غزة، ظهرت مؤشرات على وجود احتمالات لمواصلة الاعتداءات الإسرائيلية ضد اليمن في ظل وقف إطلاق النار، الأمر الذي ردت عليه قيادة الجبهة اليمنية بتأكيد الاستعداد لأية جولات صراع إضافية.

يوم الأربعاء قالت القناة العبرية الثانية عشرة إنه خلال مناقشات جرت مؤخرا داخل “المؤسسة الأمنية الإسرائيلية” كان هناك “قرار ناضج لفصل ساحتي غزة واليمن على الرغم من محاولات الحوثيين ربطهما في حال وقف إطلاق النار ف غزة” وذكرت أن “المعنى الضمني لذلك هو أن إسرائيل تريد أن ترى عدة موجات أخرى من الضربات ضد الحوثيين” حسب وصفها.

ونقلت القناة العبرية عن مصدر عسكري وصفته بـ”رفيع المستوى” قوله: “من المستحيل ربط مفاوضات الصفقة بالتعامل مع الحوثيين، وحتى لو أنهينا الحرب في غزة، فإن الحملة مع الحوثيين لم تنته بعد.. ليس السؤال ما إذا كان سيتم تنفيذ حملة كبرى على هذه الجبهة، ولكن متى؟”. وقالت القناة إن “هذا لا يزال عرضة للتغيير”.

في نفس السياق، أشارت صحيفة “كالكاليست” العبرية، الخميس، إلى إن وقف إطلاق النار في غزة لن يساعد على استئناف نشاط ميناء أم الرشراش المحتلة (إيلات) لأن رفع الحصار البحري عن السفن الإسرائيلية “لم يكن مدرجا في الاتفاق” ولأن اليمنيين “لن يتخلوا عن السيطرة على البحر الأحمر” وهو ما رأت الصحيفة أنه “إنجازا كبيرا ما كان ليتحقق إذا لم تكن إسرائيل منخرطة في حرب على جبهات مختلفة” معتبرة أن السبيل الوحيد لتقويض تهديد الحصار البحري اليمن هو استغلال “الهدوء” في غزة “للتعامل مع الحوثيين بشكل مماثل للعملية ضد إيران” حسب تعبيرها.

هذا الأمر ليس مستغربا، فالارتباط الشديد بين الجبهة اليمنية وجبهة غزة، لطالما شكل إزعاجا للمؤسسة الأمنية والعسكرية للعدو، لأنه يجعل التهديد اليمني متغلغلا في حسابات العدو بشكل أكثر إلحاحا مما يمكن تحمله، ويفتح ميدانا إقليميا كبيرا لأي تصعيد على الساحة الفلسطينية، وهو ميدان استراتيجي يستنزف قدرات دفاعية وهجومية هائلة ومكلفة للغاية، وترتبط به تداعيات أمنية واقتصادية واسعة لا يمكن إحكام السيطرة عليها، ويؤثر أيضا على حسابات إقليمية مهمة بالنظر إلى موقع دول الخليج والولايات المتحدة في المواجهة بين صنعاء والعدو.

لقد فرضت تأثيرات عمليات اليمنية الإسناد اليمنية نفسها على حسابات العدو إلى درجة أن إمكانية وقف هذه العمليات من خلال وقف العدوان والحصار على غزة، صار ينظر إليها كفخ، حيث حذر قادة عسكريون سابقون في كيان العدو من “تطبيع” التعايش مع هذه الإمكانية، وحثوا على ضرورة النظر إلى اليمن كـ”تهديد استراتيجي” مستمر.

وقال المسؤول عن تخطيط الهجمات على اليمن في سلاح الجو الإسرائيلي الشهر الماضي إنه “لا يمكن التعايش مع هذا التهديد” وإنه “إذا لم يتم إزالته الآن فستواجهه إسرائيل في غضون بضع سنوات وقد امتلك عددا أكبر من الصواريخ”.

وفيما تعكس التناولات الإسرائيلية رغبة في القضاء على التهديد اليمني إلى الأبد، فإن الرغبة وحدها لا تكفي، وبرغم المقترحات التي تناقش بشكل دائم بشأن ضرورة تغيير النظام في صنعاء وتشكيل تحالف، وما إلى ذلك، فإن الحديث عن فصل ساحتي غزة واليمن من خلال حملة كبيرة، يشير إلى أن كيان العدو يأمل في دفع صنعاء إلى القبول بصفقة “وقف إطلاق نار” ثنائية كبداية.

إن العدو يبنى على حقيقة أن الصراع قائم، وأن الهدوء ليس سلاما، وأن اليمن يجب على الأقل أن يفقد موقعه كجبهة إسناد لغزة في هذا الصراع، لكي يسهل التعامل مع الساحتين معا.

وعلى الجانب الآخر، لا يبدو أن نوايا وأفكار المؤسسة الأمنية والعسكرية تشكل معطى جديدا في نظر قيادة الجبهة اليمنية، حيث قال السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الخميس، بوضوح: “العدو الإسرائيلي عقب كل جولة كان يعد لعدوان جديد، ولهذا نحن معنيون دائما حتى في حال تحقق وقف إطلاق النار بالإعداد للجولات الآتية حتما”، مؤكدا على أن اليمن سيمارس دور الرقابة على الاتفاق، وأن “مسار الإسناد سيتواصل بشكل تصاعدي إذا لم تتحقق النتيجة” كما تطرق إلى مسألة احتمالية استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على اليمن في سياق حديثه عن “الإعداد”.

هذه التأكيدات تعني أن فكرة “تفرغ” إسرائيل لشن حملة واسعة على اليمن في فترة وقف إطلاق النار في غزة، أو في وقت لاحق، ستصطدم باستعداد مسبق مستند إلى تصميم ثابت على وحدة الساحات مهما كان الثمن، وهو ما يجعل فكرة الحملة تبدو كـ”مغامرة” أكثر منها “خطة”، لأنها عندما لا تنجح في إجبار صنعاء على فصل الارتباط عن غزة، ولا تنجح في تحييد التهديد الذي تشكله القدرات العسكرية اليمنية، فستكون الخيارات المتاحة هي: إما الانخراط في مواجهة استنزاف مستمرة طويلة الأمد ومفتوحة على كل الاحتمالات وهو الأمر الذي يحاول العدو تجنبه أصلا، أو إنهاء الحملة بدون حتى اتفاق، وبالتالي تجرع هزيمة لا يمكن تغليفها بأي شيء.

إن فكرة شن حملة إسرائيلية واسعة لفصل جبهة اليمن عن غزة قد تكون “ناضجة” من حيث رغبة العدو، لكنها ليست كذلك من حيث قابلية النجاح، فالحقيقة أن هذه لن تكون أول حملة واسعة يتم إطلاقها ضد اليمن لنفس الهدف، وقد قيل في كيان العدو إن القصف الذي شنته إدارة ترامب على اليمن في أسابيع كان أكثر مما يمكن أن تفعله إسرائيل في عام كامل، وحتى إن تمكنت من موازاته فإن نتيجة العدوان الأمريكي لا تتغير.

وبالتالي لكي يمكن الحديث عن خطة “ناضجة” فإن العدو يحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد “القدرة” على تنفيذ الحملة، أو حتى تحديد أهداف “يُعتقد” أنها مؤثرة، بل حتى مسألة إنشاء تحالف إقليمي وتحريك مليشيات محلية على الأرض لا تعطي أية ضمانات لتحقيق غاية فصل الساحات أو ردع صنعاء، ليس فقط لأن الموقف اليمني المساند لغزة بلا سقف، بل لأنها أيضا لن تكون المرة الأولى التي تواجه فيها صنعاء مثل هذا التحدي، مع فرق القدرات التي تمتلكها الآن!

لقد ردد الإسرائيليون طيلة عامين أن اليمن “عدو مختلف” عن كل الأطراف الأخرى المنخرطة في المعركة، ومجرد تجاهل هذه الحقيقة لا يغيرها.

أحدث العناوين

Israeli acknowledgment: Ceasing the war on Gaza is the only way to lift Sana’a’s blockade on our airports

Follow-ups – Al-Khabar Al-Yemeni:Israeli media outlets reported that a ceasefire in Gaza is the only way for international airlines...

مقالات ذات صلة