| الدكتور محمد بكر
مازالت تداعيات الحرب على غزة تمتد وتتسع لدرجة باتت معها التصريحات السياسية والخطاب الاميركي تجاه فلسطين استثنائياً وغير معهود ، فأن نسمع على لسان مسؤولين أميركيين وحتى على لسان ترامب نفسه توصيفات وتهديدات لم يسبق للاميركي أن تبنّاها منذ تأسيس دولة الاحتلال، فهذا يشير لفجوة سياسية باتت تتسع يوما بعد يوم لجملة من الأسباب والأخطاء الاستراتيجية .
صحيح أن السياسة الأميركية وكل الحكومات المتعاقبة كانت داعمة حتى النخاع لاسرائيل ومدافع شرس عنها في المحافل الدولية لكن ما أفرزته الحرب على غزة من تداعيات، قلب فيها المشهد في غزة الميزان الدولي وشكل التوجهات والموقف تجاه إسرائيل ، فالدمار الهائل وصور القتل والإجرام في قطاع غزة على مدى سنتين كان كفيلاً باستحداث صورة التحول والانقلاب وبتنا نشهد معارك سياسية على الهواء بين البرلمانات الأوروبية وحكوماتها إضافة لاقبال دولي غير مسبوق للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
تهديد ترامب لاسرائيل بأنها إذا ما ضمت الضفة وانهار الاتفاق فإنها ستُعاقب وستفقد كامل الدعم الأميركي ، كما نُقل أيضا على لسان مسؤولين أميركيين لوسائل إعلام إسرائيلية بأن نتنياهو يسير على خط رفيع وسيجد نفسه في مواجهة العالم إذا ما أخل بالاتفاق ، كل ذلك يشي بالضرورة أن ترامب ضاق ذرعاً من سلوك اسرائيل وأصبح مكلفاً جدا التغطية عليه.
أساس التحول الأميركي هو الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته إسرائيل عندما قصفت وفداً لحماس في العاصمة القطرية الدوحة وهذا ما شكل ليس فقط احراجاً سياسياً لترامب بل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة الاقتصادية في الخليج العربي ، فترامب ليس رئيساً كلاسيكياً بل صفقوياً لا يرى الأمور وخفاياها الا من خلال العين الاقتصادية ومن هنا لا تستطيع الولايات المتحدة أن تغامر بمصالحها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط كرمى عيون شخص بات مجرماً ومطلوباً للجنائية الدولية .
نتنياهو المُطارَد والتائه بين سندان الإبادة الجماعية في غزة ومطرقة الضغط السياسي من الحلفاء لم يجد طريقاً الا بالهروب أمام المشكلة نحو توسعة الاعتداءات والقصف ليشمل جنوب لبنان وربما جغرافيات أخرى كسورية واليمن في محاولة لخلط الاوراق وتشتيت الإنتباه الأميركي وضغطه السياسي ، حيث ذهب ترامب بعيدا لجهة بحث الإفراج عن مروان البرغوثي كنوع من الضغط السياسي على نتنياهو لانه يعي تماما مالذي تعنيه شخصية مثل البرغوثي إذا ما أصبحت حرة ، هذه الرسالة التي أراد ترامب توجيهها لنتنياهو فيما لو انهار الاتفاق وبالتالي يعتبر ترامب أن ذلك كسراً للإرادة الأميركية .
فهل ينصاع نتنياهو الضغوطات ام يستمر في سياسة التصعيد التي لن تكون طوق نجاه كما يعتقد بل ستسرع السقوط .
* كاتب واعلامي فلسطيني
روستوك / ألمانيا