أزمة نتنياهو في غزة وأبعد من غزة

اخترنا لك

| الدكتور بهيج سكاكيني

التصعيد الاسرائيلي الذي شهدته غزة قبل يومين بعد إعطاء الأوامر للجيش الإسرائيلي من قبل نتنياهو بتوجيه ضربة قوية فورا على القطاع بذريعة “هجوم رفح” مدعيا ان حركة حماس قامت به وإن هذا يعتبر خرقا لوقف إطلاق النار يدل ويؤكد أن نتنياهو على وجه التحديد لا يريد لحربه على غزة ان تتوقف وأنه غير معني بأي ترتيبات تؤدي لحالة من الهدوء والاستقرار وعلى ان اقصى ما يمكن ان يقدمه “من تنازلات” للأمريكي هو النموذج اللبناني الذي يتيح له ان يقصف متى يشاء وأين يشاء دون قيود. وفي كل مرة ما عليه الا ان يبلغ الأمريكي ان الجيش سيقوم بضربة محدودة. والضربة المحدودة تعني ذهاب 100 شهيد وعشرات الجرحى على الأقل كما حصل مؤخرا.

هذا السلوك المتوحش والفاشي بكل المقاييس مرتبط ارتباطا وثيقا بمستقبل نتنياهو السياسي وخاصة انه مدرك ان نهايته السياسية تقترب أكثر وأكثر إذا ما استمر وقف إطلاق النار في قطاع غزة. فمحاولته التهرب من المحكمة قد وصلت الى حائط مسدود بعد أن رفض القضاة طلب فريق الدفاع عنه بتقليص عدد جلسات محاكمته المحكمة وأصروا على إلزامه بتقديم شهادته أربعة أيام أسبوعيا. وهو مدرك تماما ان الإدارة الامريكية وعلى وجه التحديد ترامب يريد للحرب ان تتوقف حتى يتمكن من تطبيق مشروعه الاقتصادي الطموح الكبير في القطاع الذي سيتيح له فرصة جني الأرباح الطائلة من ورائه. وأن القاعدة العسكرية الامريكية التي أقيمت في كريات جات اقيمت للتحكم في المشهد فهي التي تقرر ما المسموح وما الممنوع على الجيش الاسرائيلي القيام به.

كانت جريدة هآرتس العبرية ان “جيش الاحتلال والشركة الأميركية التي تسمى “مؤسسة غزة الإنسانية” قد اقترحا خطة تنص على إقامة ما بين 10 الى 20 نقطة توزيع للمساعدات على طول “الخط الأصفر” الذي تنتشر عليه قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل القطاع”. قوبلت هذه الخطة بالرفض من الجانب الأميركي الذي أصر على ان توزيع المساعدات يجب ان يتم في عمق القطاع. وبالإضافة الى ذلك سعى الجانب الإسرائيلي الى التخطيط لتوسيع منطقة سيطرته المباشرة خارج “الخط الأصفر” الذي نص عليه الاتفاق بزعم الرد على “انتهاكات حماس” ولكن الجانب الأميركي ابلغ الإسرائيلي ات هذا مرفوض وأن ترامب قد وضع فيتو على فكرة “تحريك الخط الأصفر”. فمن هو يا ترى الذي يتحكم بالمشهد؟

المتتبع لتصريحات نتنياهو خلال الأسبوع الماضي ومنها “إسرائيل دولة مستقلة” و “نحن من يقرر الوضع الأمني” , “نحن من نقوم بحماية أمننا ولا نأخذ أوامر من أحد” و “نحن من يقرر الدول التي ستشارك في القوات الدولية” و “اننا لسنا تحت الوصاية الامريكية” يدرك عمق الازمة السياسية التي يوجهها نتنياهو وانزعاجه الشديد من الوفود السياسية والعسكرية الى الكيان التي لا تنقطع وكأن البيت الأبيض انتقل الى الكيان الصهيوني لكبح جنون نتنياهو الذي بحسب كبار المسؤولين الامريكيين انه اصبح خارج عن السيطرة وأصبح يضر بالمصالح الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وبالتالي كان من الضروري التحرك لوضع حد لهذا قبل ان يستفحل الامر.

وأبعد من غزة نتنياهو يشعر ان حلمه في تحقيق “إسرائيل الكبرى” وحتى “الدولة اليهودية” أصبحا عمليا خارج اللعبة ناهيك عن شرقه الاوسط مهما اتخذ من قرارات في الكنيست او الحكومة وأن من يقرر في النهاية هو المايسترو الأمريكي الذي ربما أصبح يفضل الأموال الخليجية الى جانب تركيا اردوغان على إسرائيل نتنياهو وأن ترامب في طريقه التخلص منه لارتباطه العميق بالدولة العميقة في أمريكا التي يحاربها ترامب والذي ينتظر الوقت المناسب للتخلص منه.

نتنياهو يسابق الزمن ويشعر بأنه فقد الرافعة الأساسية له في أمريكا. فعندما كان الديمقراطيين في الحكم كان يلجأ الى الحزب الجمهوري ومنظمة الايباك الصهيونية للضغط على الإدارة الديمقراطية لتحصيل ما يريد. أما الان فإن الجمهوريين هم الذين في الحكم الى جانب ان معظم السياسيين الان أصبحوا ينفضون عن الايباك خوفا من عدم نجاحهم في الانتخابات النصفية القادمة وقد وصل الامر ببعضهم إعادة الأموال التي دفعت له من قبل هذه المنظمة ليبرأ ساحته خوفا من خسارته لمقعده في الانتخابات. لقد تبدل المزاج الشعبي والسياسي في أمريكا وأصبح نتنياهو محاصرا داخليا وخارجيا بشكل غير مسبوق لم يعهده من قبل.

في النهاية نقول ان نتنياهو يتصرف مثل الدجاجة التي ذبحت فهي تدور وتركض لفترة بدون الراس لكنها سرعان ما تسقط وتستسلم لقدرها. آمل ان يكون هذا مصيره كما تشير المعطيات الا إذا حدثت أمور تمنع من ذلك فنحن في زمن تتسارع فيه الاحداث والصراعات وتتفاعل مع بعضها البعض قبل ان نصل الى حالة من الاستقرار وكل هذا مبني على موازين القوى التي ستفرزها هذه الصراعات. ومع كل هذا فإن الثابت الان هو ان الكيان الصهيوني قد اعيد الى حجمه الطبيعي ووظيفته التي اوجد من أجلها لخدمة مصنعيه وتحقيق مصالحهم بالدرجة الأولى.

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

أحدث العناوين

تصاعد المطالب بحكومة عدن لعزل “الإصلاح” سياسيًا مع ترقب تصنيفه امريكيا… والحزب يدافع

برزت الثلاثاء مؤشرات أزمة جديدة داخل السلطة الموالية للتحالف جنوبي اليمن، وسط ترقب قرار أمريكي بتصنيف جماعة "الإخوان" على...

مقالات ذات صلة