الحظيرة والدولة.. وتحديان اثنان أمام المقاومة

اخترنا لك

| فؤاد البطاينة

آه لو تعرف وتتيقن الشعوب العربية في معظم أقطارها أنها تعيش في زرائب على أنها دول، وأن أنظمتها لا تستطيع حمايتها ولا تأمين حاجاتها الأساسية للعيش ولا حماية معتقداتها ولا أوطانها أو بقائها فيها، وبأن من يمتلك القرار في هذا وكل ما غيره، لم يعد بهوية مستعمِر يريد النهب وإخضاعها وتأمين مصالحه، بل عدو وجودي اجتثاثي يتطلع لسحق شخصيتها ونكران إنسانيتها ومعتقداتها وحقها في الحياة. وأن ذبحها أو استعبادها أو حجب وسائل الحياة عنها هو بالنسبة لهذا العدو عبادة وتقرب للرب إلههم. حكامها بالنسبة لهذا العدو دواب مثلها، مستأجرين يسخرهم لإدارة هذه الحظائر برتبة سجان، سيوفهم لا ترفع إلا على رقاب شعوبهم. فمسألة شعوبنا ليست مجرد حالة استعمار تتعايش معه. والعرب أين ما وجدوا هم لهذا العدو مشروع استعباد أو ذبح.

فرغم أن النوايا والهدف لدى الغرب اتجاه الوطن العربي هو استعماري ابتدأ بزرع الكيان الصهيوني، إلا أن هذا الهدف المادي تطور الى صيغة تحالف غربي\ أمريكي مع اليهودية الصهيونية يقوم على شعوذة دينية بلا روحانية ولا قواعد عاقلة تحكمها بهدف إخراجنا كعرب من أوطاننا ومحو شخصيتنا ومعتقداتنا من تاريخ الأرض بدءا بفلسطين الوقف الإسلامي للأمة ومركز فرجار الوطن العربي. إخراجنا بطريقة لا تختلف عن طرد الذباب من مزابل بالمبيدات أو ذبح النعاج من حظائر واحدة تلو الأخرى دون إحساس ومشاعر من مجموعة منها بالأخرى ولا ردود فعل حتى عاد ذبحنا بالجملة لا يشكل خبرا في الإعلام. وهنا الطامة..

نعم الهدف لم يعد استعمارا ولا ماديا، حيث ليس من العقل والمنطق أن تكون هناك دولة ما مستعمرة لأكثر من جهة أو لأكثر من دولة في ذات الوقت. فكيف نفسر حالة فيها أمريكا تسندها دول الغرب تهجم علينا ماديا وقيمياً وإبادة بمعيار وحشي ؟. بمعنى كيف يتعاونون كلهم لتكون دولة ما أو منطقة ما مستعمرة لواحدة منهم ويدعمون استعمارها (إن كان استعماراً) بما لا يتفق مع ميزان الربح والخسارة لها. مع الأخذ هنا بالإعتبار الشديد أن كل مقدرات الوطن العربي بدوله من مادية ولوجستية وجغرافية مفتوحة لها ومضمونة بين أيديهم؟

أما الدلالة أو “الماركر” على أن هذه الدولة العربية أو تلك هي دولة أم حظيرة، فمن نظامها أو رئيسه. فكل رئيس دولة عربية يرضخ لأمريكا أو يتعامل معها بدونية أو يقدم لها ذرة من مقدرات شعبه ومصالحه الوطنية ويعترف بكيان الإحتلال ويتعاون معه وشعبه صامت عليه، فهو راع مستأجر لحظيرة نعاج وظيفية قيد الإستخدام والذبح وليسوا مواطنين ولا يتمتعون بالكرامة الإنسانية، ورؤساؤها سجانون من جنس العدو برتب مطايا. ومن يقلل أدبه مع السيد المالك أو له رأي مختلف من دون اتفاق معه فمصيره النفي أو الموت. أما الدول الإسلامية فمستهدفة بالإخضاع السياسي وقضم العقيدة وبالتخلف، والمؤشر على عمالة النظام منها حتى لو كانت نووية، هو حين يتوقف عن تفعيل سيادته الوطنية واستقلالية قراره أمام الإرادة الأمريكية، وكذا الذي يقرأ القرآن ويعبد المال، ويلعب “الثلاث ورقات” ويحرص على علاقته وتعاونه مع الكيان المحتل لفلسطين. إلى لمتى يستمر اختصار المسلمين بإيران والعرب باليمن ألا شاهت الوجوه يا أحفاد عزرا الكاتب.

الحل بداخل هذه الدول أرضيته معدومة ولا مجال لتفعيل أركانه، فلا بيئة لوعي الشعوب على مشكلتها، ولا لتغلبها على عجزها إن وعت ولا لمواجهة على أرضها. الطرق مسدودة بإحكام من داخل الحظيرة رغم أنه لا حول ولا طول للسجانين غابوا أو حضروا. ملح البلاد كله فاسد لا يكرر ولا يعالج. فهذا ملف مغلق ومفتاحه المقاومة الحرة. المقاومون وحدهم خارج الحظيرة ووحدهم الأحرار ووحدهم (المُخَلص). هم أصحاب مشروع تحرير الأمة كلها. وقلناها من زمن أن تحرير الدول العربية وشعوبها أصبح يبدأ بتحرير فلسطين وليس العكس.

ومن هنا أبدأ بالتأكيد على أن الصراع الحقيقي والحاسم والوجودي في المنطقة هو بين معسكري العدو والمقاومة. ومهما كانت سلبيات معسكر العدو أو إيجابيات له نعتقدها نحو القضية الفلسطينية، فكلها وسائل لخدمة هدفهم الأسمى والأكبر في القضاء على المقاومة وعلى فكرتها. وما كانت ساحة النزال يوماً في مجلس المخصيين يقوده فحلهم.

لقد مرت القضية الفلسطينية في حالة موات وهزائم منذ قيام الكيان لغاية هزيمة عام 1967التي انتجت اعترافا عربياً بالعدو واحتلاله لأول مرة. حيث عندها برزت المقاومة الفلسطينية على الساحة الدولية بوسائل بسيطة هزت عروش أوروبا وأذلت أنظمة الخيانة العربية، وجعلت القضية الفلسطينية تلامس عقول ومشاعر شعوب العالم وأنتجت عشرات القرارات الدولية الثمينة للشعب الفلسطيني، طُمست بانسحاب المقاومة من المعادلة نتيجة عمليتي مدريد وأوسلو للسلام. وتراجعت القضية هذه المرة للتصفية. إلى أن عادت ونبتت المقاومة الفلسطينية الإيمانية برعاية وأسناد محور المقاومة، وكان الطوفان وما وصلنا إليه الآن، ومن هذه النقطة أقول التالي.

 أما وقد توطنت المقاومة في فلسطين وأنعشت بطوفانها القضية وقلبت السحر على الساحر في أرضه وفي كل بقاع العالم وتركت كيان الإحتلال بأزمات داخلية لن يقوم منها، فهذا جعل العدو في ورطة واسعة وعميقة تنذره بكشف زيف شيطنة المقاومة، وبشرعنتها على الصعيد العالمي. مما يفرض عليه الدخول في مواجهة نوعية مع المقاومة، نتلمس طبيعتها من خلال سلوك مستهجن له يدفع فيه بإخراج المقاومة من فلسطين أو من غزة وهو يعلم بأنه في هذا لا يقضي عليها بل ينقلها للعمل ضده في الساحة الدولية. وهذه استراتيجية لعينة يتوخى منها توريط المقاومة ووضعها في شبهات الإرهاب ومنظماته أمام شعوب العالم. وهذا تحد أمام المقاومة يوجب عليها التمسك بالأرض وبالسلاح لو وصل لسكين المطبخ والأظافر، وتعلنها بنفس الوقت للعالم صريحة، بأنهم يدفعونها لخيار المواجهة على الساحة الدولية.

ورغم أن العدو الصهيوني يستخدم الساحة الدولية مسرحاً لملاحقة الفلسطيني المقاوم والسياسي والعالِم والإعلامي بالتصفية والقتل غدراً، ويعطي بهذا الحق للفلسطيني بملاحقته بالمثل في نفس الساحة إلا أن مكتسبات حرب الطوفان على المستوى العالمي تمنع المقاومة من هذا.

أما التحدي الأخر أمام المقاومة فهو بناء ومأسسة الشخصية السياسية الفلسطينية التي تقف خلف المشروع الفلسطيني التحريري. فالمقاومة صاحبة التضحيات وصانعة المكتسبات للقضية الفلسطينية على الصعد العربية والفلسطينية والعالمية وباثة الروح والعزيمة والأمل في جماهير الشتات الفلسطيني وفاتحة الطريق أمامها، وهي الأمينة على سلامة المسيرة من الاختراق والتشويه والفشل وصاحبة الشرعية. فالوقت حان لتفعيل دور ثمانية ملايين فلسطيني منتشرين على وسع العالم كأكبر رافعة للقضية والمقاومة، والتعاون في هذا مع العقل الجمعي لمحور المقاومة والإستناد على دعمه الحر النقي. مذكراً بأننا قد اعتدنا على أن الكلام بوحدة الصف الفلسطيني يُعمق ويوسع الخلافات.، بينما العمل بصمت يُضيقها. فالتحدي هو الحذر من مؤتمرات شعبية لا تكون من صنع أو رعاية المقاومة، وبقيادتها الإسلامية التي، لا تقايض الإحتلال بالسلامة.

كاتب عربي أردني

أحدث العناوين

شرطة لندن تعتقل العشرات لمشاركتهم في مظاهرة لدعم منظمة مناصرة لفلسطين

نظم محتجون، مساء الخميس، مظاهرة صامتة أمام مبنى وزارة العدل في لندن احتجاجا على قرار الحكومة حظر ودعم  “منظمة...

مقالات ذات صلة