غزة: مشاهد وألوان وبانوراما حزينة.. تجربة شاهد عيان

اخترنا لك

| ​د. كامل خالد الشامي

 

​بعد أن هدأت أصوات المدافع، وانتهت عمليات الجيش الإسرائيلي الكبرى في قطاع غزة، استقرت هدنة سارية المفعول، لكنها “هدنة” تُخترق يومياً بضجيج الطائرات المسيّرة، وعمليات القنص، وتدمير المنازل، والاغتيالات التي تسير بوتيرة أقل لكنها لا تتوقف؛ إنها الحرب في “صورتها الناعمة”.

​واقع الجغرافيا السياسية

​تسيطر إسرائيل اليوم على 53% من مساحة قطاع غزة، وتحكم حصاراً مطبقاً على ما تبقى من خلال التحكم الكامل في المعابر والبحر والجو. أما الجزء الذي لم يحتله الجيش فيزيائياً، فقد زُجّ فيه بكل سكان القطاع بعد تدمير بيوتهم ومزارعهم. هُجروا إلى الشريط الساحلي الغربي ليعيشوا في خيام ومعسكرات نزوح تفتقر لأدنى مقومات الحياة، ويمكن وصفها بأنها تشبه إلى حد كبير معسكرات الاعتقال، حيث الجوع والمرض والتهديد الدائم بالقصف.

​تفتت السلطة والميليشيات

​في هذه المناطق الضيقة، تبرز ملامح حكم منهك؛ حيث تحاول حماس السيطرة وجمع الضرائب لتوفير مرتبات موظفيها، بينما يشاركها المشهد أربع ميليشيات شعبية تنافسها على السلطة. ترتبط بعض هذه الميليشيات بالسلطة الفلسطينية (الممنوعة من التواجد الفعلي)، بينما يرتبط بعضها الآخر بجيش الاحتلال. هذه القوى تطالب صراحة بإنهاء حكم حماس، محملة إياها مسؤولية الدمار الهائل الذي لحق بالسكان وممتلكاتهم.

​إبادة المكان (اللاندسكيب)

​وسط تدفق إغاثي ضعيف لا يلبي الاحتياجات، يبرز المشهد الأكبر: لقد دمرت إسرائيل البنية التحتية بالكامل، وحولت المدن والقرى إلى مساحات صحراوية من الركام. لقد شُطبت “البانوراما” الغزية تماماً؛ فلم يعد هناك معالم توحي بأن هنا كانت مدينة أو قرية، بعد التدمير الشامل لـ “اللاندسكيب” والمساحات الزراعية.

​مستقبل غزة: “خطة ترامب”

​مستقبل القطاع اليوم بات في أيدٍ أمريكية؛ حيث فصلت إسرائيل غزة عبر ما يسمى “الخط الأصفر”، مع تمركز قواتها في مناطق شرق غزة (شمال-جنوب) لمنع أي تحرك فلسطيني باتجاه هذا الخط.

​وتشير ملامح الخطة الأمريكية (التي تحظى بقبول أطراف دولية وإقليمية) إلى الآتي:

​مجلس سلام: يتكون من 10 شخصيات عالمية وعربية برئاسة “ترامب”، وبمشاركة فريق يضم كوشنر وأعضاء دوليين بارزين.

​حكومة تكنوقراط: تتولى إدارة الشؤون اليومية للقطاع (مكونة من 13 إلى 15 وزيراً)، وهو ما ترفض حماس استبعاده وتقترح بدائل لا تجد قبولاً.

​مخيم رفح الكبيـر: التخطيط لإنشاء مخيم ضخم في رفح (التي سويت بالأرض) يضم مرافق بنية تحتية لتسكين غير المنتمين للفصائل، مع إبقاء حماس وأنصارها تحت الحصار.

​إعادة الإعمار المشروط: سيقتصر الإعمار على المناطق الواقعة ضمن “الخط الأصفر”، بينما تُحرم المناطق الأخرى منه طالما بقيت حماس في السلطة.

​مآلات المرحلة الثانية

​انتهت المرحلة الأولى من الهدنة، وتتلكأ إسرائيل في تنفيذ المرحلة الثانية مشترطة نزع السلاح الكامل، بينما تقبل حماس بتسليم السلاح الثقيل والاحتفاظ بالشخصي؛ وهو ما ترفضه إسرائيل وتوافق عليه أمريكا.

​في حال تنفيذ المرحلة الثانية، يُتوقع دخول قوات دولية (عربية وغير عربية) لتنتشر على خطوط التماس، مع دخول قوة شرطية فلسطينية (10 آلاف شرطي) لحفظ الأمن، وفتح معبر رفح بتنسيق (مصري-أوروبي-فلسطيني).

​الأيام القادمة ستبين إن كانت خطة ترامب ستنجح، أم أن هناك مسارات أخرى ستطفو على السطح.

​تنويه من الكاتب: شهادة خلف الركام

​هذه الكلمات ليست مجرد تحليل سياسي، بل هي صرخة من قلب المأساة. لقد عاش كاتب هذه السطور تجربة النزوح المريرة لمدة 7 أشهر، فقدَ خلالها منزله، وحديقته، ومزرعته، ومكان عمله، كما فقد جيرانه وأقرباءه.

​لقد عانى الكاتب من الجوع، والبرد، والتشرد، وانقطاع الدواء. بل إنه نجا من الموت بأعجوبة، حين باغتته دبابة إسرائيلية وهو نائم، ليتم سحبه من قِبل ابنه في اللحظة الأخيرة من تحت “جنزير” الدبابة الذي كاد ينهي حياته. هذا المقال هو ابنة تلك التجربة؛ شهادة رجل رأى الموت وجهاً لوجه قبل أن يكتب عن “بانوراما الحزن” في غزة.

كاتب فلسطيني/ غزة

أحدث العناوين

Eleven prisoners from Gaza were released and transferred to Al-Aqsa Martyrs Hospital in critical condition

Eleven Palestinian prisoners arrived at Al-Aqsa Martyrs Hospital in central Gaza on Wednesday evening after being released from Israeli...

مقالات ذات صلة