هل يمهد “نجاح” المرحلة الأولى من اتفاق غزة لإنجاز المرحلة الثانية؟

اخترنا لك

| وسام أبو شمالة

قبيل موافقة نتنياهو على الخطة الأميركية لوقف إطلاق النار في غزة، سعى إلى طمأنة حلفائه في الأئتلاف الحاكم بأن الطرف الفلسطيني لن يقبل الخطة، الأمر الذي سيمنح الذريعة لـ “إسرائيل” لاستئناف الحرب على غزة، وبعد الرد الفلسطيني، على المقترح الأميركي، سعى نتنياهو إلى إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن الرد لا يعني قبول خطته، بيد أن الأخير اعتبره مقبولاً، الأمر الذي دفع نتنياهو إلى ممارسة ألاعيبه التي يجيدها، وأقنع مجدداً، شركاءه في اليمين الحاكم بأن الطرف الفلسطيني لن يفي بالتزامات المرحلة الأولى ولن يعيد الأسرى والجثث الإسرائيلية كافة، وأنهم سيحتفظون “بأسرى” أحياء كأوراق تفاوضية، وأن المقاومة لن تتمكن من إعادة عدد من الجثث، ما سيمنح “إسرائيل ” المبرر لاستئناف الحرب، بيد أن آمال وتقديرات نتنياهو أُجهضت، ونجح الطرف الفلسطيني في سحب  الذرائع والمبررات كافة لاستئناف الحرب مجدداً.

لم يستسلم نتنياهو، وواصل العمل على إنجاز أهدافه الرئيسية، وهي إكمال مدة حكومته القانونية حتى نهاية العام المقبل  2026، والحصول على عفو رئاسي ينجيه من السجن، من دون تعهده بمغادرة الحياة السياسية، وكسب تأييد شرائح أوسع داخل المجتمع الإسرائيلي، عبر تثبيت سرديته بأنه قادهم إلى نهضة “إسرائيل” الثانية وحقق النصر المطلق وهزم “محور الشر”، تمهيداً لخوضه الانتخابات المقبلة والعمل على تحقيق فوز ائتلاف اليمين تحت قيادته.

في المقابل يتصرف الطرف الفلسطيني في إطار قراءة متزنة للمشهد ما بعد الحرب، ويعتقد أنه نجح في تجاوز المطبات الإسرائيلية، حتى اللحظة، ونُصْب عينه، سحب الذرائع الإسرائيلية للعودة إلى الحرب وتثبيت وقف إطلاق النار،  وتوسيع المسار الإنساني والإغاثي وإعادة الإعمار، ولملمة جراحات الناس العميقة في غزة،  بالتوازي مع الحفاظ على غاياتها الكبرى، في صراعها المرير مع الاحتلال الإسرائيلي، من خلال مواقف تحفظ لها حقها الشرعي والقانوني والإنساني، في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل، وفي الوقت نفسه، طمأنة شعبها في غزة أنها ستتعاطى مع الرؤى والخطط التي لا تنزع حقاً من حقوق الشعب الفلسطيني وتحافظ على كرامته، وتضمن وقف العدوان والانسحاب الكامل من قطاع غزة وبدء الإعمار، وتمنع التهجير من خلال ضمان حرية حركة الأفراد من غزة  وإليها عبر معبر رفح، والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

تبدو المرحلة الثانية وشيكة، وفي كل الأحوال، وفيما لو تم تنفيذها فعلياً، فلن تؤدي إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية وما كانت تسعى وتخطط له الحكومة الإسرائيلية وما تعد بحدوثه في غزة، كما أنها لن تفي بآمال وطموحات الطرف الفلسطيني، على الأقل في المدى المنظور، بيد أن تداعيات الحرب وانعكاساتها الاستراتيجية على المديات القريبة والمتوسطة، يراهن الفلسطينيون أنها ستكون لمصلحة قضيتهم، وحينذاك ستتبيّن نتائج معركة الطوفان، وفي المقابل، ترى الحكومة الإسرائيلية أن “إنجازاتها العسكرية” تؤهلها لتحقيق مكتسبات استراتيجية في المنطقة، بيد أن مختلف الأوساط الإسرائيلية تعتقد أن خسائر “إسرائيل” على مستوى الصورة والقيم الديمقراطية والأخلاقية، على مستوى العالم، خسائر قد لا يمكن إصلاحها، وسترتد عليها بعدما تحولت إلى دولة منبوذة على مستوى الرأي العام العالمي على الأقل، كما أنها ما زالت تعاني من حالة الانقسام العميق في المجتمع، وتخشى أن يتطور الانقسام إلى تفكك، ولا سيما بعدما سجلت حالات الهجرة العكسية أرقاماً غير مسبوقة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 .

على الرغم من أن احتمالات بدء المرحلة الثانية باتت مرتفعة، بيد أن هناك عقبات وتحديات تقف أمامها، منها كيفية التعامل مع مطلب “إسرائيل” نزع السلاح “، وهل ينجح الوسطاء في التوصل إلى حلول “إبداعية” تحت صٍيغ وسطية، وبعيداً من المفاهيم الصارخة لنزع السلاح أو تدميره أو تجريده، إلى جانب تصنيف السلاح بين الهجومي والدفاعي …

تحدٍّ آخر يتعلق بنشر القوة المتعددة الجنسيات وحتى الآن، تظهر صعوبة كبيرة في التنفيذ بسبب عدم حماسة المجتمع الدولي لإرسال قوات إلى غزة، ومعارضة الحكومة الإسرائيلية إرسال قوات تركية وقطرية، وقد يصل الأطراف إلى صيغة تسوية تعتمدها الولايات المتحدة تقضي بنشر قوة محدودة للرقابة، ومنع الاحتكاك، وتتمركز على الخط الأصفر، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منه.

والتحدي الآخر ربما، يتصل بإقامة حكومة مهنية فلسطينية، وصلاحياتها وعلاقتها بمجلس السلام برئاسة ترامب، وقدرتها على إدارة الشأن الفلسطيني في غزة في ملفات دقيقة كالأمن الداخلي والخدمات العامة والإعمار والعلاقة مع الجسم البيروقراطي والإداري الحالي وكيفية إدارة المرحلة الانتقالية…

على الأرجح ستشهد المرحلة الثانية صعوبات في التنفيذ، لكونها ستعالج ملفات حساسة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بيد أن المرجح هو أن ينجح الأطراف في تجاوز العراقيل، ولا سيما من الطرف الإسرائيلي، وستنجح الطروحات الأكثر اعتدالاً ووسطية، في إيجاد حلول تتجاوز التعقيدات التي ستواكب أبرز ملفات المرحلة الثانية (نشر القوات الدولية والانسحاب الإسرائيلي والسلاح والحكومة الفلسطينية).

على الرغم من الكلفة الفلسطينية الباهضة في غزة، والثمن المرتفع في لبنان وإيران واليمن وسوريا، بفعل العدوان الوحشي والإجرامي الإسرائيلي الذي استمر ولا يزال منذ ما يزيد على العامين، وبعد إعلانات اتفاق وقف إطلاق النار، على مختلف الجبهات، تدرك “إسرائيل” أنها لم تحقق “النصر المطلق”، الذي وعد به نتنياهو مستوطنيه، في أي جبهة من جبهات الصراع والمقاومة، وأن الحلقة الأخيرة من حلقات الصراع الطويل بين الاحتلال الإسرائيلي الطارئ والمؤقت والحق العربي والفلسطيني الأصيل والدائم، لم تُكتب بعد.

 

المصدر: الميادين نت

أحدث العناوين

United Nations: 55,000 families affected by recent rains in Gaza

The United Nations announced that approximately 55,000 Palestinian families have been affected by the recent rains and storms in...

مقالات ذات صلة