أبو بيروت:
من المعلوم أن السرطان مرض خبيث يقضي على البدن بسرعة خيالية وتصعب معالجته في مراحله المتقدمة، ولكن اكتشافه المبكر وبدء مداواته بدقة وبالوسائل الملائمة يُنقي البدن منه ويُبعد خطر الموت.
وبالقياس، فإن السرطان السياسي كما السرطان المرضي، يستوجب التشخيص ومباشرة القضاء على خلاياه النائمة والظاهرة، وتطهير الوطن من أدواته العميلة، برغم المضاعفات التي تنجرّ عنها، شأنها شأن تأثيرات العلاج الكيماوي لسرطان الجسد.
وإذا ما تجاهل المريض السرطان وتجاهل علاجه خوفًا من تأثيرات العلاج، فالموت حتميّ. وكذلك السرطان السياسي داخل الأوطان، إذا حاولت القوى الوطنية والمقاومة التعايش معه، فمآلها الطعن في الظهر، وخديعتها، واغتيال قادتها، وتدمير حاضنتها.
وإذا ما استعرضنا تجارب محور المقاومة، تبدّى لنا صحة المقارنة والمقاربة.
في غزة، بعدما دحرت المقاومة الاحتلال وأرغمته على ترك القطاع سنة 2005، التفتت إلى الجبهة الداخلية، فحسمت معركتها مع القوى المرتبطة بأوسلو، ثم طهّرت البلد من الخونة والعملاء، وبعد ذلك عملت حماس على إبعاد الشق الإخواني داخلها عن سلطة القرار. وكل هذا هيأ الظروف الملائمة لطوفان الأقصى العجائبي ولصمود شعب الجبارين طيلة أعوام أمام حرب إبادة لم يشهد لها التاريخ مثيلًا.
أما في لبنان، حيث موطن الطائفية المقيتة والمحاصصات السياسية والاقتصادية، فإن المقاومة الإسلامية التي حررت الجنوب وأذلت الكيان الصهيوني في 2006، يوم كان هذا الجنوب كله مقاومة طاهرة نقية، لم توظف فائض القوة للسيطرة على الدولة، وراهنت على ما يسمى بالسلم الأهلي، وتعايشت مع أحزاب وطوائف عميلة وخائنة لقضية الأمة المركزية (فلسطين)، ومرتبطة ارتباطًا عضويًا بالمشروع الصهيوأمريكي. لذلك، وعندما حانت معركة التحرير بطوفان الأقصى، خاضت المقاومة حرب إسناد ولم تعبر إلى الجليل، ولم تدمر الأبراج في تل أبيب وتنسف المواقع الحيوية والحياتية، مراعاة للداخل اللبناني حتى يتمتع خصومها بالاستجمام. فلا هي نالت رضا الداخل ولا أرهبت الخارج، بل أدت هذه المساكنة إلى تدمير الحاضنة واغتيال القادة العسكريين والسياسيين، وصار الداخل كما الخارج يطالب بحصر السلاح بيد الدولة (أي نزع سلاح الحزب). ولو كان لبنان دولة مقاومة لكان السلاح بطبيعته بيد الدولة.
تفشى السرطان السياسي في لبنان وتزرعت خلاياه في كل شبر، ولا مناص من استئصاله جذريًا إذا أرادت المقاومة أن تبقي على وجودها قبل فوات الأوان.
وإذا ما انتقلنا إلى اليمن الذي خرج منتصرًا من حرب دامت 7 سنوات ضد أعتى تحالف دولي، لاحظنا نجاح التجربة اليمنية في حرب الإسناد رغم غياب اكتمال الجغرافيا، لأن الجزء المحرر كان ولا يزال خاليًا من القوى العميلة (عدا بعض الأشخاص) بفضل الانصهار المجتمعي والتفاف الشعب حول القيادة العقائدية والسياسية والعسكرية، ووضوح الموقف والرؤية الاستراتيجية داخل دوائر القرار، واستئصال الأورام السياسية الخبيثة من جسم الوطن.
أما رأس المحور (إيران)، فإنه عجز (في ظل الحصار العالمي المستمر منذ 40 سنة) عن حسم الصراع السياسي بين الإصلاحيين والمحافظين لصالح حرس الثورة، فتعرضت الجمهورية الإسلامية لاختراقات أمنية كبرى وتغلغل العملاء داخل مفاصل الدولة، مما أدى لاغتيال القائدين رئيسي وعبد اللهيان (بعد اغتيال الشهيد سليماني) في إشارة جلية لخطورة انتشار السرطان السياسي في المركز وفي الأطراف (لبنان والعراق وسوريا). لم تغير إيران سياستها ولم تنتبه لخطورة الأمر، وأبقت على استراتيجية “الذبح بالقطنة”، فعمل العدو الصهيوأمريكي على ذبحها من الوريد إلى الوريد لولا لطف الله وعنايته.
أما العراق، فقد فشل في النهوض والتوحد والتحرر وبسط سلطته على مقدراته بفعل العمالة المزدوجة وارتباط كل فصيل وفئة وطائفة بالخارج، مما كبّل أيدي القوى المقاومة.
وأخيرًا، ننبه إلى أن “من يهادن الوحش يذهب إلى حتفه”، ونؤكد دائمًا أن “وحدها الحروب تغير التاريخ والجغرافيا”.
كاتب من تونس
- المقالات تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة عن سياسة الموقع


