أفكار الحدود الأنكلو – عثمانية والسعودية في اليمن

اخترنا لك

محمد ناجي أحمد:

لقد عجّل من ترسيم الحدود بين الإستعمار العثماني والبريطاني في اليمن ما أحدثه الشيخ محمد ناصر مقبل، شيخ قبيلة حمير اليمانية، من إقامة برج مراقبة قرب الدريجة، في مارس 1900م، «يشرف على الطريق التجاري الرئيسي بين لحج والمنطقة الجبلية، وكانت الإدارة العثمانية هي الدافع للقيام بهذا العمل لأغراض اقتصادية، فضلاً عن الأهداف السياسية»، وذلك بسبب التهريب الذي يحدث لتجارة التبغ إلى داخل مستعمرتها في شمال اليمن، مما شكل خسارة عليها من الضرائب.
أضف إلى ذلك أن العثمانيين كانوا يسعون لوضع حدود بين مستعمرتهم في الشمال ومستعمرة الإنجليز في الجنوب، لكنهم، ومع بدء إجراءات ترسيم الحدود، وجدوا أنها لن تكون وفقاً لما يريدونه فماطلوا، مما أجبر بريطانيا على التلويح باستخدام القوة. لقد تم اعتماد المسح الذي أجراه العقيد عبد الوهاب أحد ضباط القوات البريطانية، والذي قام به عام 1891 – 1892م، وقد سُمي بـ«خط وهاب»، ويُسمى في كتاب «اليمن والغرب» لإريك ماكرو بـ«الخط البنفسجي»، وبعض الكتابات الصحافية المتأخرة تطلق عليه «الخط الأخضر»، وقد سُمي بـ«خط وهاب» نسبة للخريطة التي رسمها العقيد عبد الوهاب، كما يورد ذلك عزيز خودا بيردييف في كتابه «الاستعمار البريطاني وتقسيم اليمن».
ويبدأ «خط وهاب» من رأس الشيخ سعيد قرب قرية التربة، ويمتد إلى الشمال الشرقي ملتوياً في بعض الأماكن، ويصل إلى منطقة القطيب. وبسبب موقف السكان المحليين الرافضين للتقسيم، اضطر العقيد عبد الوهاب إلى وقف الدراسات الطبوغرافية وفقاً لمصالح بريطانيا، فعاد إلى عدن عام 1892م. كانت يافع والعوالق والمهرة خارج هذا الخط، لكن بريطانيا طالبت بها من باب الضغط على العثمانين للقبول بـ«خط وهاب». وبعد أن كادت الحرب تشتعل بين الإستعمارين في 14 مارس 1903م، أصدر السلطان العثماني مرسوماً بسحب القوات من جليلة، والبدء بترسيم الحدود وفقاً لمتطلبات بريطانيا، «واضطر الباب العالي إلى الإستسلام، ووافق على انتقال أهم المناطق إلى النفوذ البريطاني».
وهكذا، وفي أواخر آذار / مارس 1903م، شرعت اللجنة الحدودية الأنكلو – عثمانية برسم الحدود. ومن بداية تلك العملية، أبدت قبائل جنوب اليمن مقاومة جدية لتقسيم البلاد عنوة. وبالرغم من الحراسة العسكرية الكبيرة، تعرضت اللجنة البريطانية / العثمانية لهجمات متكررة وإطلاق نار من جانب السكان المحليين، ورداً على ذلك قام الإنجليز بعدة حملات تنكيلية ضد القبائل الرافضة للتقسيم ودمروا قراها وبيوتها، وخاصة قبيلة الكتيب التي قطعت المواصلات بين عدن والضالع، وحاصرت وحدة من القوات البريطانية عام 1903م بقيادة الكابتن لويد جونسون. فأرسلت الإدارة الإستعمارية في عدن قوات «نكلت بكل قسوة بقبيلة الكتيب، ودمرت القرية التي جرت فيها المعركة».
لقد فكرت الإدارة الإنجليزية في عدن بتغيير الخريطة التي وضعتها مع العثمانيين منذ عام 1900 – 1905م، ثم 1907م، والتي تمت المصادقة النهائية عليها عام 1914م، وذلك بضم لواء تعز إلى مستعمرتهم، حين وقعت عام 1915م مع الشيخ محمد ناصر مقبل، الملقب بـ«ماوية»، اتفاقية في 19 فبراير، ومنحته 75 ألف روبية، مقابل «طرد الأتراك وحلفائهم، سواء الشافعيين أو الزيديين من لواء تعز»، وضمنت له الإعتراف بسلطته في إطار هذه المقاطعة، ووعدته بالحماية لممتلكاته المرتقبة من عدوان الدول الغربية والعثمانيين، والمقصود بالغربية: فرنسا وإيطاليا الموجودتان في البحر الأحمر. إلا أن بريطانيا صرفت النظر عن هذه الإتفاقية، عندما أعلن نائب ملك الهند، في مايو 1915م، أن منطقة تعز ليست أساسية في مسار الحرب.
أرادت بريطانيا استنزاف الطرفين السعودي واليمني في حرب 1934م

ولم يحصل الشيخ مقبل على دعم الإنجليز، ففرّ مع إخوانه إلى الجنوب، والتحق قسم من متطوعيه (800 شخص) بالقوات العثمانية التي استولت على الضالع في مايو 1915م. وبعد ذلك، عاد الشيخ مقبل إلى كنف العثمانيين، واشترك في الحملة التي قادها سعيد باشا على لحج، والتي استولت على الحوطة في 5 يوليو 1915م، ووصلت إلى الشيخ عثمان في 7 يوليو. وبعد ثلاث سنوات من الهدنة غير المعلنة، تم دحر العثمانيين من الشيخ عثمان من خلال السفن البريطانية إلى لحج، التي خرجوا منها بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى عام 1918م.
حرّضت بريطانيا السعودية على شن الحرب على اليمن في عام 1930 – 1934م، كي يشكل ذلك ضغطاً على الإمام يحيى الذي لم يكن مستعداً للدخول في حرب مع جبهتين: السعودية في الشمال وبريطانيا في الجنوب. لهذا، تم التوقيع على الاتفاقية الأنكلو – يمنية في فبراير 1934م، والتي اعترفت بموجبها بريطانيا باستقلال اليمن. واتفق الطرفان على عدم الإخلال بحالة الحدود القائمة وقت توقيع الإتفاقية، ووافقا على تأجيل «تسوية مسألة حدود اليمن الجنوبية حتى المفاوضات التالية التي يتعين أن تجرى قبل انتهاء مفعول الإتفاقية، أي في غضون 40 عاماً».
كانت الإدارة البريطانية في عدن «مرتاحة» لتوقيع الإتفاقية، فقد «حققت بريطانيا بالأساس ما أرادته بعد الحرب العالمية الأولى، واستخدم المستعمرون البريطانيون لبلوغ أهدافهم مختلف الوسائل، ابتداءً من شراء ذمم القبائل وتدبير الفتن والعصيان ضد الإمام يحيى، وانتهاءً بغارات سلاح الجو العدني على المدن اليمنية وتأجيج التناقضات السعودية اليمنية» (طبعاً، المقصود بسلاح الجو العدني هو سلاح الجو الملكي البريطاني).
أرادت بريطانيا استنزاف الطرفين السعودي واليمني في حرب 1934م، رغبة منها في استعادة نفوذها على السعودية التي بدأت تتجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية وشركاتها النفطية. ففي عام 1933م، رفض ابن سعود منح الإنجليز امتياز التنقيب عن البترول في المناطق الشرقية من نجد، وقدم امتيازاً طويل الأمد لشركة «استانداردا أوف كليفورنيا» الأمريكية، وهي الشركة التي عملت على تسليحه بأحدث الأسلحة وقتها، مما جعل الملك عبد العزيز يحقق نصره في حربه على اليمن عام 1934م، ووحققت بريطانيا هدفها في التوقيع على اتفاقية الهدنة مع الإمام يحيى، وفرض الملك عبد العزيز بن سعود اتفاقية الطائف وفقاً لحدود الغلبة لمدة عشرين عاماً قابلة للتجديد.
لقد كان طموح عبد العزيز آل سعود قبل الحرب هو تحويل نجران إلى منطقة محايدة، بحسب مقترحه الذي قدمه للإمام يحيى، لكن الإمام رفض التنازل عن أرض يمنية، فكان التفوق بالسلاح والجنود والآليات والسيارات، إضافة إلى الغطاء البحري والجوي كإسناد بريطاني لابن سعود، ما أدى إلى هزيمة اليمن في هذه الحرب، التي كانت فيها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في صف ابن سعود دعماً وتسليحاً ومشاركة في الحرب.
تنظيم جيش ابن سعود، واقتناؤه لأحدث الأسلحة والمدرعات المزودة بالرشاشات، ومشاركة ودعم بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، كل ذلك جعل ابن سعود أكثر قدرة على تحديد مصير المعركة لصالحه، في مقابل الجيش اليمني الذي كان تسليحه بنادق عتيقة، وعدده أقل، ومع ذلك استطاع الإمام يحيى بهذه الأسلحة المتواضعة تحقيق نصر في جبهة نجران بقيادة سيف الإسلام أحمد، والاستيلاء على المعسكر الذي يقوده الأمير سعود، إلا أن انسحاب سيف الإسلام عبد الله من جبهة الحديدة قد سهل وصول الأمير فيصل إلى ميدي واللحيا وميناء الحديدة.
استفادت بريطانيا من دعمها لابن سعود، وأنهكته مالياً في هذه الحرب، وذلك بأن وافق عبد العزيز آل سعود على منح بريطانيا امتيازاً لـ«شركة نفط العراق» للتنقيب عن البترول في الحجاز وعسير. وقد تم إخراج السعودية من الحديدة بضغط من بريطانيا، لأن ذلك الإحتلال كان يُعدّ تغييراً في الخريطة الإستعمارية المتفق عليها بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، مما سيجعلهم يطالبون بتوسيع حصتهم في مناطق البحر الأحمر.

موقع العربي

الخبر اليمني/أقلام

أحدث العناوين

A British threat to re-siege Yemen

On Monday, Britain threatened to reimpose the siege on Yemen.Exclusive - Al-Khabar Al-Yemeni:The British embassy reported in a tweet...

مقالات ذات صلة