الإمبريالية الأمريكية عدو مشترك للإنسانية: هكذا تكلم جيفارا

اخترنا لك

الخبر اليمني/

ريمي هاريرا – ترجمة : سعيد بوخليط (بتصرف يسير):

 ـ لا تموت الأفكار (1) ـ

منذ خمسي سنة، وبالضبط يوم 8 أكتوبر 1967. جرح، إرنستو تشي غيفارا Ernesto Guevara في واد يورو Yuro ببوليفيا bolivie. جرد من سلاحه، واعتقل، ثم نفذ فيه حكم الإعدام في اليوم الموالي، بمنطقة لاهيغيرا La Higuera، بأوامر من المخابرات المركزية الأمريكية CIA.

قال الفيلسوف سارتر Sartre، عن تشي غيفارا : ((أكثر الناس كمالا في عصره)) ثم أضاف : ((ماقيمة مجازفات وتضحيات الإنسان (…) حينما يكون المصير الإنساني مهددا. تقوم دعوتنا، على صرخة حرب ضد الإمبريالية، ووحدة الشعوب … . لا يهم، إن داهمتنا الموت، مرحبا بها إذا تم الاستماع لصرخة الحرب هاته، وامتدت لنا يدا أخرى)).

يوم 18 أكتوبر من نفس السنة، جاء في عظة تأبين قديس تقدمي بالأرجنتين، ما يلي : (( إن ثلثي الإنسانية من المضطهدين قد فجعوا لوفاته. الثلث الأخير، لا ينكر أبدا في عمق روحه، بأن مستقبل التاريخ إذا سعينا إلى عالم أفضل ينتمي إلى تشي)).

ما لم يتوقعه شركاء إعدامه، هو أن وجه إرنستو تشي غيفارا، سيحتل فيما وراء موته، مساحة غير منتظرة في قلب ووعي الشعوب وكذا تقدير القوى التقدمية.

بأسطورته الملتزمة كونيا. انجذب “تشي” للممكن الثوري الذي تنطوي عليه إفريقيا. من الجزائر، نسج علاقات مع حركات التحرير وكذا الزعماء الثوريين لبلدان مثل : مالي، مصر، الكونغو ـ برازافيل، أو تنزانيا… .

ف “تشي”، سيعتبر من المفيد لتقدم الصراع ضد الاستعمار، إرسال مقاتلين من “السيرا ما يسترا” La sierra maestra ، إلى جانب المجموعة الأنغولية MPLA، التي كانت متأهبة لإطلاق شرارة التحرير : la guérilla . في الغابة المدارية ل كابيندا Cabinda . لكنه، تدارك وكان على صواب، بضرورة القيام بشيء ما على وجه السرعة في الكونغو Congo، حتى لا يسقط هذا البلد نهائيا، وينضاف إلى الثراء الإمبريالي.

تجربة مؤلمة وحبلى بالدروس، في الآن ذاته. ستبقى ترميزا بخصوص الرؤية الكونية عند “تشي”، المقاتل المحرر.

إحدى الدلائل الأكثر تجليا للأممية التي جاءت بها الثورة الكوبية، تجسدت فيما وضعه حيز التنفيذ القائد إرنستو غيفاراGuevara. فبعد أن حارب لتحرير الشعب الكوبي ـ الذي كان فخورا لكي يضمه إليه ـ اتجهت رغبة “تشي” الأكثر حماسة، إلى انتشال شعوب الجنوب من نير الإمبريالية. هكذا حينما، تبين لـه في أبريل 1965، بأن كوبا قد تتجاوز حضوره. أخذ طريقه من جديد، قصد تحقيق هذه الغاية الدقيقة والواسعة في الآن ذاته. بطلب من حركة تحرير “الكونغوـ ليوبولد” بمدينة « Tatu »،عبر “تنزانيا” من “دار السـلام إلى كيغـوما “Kigoma”، ثم بحيرة “Tanganyika”، لكي يقترب سرا من “Kibamba” على مقربة من “Fizi” على الجنوب من “Kivu”. في مهمة تتوخى، دعم المقاتلين الكونغوليين الذين ظلوا أوفياء لباتريس لومومبا “Lumumba “، بمساندة من العسكر الكوبي.

في يوليوز 1965، وصلت إلى برازافيل Barazzaville “المجموعة العسكرية الثانية ل “تشي” بقيـادة ريسكـي “Risquet” الحربة الصلبة المستقبلية، لكوبا في أنغولا Angola. لكي تلبث في الاحتياط، استعدادا للقيام بانضمام طارئ.

بعد ثمانية أشهر، في الموقع كمدرب عسكري وطبيب، سواء بالنسبة لرفاقه أو القرويين. ومع أن جنده لم ينهزم عسكريا في خمسين مواجهة مع المرتزقة التي كانت تعمل لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، فإن “تشي” أقر بحتمية التراجع.

1) اقتحام أمريكا الجنوبية :

لكن في نونبر 1966، ثلاثة أشهر ونصف بعد عودته إلى كوبا Cuba. سيدخل ثانية إلى بوليفيا Bolivie، بطريقة سرية، تحت اسم رامـون “Ramon” ـ بجواز سفر مزور يحمل جنسية الأوروغواي ـ صحبة مجموعة من الرفاق، يتوفرون على خبرة قتالية اكتسبوها، حينما حاربوا إلى جانب “تشي” في السيرا مايسترا La sierra maestra وزايير Zaire، وذلك لإشعال الثورة في قارة أمريكا الجنوبية. هذه المجموعة الصغيرة المسلحة، التي ضمت عناصر كوبية وبوليفية بجانب مقاتلين أمميين، توخت تطبيق استراتيجيـة : foco . أي على : la guérilla الأمامية، حث القرويين على العصيان المدني، وتسريع الصراعات السياسية داخل المدن، وانتزاع نصر عسكري نهائي ضد جيش الأوليغارشية. مبدئيا، عرفت هذه الخطة بعض النجاحات. لكن بسرعة كبيرة، تدخلت المخابرات الأمريكية CIA والجيش الأمريكي، لقيادة عمليات انتهت في 9 أكتوبر 1967، على المنوال الذي نعرفه جميعا.

إذا كانت عموم الجماهير، تعرف بما يكفي التحرك الأممي ل “تشي”. فإن أفكاره حول العلاقات الدولية سياسيا واقتصاديا، وكذا النظام العالمي، لم يكن لها نفس الحظ. أفكار، تحافظ مع ذلك بشكل دائم على إقناع أكيد.

“تشي” عصامي بخصوص ثقافته في العلوم الاجتماعية، دون تكوين أكاديمي. إضافة إلى قدرته الاستثنائية على العمل، هو ربما ما خول لـه القيام بتحليلات لا تخلو طبعا من قصور وتناقضات لكنها مبتكرة بتجليات عديدة، وعميقة بشكل مدهش، مع أخذ بعين الاعتبار، مسؤولياته ثم ندرة أوقاته الشاغرة. لكي يدرس ويتمثل المفاهيم. كان يسائل باستمرار “الحقائق” المتداولة، راسما سبلا غير معلومة. محاربا بالنظرية، كمقاتل فكري. ماركسيته غير مصنفة : انتقائية ومختلفة، أحيانا وقحة لكنها بالأخص بوليفارية Bolivarien مهووسة بفعل ذاتي يحول العالم إرادويا.

بعض مناحي فكره تبين النظام الدولي. كما وضحه بعد ذلك مؤلفون مثل أمين Amin، فرانك Frank، أو أريغي Arrighi. وذلك، بالكشف عن رؤية كلية ونسقية للظواهر، بحيث يتم تناولها كمجموعات علاقات مترابطة تؤسس لكليانية مبنينة ومنسجمة. يبث تأملا متعدد الأبعاد ، يتمفصل بين الاقتصاد، المجتمع والسياسة. وكذا العوامل الوطنية ثم الدولية. مفهومه للتخلف، سبق ما جاءت به تحليلات “تيار التبعية”، التي عرفت بعد ذلك تراكما في أمريكا اللاتينية آخر سنوات 1960، اعتمادا على ماريني Marini بالخصوص. الأهمية التي منحها “تشي” بحق لعلاقات شمال/جنوب لا يمكن أن تقود للخطأ : التناقض الحاسم بالنسبة إليه، ليس ذلك الذي تتعارض في إطاره الدول المتقدمة والمتخلفة. ولكنه التناقض الموجود بين الرأسمالية والاشتراكية. إننا اليوم، مثل “تشي” من هؤلاء الذين يعتقدون بأن المشروع الاشتراكي يبقى بالنسبة للشعوب البديل الأكثر معقولية عن الرأسمالية الإمبريالية.

2 ـ اقتصاديات شوهتها الإمبريالية :

عرف غيفارا Guevara التخلف بكونه : “نمو مشوه”، عاهة: ((قزم برأس ضخم وبطن صغير، ثم أرجل ضعيفة وأيادي صغيرة لا تتناسب مع باقي شكله (…)تخلف [بلد ما ] حصيلة ظاهرة مسخ (مرتبطة بسوء تركيبات خلقية، حسب اللغة الطبية) أدت إلى اعوجاج في نموه. ها نحن ما عليه، الموصوفون ب “المتخلفين”، بشيء من اللياقة :إننا بلدان […] تابعة، شوهت الإمبريالية اقتصادياتها، حيث تنمي بطريقة غير طبيعية الفروع الصناعية والفلاحية تكملة لاقتصادها الخاص، فهي تعقد بذلك. من هنا تلك التخصصات الخطيرة في قطاع المواد الأولية، تفرض على شعوبنا خطر الجوع. أيضا نحن “المتخلفون” بلدان للإنتاج المحتكر)). هاته الاقتصاديات المشوهة والتابعة مسيطر عليها من الخارج، مما يسرع بإعادة إنتاج شروط الاستغلال.

سيرسم “تشي” بناء الحقيقة السوسيوـ اقتصادية الداخلية للبلدان المتخلفة على عناصر خارجية، تحدد هذه الدينامية الممحورة لنسق دولي يولد التنمية في قطب ، والتخلف بين ثنايا القطب الآخر.

أشار “تشي” كذلك، إلى الأدوات التي تستعملها الدول الإمبريالية حتى تضبط السياسات الاقتصادية للبلدان المتخلفة، في أفق السيطرة عليها وسلبها ثم تحطيم مسارها الاقتصادي لحقبة طويلة، بآليات مثل : التجارة العالمية ـ بتحريف وإفساد لمفاهيم التبادل، حيث من الضروري البحث عن العوامل في التبادل غير المتوازن ـ ثم الاستثمارات الخارجية، اتجاه أساسي لبلدان الشمال الرأسمالي تستولي به على الموارد الطبيعية لشعوب الجنوب، إضافة إلى القروض الرأسمالية. رؤية حدست من جوانب الانتقادات التي توجهت بين سنوات (1970/1980) ضد ديون العالم الثالث.

3 ) مشنع بصندوق النقد الدولي (FMI) :

تشهيره بلا عدالة النظام السياسي ـ الاقتصادي، ابتدأ بهذا الرفض الجذري لدور المؤسسات الدولية، المجسدة للهيمنة على دول الجنوب. سنة 1964، انتقد خطابه في “ندوة الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية”، صندوق النقد الدولي (FMI) “حارس الدولار الشرس”، البنك الدولي ووكلائه، وتلك الجدة المسماة “المنظمة العالمية للتجارة” (OMC)، ثم منظمة الغات (Gatt) : ((صندوق النقد الدولي (FMI)، شبه حارس لاستقرار مستوى التبادل، وحرية الأداء. فهو موجود هنا، لكي يمنع الدول المتخلفة دون الأخذ بأدنى إجراء، للدفاع عن نفسها أمام المنافسة وتسلل الاحتكارات الأجنبية (…) بفرض مخططات تقشفية، مع رفض التمويل اللازم لانطلاقة تجارة البلدان التي تعاني من اختلال في ميزان الأداءات (…). فهو يحاول بكل الوسائل إخراج الدولار من وضعيته غير الثابتة. هذا بالطبع، دون التطرق أبدا لمشاكل النظام النقدي الدولي البنيوية)). ثم يضيف : ((البنك الدولي وسيلة لدخول الرساميل الأمريكية إلى الدول المتخلفة. نفس هذا الدور المرعب، تحملته القارة الأمريكية، من قبل البنك “البين – أمريكي” للتنمية . أجهزة يتم تسييرها وفق مبادئ تدعي حماية العدالة والمعاملة بالمثل.

تيمات تختفي من ورائها بالتأكيد، ميكانيزمات ماكرة لديمومة الاستغلال)). ثم إن : (( منظمة الغات le Gatt، حينما تحدد تعاملا على السواء. والتزاما متماثلا بين الدول المتقدمة والمتخلفة، فإنها تساهم في تثبيت وضع غير عادل. تخدم الدول المتقدمة، التي تعارض استبعاد الحمائية الزراعية، المساعدات المالية، تعريفات الأسعار، أو كل عائق آخر يقف حاجزا أمام انطلاقة صادرات البلدان الخاضعة)). حداثة هذه الانتقادات الموجهة ضد المؤسسات التي أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية، شيء يثير الدهشة.

4 ـ حتمية السيادة الاقتصادية :

حتى مع الموجة التاريخية لتحرر إفريقيا وآسيا من الاستعمار. فقد أظهر غيفارا Guevara قلقا وشيئـا من قلة الصبر أمام الصعوبات التي تواجهها بلدان العالم الثالث، في إطار مجهوداتها لتقوية استقلالها السياسي. إذا ما بقيت التبعية الاقتصادية قوية حيال البلدان الاستعمارية القديمة.

في فبراير 1965 بالجزائر، أثناء المنتدى الإفريقي الآسيوي، صرح مخاطبا : ((كل مرة تتحرر فيها دولة، نقول بأن الأمر يتعلق بهزيمة للنظام الإمبريالي العالمي. لكن التخلص من هذا النظام، لا يمكنه أن يمثل انتصارا لمجرد الإعلان عن الاستقلال، أو حتى ثورة تتم بالأسلحة : الانتصار يتجسد، حينما تتوقف الهيمنة الإمبريالية على شعب ما )). يركز “تشي” على الاستقلال الاقتصادي كوسيلة تصدي للاستعمار الجديد : ((ستظل المفاهيم المتعلقة بالسيادة السياسية والوطنية أوهاما إذا لم يرافقها الاستقلال الاقتصادي)).

تلك هي دلالة الدعوة التي وجهها “تشي” إلى الكتلة الاشتراكية حتى تدعم بجرأة الدول الإفريقية والآسيوية ـ أولا لضمان الدفاع عنها عسكريا أمام الإمبريالية ـ بأن تشكل معها جبهة موحدة على المستوى العالمي، تدعم القوى التقدمية في العلاقات الدولية. على الرغم من صعوبات وكذا عجز البلدان الاشتراكية على تفعيل ميكانيزمات اقتصادية بديلة، ثم تحسن موقعها التنافسي في مواجهة الرأسمالية. دعمها ـ خاصة من قبل الاتحاد السوفياتي ـ لتطوير العالم الثالث، تعتبر مسألة حيوية عند “تشي” : ((إذا كان العدو الإمبريالي، الأمريكي أو غيره يواصل فعله ضد البلدان المتخلفة والاشتراكية، فإن ذلك يمثل منطقا أوليا يحكم ضرورة تحالف هذه الشعوب المتخلفة وكذا شعوب البلدان الاشتراكية. إذا لم يكن هناك عنصر آخر للوحدة، فالعدو المشترك يشكل حتما أحدها)).

من بين الأمنيات التي شغلت “تشي”، إقامة تقسيم عالمي اشتراكي للعمل. يدير نفسه بطريقة مختلفة عن أسواق النظام الرأسمالي العالمي. فاللجوء، بحسبه لعلاقات الأسواق النقدية في قلب الكتلة الاشتراكية قد يجازف، بأن تقود إلى شكل للتبادل المتفاوت في علاقاتها مع البلدان المتخلفة ـ من خلال الإضرار بهاته الأخيرة ـ وبالتالي إذن تفريغ اهتماماتها : ((إذا أسسنا هذا النوع من العلاقات، بين هذين النوعين من البلدان، فعلينا إذ ذاك الاعتراف بأن البلدان الاشتراكية أضحت بشكل ما شريكا في الاستغلال الإمبريالي. أن لا تمثل التبادلات مع الدول المتخلفة إلا جزءا ضعيفا من التجارة الخارجية مع هذه الدول (…) لا يستبعد أبدا بقاء هذه العلاقات (…). البلدان الاشتراكية، عليها الواجب الأخلاقي المتمثل في التخلص من كل شكل للتواطؤ مع الاستغلاليين الغربيين)).

تطبيق “قانون القيمة”، ينقل الآثار السلبية إلى اقتصاديات الجنوب بواسطة العلاقات التجارية والمالية الدولية، كما يلوث سمعة الاشتراكية الدولية : ((من الضروري إيجاد وسائل للتبادلات تخول تمويل استثمارات في البلدان المتخلفة، ولو كان الأمر يخالف أنظمة الثمن، الموجود في السوق الرأسمالي، مما سيضمن تطورا أكثر تزامنا للمعسكر الاشتراكي، من أجل تنقيح القسوة وتعميم الفكر الكوني. فعلى البلدان الاشتراكية تحمل عبء تطور البلدان الاشتراكية)).

مبتور في غالب الأحيان ـ ومنحرف عن المجرى الذي يهدف رسم صورة عن “تشي” معارض للبلدان الاشتراكية ـ فإن حديثه سيتواصل بالتشديد على مسؤولية العالم الثالث، لتعزيز الاشتراكية الدولية. (( لكن قوى البلدان المتخلفة، عليها الانخراط دون تردد في مسار بناء مجتمع جديد. (…) فلا يمكنها اكتساب ثقة البلدان الاشتراكية، إذا كانت تساوي بين الرأسمالية والاشتراكية، بل بتوظيف هاتين القوتين، الواحدة كقوة معارضة للأخرى. لكي تستخلص بعض النتائج من ذلك)).

5) الطبقة العاملة الأمريكية :

الفهم الذي كان ل “تشي” عن البروليتاريا الأمريكية، كما عبر عنه في مقالة أثناء شبابه (1954)، يظل أيضا مضيئا : ((لماذا داخل الولايات المتحدة الأمريكية [“الإشكال الكبير بالنسبة لأمريكا اللاتينية”] لا تتجلى أبدا بشكل واضح، التناقضات : رأسمال /عمل، في كل قوتها ؟ باستثناء السود […] فإن الطبقة العاملة ـ أولئك الذين يتوفرون على عمل بالطبع ـ تحصل على أجور مرتفعة جدا […]. تتبوأ الولايات المتحدة الأمريكية، قيادة ما يسمى ب “العالم الحر”، يمثل الدفاع عنه قضية أساسية بالنسبة للرأسماليين، الذين يسعون المحافظة على النظام الحالي، لكن أيضا بالنسبة للعمال في إطار ما، لأن فقدان الأسواق ومصادر المواد الأولية ذات الأثمنة الرخيصة (الجنوب) يؤدي في الحال إلى تقوية الصراع بين الرأسمالية والعمل، حيث ستكون النتيجة كارثية على الجميع. سيتمثل رد فعل الطبقة العاملة في مساندة الولايات المتحدة الأمريكية، باتباعها تحت لواء شعار ما (…). تبدو وظيفة النقابات العمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، كأنها واقية للصدمات بين القوتين المتصارعتين، ومن وراء ذلك خلسة إضعاف قوة الجماهير الثورية. حقيقة زاخرة نوجد أمامها، وآخرين غيرنا في أمريكا اللاتينية. لا يمكننا، أن نطلب من الطبقة العاملة الأمريكية النظر إلى أبعد من أنفها. (…) الأهم بالنسبة للعمال، يتجسد في الحفاظ على مستوى عيشهم، كأحد العوامل التي تجعل صراعنا من أجل الحرية في نهاية المطاف، لا يتوجه إلى نظام اجتماعي بل ضد وطن، يدافع في إطار كتلة واحدة متسلحة بالقانون الأعلى للمنفعة، عن المكتسبات المستخلصة من الوصاية التي تمارس على اقتصاديات أمريكا اللاتينية)).

6 ) فيما وراء الانشطار :

لقد قالها “تشي” وكررها : الإمبريالية الأمريكية عدو مشترك للإنسانية : ((الإمبريالية نظام عالمي، آخر مرحلة للرأسمالية، بحيث يجب القضاء عليها بمواجهة دولية كبيرة (خطاب إلى القارات الثلاث). على القوى التقدمية إذن، تجميع مقاوماتها، وتحويلها إلى صراعات واسعة، متواصلة، منتشرة في كل الأراضي، معبئة لكل الشعوب الواقعة تحت نير الاستغلال. فمن الضروري أن تؤدي الاستراتيجية الثورية، إلى تشتت لقوى الولايات المتحدة الأمريكية. على الدول التقدمية، توحيد جهودها، بالرغم من اختلافاتها، لتحويل النظام الدولي : (( علينا الدفع اتجاه علاقات جديدة، تحقق على قدم المساواة إقامة عدالة ثورية (…) تعطيها محتوى جديدا)). ذلك بالضبط، ما يجسده اليوم البديل البوليفاري Bolivarien بالنسبة للأمريكيين. انطلاقا من كوبا وفينيزويلا، امتدادا إلى بوليفيا، نيكاراغوا وهايتي.

بالاستناد، على شبه إجماع حركات القارة الاجتماعية، في سبيل لا مركزية تخدم شعوب الجنوب، وتؤسس عالما متعدد الأقطاب. يمكن، لبعض الأحلام أن تصير حقيقة. كما يمكن لمثاليات، أن تأخذ مسحة واقعية كما هو حال التصور الغيفاري التالي : ((حينما نرفع بحماسة كبيرة راية الفيتنام، فإننا لا نصنع ذلك فقط، داخل أممية تتوخى وتبتغي العدالة كما علمتنا الثورة الكوبية. نقوم بذلك، أيضا لأن خط الجبهة هذا، مهم جدا بالنسبة لمستقبل القارة الأمريكية. تتدرب في الفيتنام، القوى التي ستأتي يومـا، لردع : Guérilleros . إنها مختبر لإمبريالية يانكي Yankee. يجربون هناك أسلحتهم الجديدة للقضاء على حرية الشعوب (…) ثم يجهزون فرقهم للمواجهة الأكثر حسما أيضا، التي سيطلقونها يوما ما في باحتهم الخلفية لمستعمرتهم : القارة الأمريكية)). لقد أظهر التاريخ، هذا الأمر : فبعد انهزامهم في الفيتنام، التفتت إمبريالية الولايات المتحدة الأمريكية إلى شعوب أمريكا اللاتينية، بالعمل على تنصيب الديكتاتوريات الأكثر دموية في كل القارة تقريبا. فهل يمكننا، التنبؤ من الآن بأن أهدافها المقبلة،ستتجه إلى الجبهات الثورية لأمريكا اللاتينية، بعد اندحارها في العراق الذي أضحى في عداد المؤكد.

7 ) تشي وإفريقيا :

ـ “تشكل إفريقيا داخل المخططات الاستراتيجية الأمريكية خزانا على المدى البعيد. أكثر استثماراتها أهمية، توجد في جنوب إفريقيا. وغزوها بدأ من الكونغو إلى نيجيريا (…). ليس للإمبريالية بعد، مصالح كبرى تدافع عنها، فقط زعمها الحتمي بالتدخل هناك لأن احتكاراتها تستشعر فوائد ضخمة، كما أنها توفر احتياطات مخزونية أساسية من المواد الأولية)) (خلق فيتنام في كل مكان،1967).

ـ ((حينما تدخل القوى السوداء الفقيرة (…) في صراع ثوري حقيقي، فإن مناخا جديدا ينفتح لإفريقيا. سيلجون ممارسة، ينتزعون بها من الأوليغارشيات المستغلة للسلطة، حقهم في حياة لائقة. لقد تواصلت إلى غاية الآن مجموعة من الانقلابات،تضع مجموعة من الضباط محل أخرى. لكنها لن تخدم مصالح الطبقة الشعبية، ولا القوى التي تديرها. دون رجات شعبية)). (المرجع السابق).

ـ ((مرض إفريقيا هو الاستعمار. وأخطار سقوطها من جديد مرتبط بالكولونيالية الجديدة)) (1964 Alger-soir).

ـ ((من هم أصحاب غزو الكونغو ؟ إنهم وحدات مظلية من بلجيكا، نقلوا على ظهر طائرات أمريكية انطلاقا من قواعد بريطانية (…). مملكة بلجيكا، هذا البلد الأوروبي الصغير النشيط والمتمدن، سبق غزوه من طرف مجموعات هتليرية (…). ربما أطفال الوطنيين البلجيكيين الذين قتلوا دفاعا عن حريتهم، هم من يقتل اليوم الكونغوليين. باسم الجنس الأبيض، مثلما عانى أجدادهم تحت جزمة الجرماني، لعدم توفرهم كفاية على الدم الآري)) (خطاب في الأمم المتحدة 1964).

ـ ((في حين سيطرة الولايات المتحدة بأمريكا اللاتينية، مطلقة دون تداخلات. فإنها في إفريقيا، لا تتوفر إلا على أطراف صغيرة من الأرض، وسيطرتها تتم بطريقة غير مباشرة، بمساعدة بلدان تقتسم القارة. لهذا، فإن الانشقاقات والصراعات الأهلية وكذا مظاهر الشوفينية الوطنية عند الإفريقي، تسهلها بل تثيرها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنمي سلطتها بإضعاف بطيء للأسياد التقليديين)) (الطبقة العاملة الأمريكية، صديقة، أم عدوة ؟ 1954).

8) “تشي” وآسيا :

ـ ((هناك استراتيجية أساسية جدا في تطويق الصين الشعبية عسكريا، من خلال طموح رأسماليات يانكي Yankees، لكي تلج هذه الأسواق الضخمة، التي لم تسيطر عليها بعد، ثم تجعل من آسيا إحدى الأمكنة الأكثر قابلية للانفجار في العالم الحالي […]. كل المنطقة تغدو مفجرا خطيرا، ومهيئا لذلك)) (خلق فيتنام في كل مكان، 1967).

ـ ((في حرب كوريا، دخلت عشرات الدول تحت لواء العلم المخادع للأمم المتحدة، بقيادة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية (…). لمواجهة الجيش والشعب الكوري، ومتطوعين من الصين الشعبية، عمل السوفيات على تمويلهم ومؤازرتهم (…). بعد سنوات من الصراع الوحشي، ظل القسم الشمالي من البلاد موضوع أكثر التدميرات رعبا في سجل الحرب المعاصرة. الولايات المتحدة الأمريكية، قاتلت بكل أنواع سلاح التدمير الثقيلة : لقد استبعدت الأسلحة النووية الثقيلة، لكن ليس الأسلحة الجرثومية والكيماوية)) (نفس المرجع السابق).

ـ ((تورطت الإمبريالية في الفيتنام، ولم يعد لها من مخرج. تجرب القوة الإمبريالية الكبرى، نزيف الدم من طرف دولة صغيرة، ويتحمل اقتصادها الخرافي عبء الحرب. (…) لقد انعكست الحرب على الحياة الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية، بأن عملت على انبثاق صراع الطبقات داخل أراضيها الخاصة. (…) الفيتنام التي تعكس آمال النصر بالنسبة للعالم المنسي، تقف تراجيديا وحيدة. (…) لا يتعلق الأمر بتمني الانتصار لضحية الاعتداء، ولكن بأن نتقاسم مصيره، ونرافقه إلى غاية الانتصار أو الموت. (…). إمبريالية الولايات المتحدة الأمريكية آثمة، فجرائمها تسود كل العالم !)) (نفس المرجع السابق).

9 ـ تشي وأمريكا اللاتينية :

ـ ((بدأت أمريكا اللاتينية تسمع صوتها من خلال القارات الثلاث. اعتمادا على الثورة الكوبية، صوت طليعة هذه الشعوب)) (خلق فيتنام في كل مكان 1967).

ـ (( سيصل الصراع في أمريكا اللاتينية أبعادا قارية، أثناء اللحظة المناسبة لذلك. ستكون أمريكا اللاتينية مسرحا لمعارك كبيرة، تنهض بها الإنسانية من أجل تحررها (…) داخل صراع قاري، أعطى فيما مضى لشهدائها موقعا في التاريخ)). (المرجع السابق).

ـ ((لأن الصراع في أمريكـا اللاتينيـة حاسـم، يتدخـل اليانكيـون les yankees بكل قوتهم.سيعاقبون القوى الشعبية بالأسلحة التي يتوفرون عليها. لأنهم، لا يريدون لأية قوة ثورية التوطد. يسعى المعتدون تقسيم القوى الثورية، تسريب المخربين لخنق اقتصادها وتدميره)) (تاكتيك واستراتيجية الثورة في أمريكا اللاتينية 1962).

ـ ((معركة كوبا هي معركة أمريكا اللاتينية (…) إذا حسمتها كوبا، فإن أمريكا اللاتينية بأكملها منتصرة. (…) لذلك يتوخون محو “النموذج السيئ” الذي نقدمه)) (السيادة السياسية والاستقلال الاقتصادي، 1960).

ـ ((تقسيم أمريكا اللاتينية إلى وطنيات مشتبه بها ووهمية، هو بالمطلق شيء مختلق. نحن نشكل عرقا واحدا هجينا، من المكسيك إلى مضيق ماجلان (…) فأمريكا اللاتينية واحدة)) (1952 (Journal de voyage.

10) تشي والعالم العربي الإسلامي :

ـ ((الشرق الأوسط في أقصى هيجانه، دون التمكن من التكهن بالأبعاد التي ستأخذها هذه الحرب (…) بين إسرائيل التي تدعمها الإمبريالية وبلدان (…) المنطقة. فهو واحد من البراكين التي تهدد العالم)) (خلق فيتنام في كل مكان، 1967).

ـ ((الجزائر، إحدى عواصم الحرية الأكثر بطولية (…). الشعب الجزائري الرائع، المبلل مثل أوطان قليلة بمحن الاستقلال (…) ألهم صراعنا الضاري ضد الإمبريالية

 

أحدث العناوين

أمريكا “الديمقراطية” تواجه المتظاهرين بالقناصة والمروحيات

أسقطت غزة ما تبقى من الشعارات الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي لطالما اتخذتها واشنطن ذريعة للتدخل في الشؤون...

مقالات ذات صلة