شكرا لك «مستر ترامب» على تلك الصفعة!

اخترنا لك

غادة السمان:

إنها الصفعة المدوية على خد كل عربي، صفعة الإذلال والاستخفاف بل والاحتقار، وما هو أكثر سوءا: اللامبالاة بنا أصلا. صفعة لكل عربي أيا كان دينه، للمسيحي وأماكنه المقدسة، فسيدنا المسيح عليه السلام كان فلسطينيا.. وصفعة على وجه أكثر من مليار ونصف المليار مسلم بإهداء بعض أماكنه المقدسة إلى إسرائيل لتكون عاصمة لها.
صفعة أليمة شعرتُ بها على خدّي.
كأنه كان علينا جميعا أن نتلقى تلك الصفعة، فقد نصحو من تيهنا الوطني.. ونعي أن فلسطين تنزلق من بين أيدينا قطعة إثر أخرى.. جرحا بعد آخر.. موتا بعد آخر.. قضمة بعد أخرى من وحش الاحتلال، وقناعه (اللطيف): الاستيطان.. فلسطين تنزلق من بين أيدينا بيتا بعد آخر يتم هدمه.. شجرة برتقال بعد أخرى يتم قطعها.. حاجزا بعد آخر يتم إذلال العربي الفلسطيني على حواجزها..
ولم تعد تهزنا تلك الصور المذلة التي نراها على شاشات التلفزة العالمية، حيث (العسكري) الإسرائيلي الذي يحاول مثلا اعتقال صبي يبدو عمره 13 سنة وأمه تشده من جهة والعسكري الذي يشده من جهة أخرى، له وجه شبيه بوجه هتلر.. وحينما تتحول الضحية إلى جلاد يصير لها أحيانا وجه جلادها السابق وتبزه بأفعالها..

علينا اقتلاع شوكنا بأيدينا

يوم علمت أن رئيس جمهورية الدولة الأقوى في العالم «مستر ترامب» قرر أن القدس عاصمة إسرائيل، وأنه سينقل سفارة بلاده إلى هناك، صرت (أتسول) ردة فعل بمستوى الصفعة، لكنني وجدت التلفزيون الفرنسي بمعظم قنواته مشغولا بقضية تخصه: هي موت مغنيه المفضل دافيد هاليداي. وكنت أحاول قراءة العناوين التي تُكتب عادة بخط صغير في كعب الشاشة لأعرف شيئا عن ردة الفعل العالمية، ولم أجدها أصلا. كانت فرنسا مشغولة بموت مغنيها.. أما نحن فلسنا في بال ربع مليون مشيّع لجوني وقداسٍ في «كنيسة المادلين» الباريسية حضره ثلاثة رؤساء جمهوريات لفرنسا: السابقان ساركوزي وأولاند والحالي الرئيس ماكرون الذي ألقى كلمة في الكنيسة. فهل كنا نتوقع أن يتحدث عن جرحنا الخاص الفلسطيني العربي؟ متى نفهم أن للعالم مشاغله وأمزجته ونجومه وليس خادما يخرج من القمقم حين نفركه ويقول لنا «شبيك لبيك عبدك بين يديك» ويسألنا ماذا نريد ونقول له: تحرير فلسطين!.. وبغمضة عين ينفذ الجنّي المهمة!..
متى نفهم أن علينا كما يقول المثل الشامي: «تقليع شوكنا بأيدينا».. ولكن الشوكة هذه المرة مغروسة كسكين في حنجرة كل من يؤلمه «قاع القاع» الذي وصلنا إليه ونحن لا نكاد نعي شيئا، ونزداد ابتعادا يوما بعد آخر، ونتفرغ للاقتتال بيننا، تحت رايات عدة منها أعلام عشاق (الكراسي) المذهبة للحكم والدم يسيل من أرجلها. كم كنا بحاجة إلى صفعة «مستر ترامب» لنصحو ونفهم أنه (يحترم) نقودنا وليس تاريخنا ومشاعرنا كمواطنين.

يكره المسلمين ويحب مالهم!

أجل! لا يزعج الرئيس ترامب الحصول على المال في أية صفقة مع بلد إسلامي.. لكنه لا يُخفي أيضا كراهيته للمسلمين، حتى منعهم أو منع بعضهم من دخول بلده.. بالمقابل، وفي مواجهة تلك الصفعة، ماذا نقول أمام واعظ في مصر قال إن المسلم لا يُعدم إذا قتل قبطيا وذلك لأن المسلم ليس (متكافئا) في الدم مع دم القبطي (المصري المسيحي) ولأن «دم المسلم أعلى شأنا من دم غيره». وتذكرت أن سيدنا الرسول العربي مرت به جنازة فنهض واقفا فقيل له إنها جنازة يهودي فقال: «أوليست نفسا» وبالتالي فأخلاق الإسلام ترفض هراء ذلك (الواعظ) والمأساة أن أمثاله لا يُعزّوننا، وثمة من يصدقهم ويصير قاتلا، بفضلهم وواهما أنه يخدم الإسلام والإسلام بريء من الإجرام.. وثمة فتاوى أخرى كثيرة من هذا النمط بعضها يدور حول جسد المرأة الممنوع من الحياة على نحو سوي إنساني (كي لا تثير الشهوات الجنسية للرجل).. لكن المرأة إنسان وليست مسؤولة على شهوات الآخر، ولعل على شيخنا (المستثار) معالجة نفسه بالعقاقير والزوجات للتخفيف من هياجه أمام نساء تحاول الواحدة منهن تحقيق نفسها كإنسان ومواطن وليس عليها الدخول في سجن كي لا تثير شهوات سيدنا الشيخ وأمثاله من نجوم الإفتاء، الذين نسوا قضية فلسطين وهاجسهم «جسد المرأة» لا «جسد الأرض».

بلفور الثاني!

باعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وبنقله سفارة بلاده إليها نجدنا أمام «بلفور الثاني».
الأول وعَدَ والثاني: أعطى، وبالتالي فإن «بلفور الثاني» أشد إيلاما وأذى، ويبيح للضحية (المفترضة) اليهودية التضحية بشعب آخر هو الفلسطيني. لا عدل في ذلك؟ التأريخ لم يكتبه العادل بل القوي.. وها هي إسرائيل الدولة التي كنا ندعوها (اللقيطة ـ المزعومة) توقظنا على حقيقة أننا (العرب المزعومون) عما قريب، فالتخلي عن فلسطين والتلهي بمشاغل أخرى يعني أن سمكة القرش الصهيونية ستلتهمنا بدورها ونحن نتساءل: إبريق المرحاض أيوضع إلى يمين المصلي أم إلى يساره؟ وهو سؤال أغضب الشيخ «المتنور» محمد عبده يوم علم بأول تجربة طيران ناجحة، ولكن لم تكن اختراعا عربيا وصرخ بتلميذه: يا ابن (…) بقولك طاروا! أما الذي (سيطير) الآن فهو أرضنا العربية بعد متابعة التهام أنياب إسرائيل ما تبقى من فلسطين فهل نصحو على صفعة ترامب المشكور عليها؟
ام أننا سنتابع بسلام لعب دور «ضحية ـ الضحية»، كما يدعو ادوارد سعيد الفلسطيني!

مستر ترامب، و«الفياغرا»!

حين وهب المستر ترامب لإسرائيل مدينة القدس عاصمة لها، أعطى في الوقت ذاته (الإرهاب) جرعة كبيرة من «الفياغرا» المنشط! فالمستر ترامب قام بعملية إرهابية كبرى: إنها اختطاف مدينة بأكملها هي القدس، واختطاف وطن عزيز اسمه فلسطين. ويتوهم أن عمليته (الإرهابية) الكبرى هذه ستمر بسلام. وفي مانهاتن نيويورك ها هو شاب عمره (27 سنة) يجهل حتى كيفية تفجير حزامه الناسف احتجاجا ويجرح نفسه وأربعة سواه بقنبلة بدائية الصنع.
حين يقومون بمحاكمته عليهم أيضا محاكمة الشريك في الجرم، أي المحرض، المستر ترامب!!

 

الخبر اليمني/أقلام

أحدث العناوين

Euro-Med Monitor: consequences of 200 days of Gaza war are “alarming”

The Euro-Mediterranean Human Rights Monitor described on Tuesday the consequences of the ongoing Israeli war on Gaza Strip for...

مقالات ذات صلة