غادة السمان:أين المبدع اليمني خالد الوشلي

اخترنا لك

غادة السمان:

بكثير من السرور الأبجدي استقبل مرصدي تجاوب القراء مع مقالة الأستاذ نجم الدراجي حول «شيخ المصورين في مدن الفرات» ـ «القدس العربي» ـ وتعقيبًا على مقالته وهي مقالة تربط إبداع الماضي لدى السيد نوري الفلوجي الناصري الحسيني «شيخ المصورين» (كما لقّبه الدراجي) بإبداع حفيده قيس الفلوجي الذي يكمل الدرب كما قال نجم.
في الرحلة التي تمنيناها زوجي وأنا، للتعارف مع العراق ذهبنا إلى النجف وكربلاء والكوفة وسواها فيما بعد. وحين وصلنا إلى النجف اتصل الصديق المقيم في بغداد الذي رافقنا (زوجي وأنا) بأسرته هناك قائلًا إنه سيحضر للغداء ومعه ضيف وزوجته ولم أدر أي وليمة شهية ستنتظرني فقد استطاع أهل صديقنا ابن النجف إعداد وليمة فاخرة خلال ساعة واحدة عرفت عبرها سخاء أهل العراق. وكنت قد اقترحت التسكع ساعة في طرقات النجف قبل الغداء وتوقفت طويلًا أمام حانوت للتصوير وقرأت عبارة «الحياة فقاعة فصورها قبل أن تنفجر» فيها (الشعر) البسيط والعميق الذي يتجاوز الأزمنة والجنسيات ودونتها في دفتري الصغير الذي أحمله معي. ولو لم أدون تلك العبارة وأُصدّر بها كتابي «اعتقال لحظة هاربة» وكنت أجهل صاحبها لما أيقظت شهوة رغبة الاكتشاف لدى الأستاذ نجم الدراجي للبحث عن قائلها وذلك جميل ونادر… وهكذا يرحب القراء وعالمنا العربي بإبداع نوري الفلوجي الذي ولد في القرن التاسع عشر وما زال إبداعه مشعًا حتى اليوم والبركة في حفيده قيس الفلوجي الذي سيتابع حمل الراية، كما ذكر الدراجي.

أبحث عن باحث!!

الفنانة العراقية التشكيلية أفانين كبّة ـ كندا ـ د. أثير الشيخلي/منى مقراني ـ الجزائر/غاندي حنا ناصر ـ فلسطين ـ كوريا الجنوبية/د. محمد شهاب أحمد ـ بريطانيا ـ الفلسطيني الذي لم يغادر وطنه رؤوف بدران وسواهم رحبوا ببحث نجم الدراجي عن صاحب العبارة التي قرأتُها في النجف في واجهة دكان مغبر وأوحت لي بكتاب صار في طبعته الثامنة وكتاب آت هو «الصور الثرثارة». وأحببت بالذات رغبة أفانين كبة في عرض تلك الصور في معارض عالمية مؤكدة أنها «درر لن تتكرر أبدًا» وهمس نجم الدراجي قائلًا: «كثيرًا ما أتوقف عند حالة الاجحاف التي تمارس بحق الأدباء والفنانين».
ولكن من أين لنا بالكثير من أمثال الدراجي الذين يبحثون عن مبدع منسي؟
وأنا اليوم أبحث عن باحث من اليمن يلقي بقعة ضوء على مبدع ـ يمني لا نعرف عنه شيئًا!! وأعرف عنه، إبداعه واسمه، لا أكثر! ولا أدري أين هو، وكيف حاله مع الإبداع والمزيد من العطاء الفني التشكيلي نحتًا وربما رسمًا. وأعرف عنه فقط تمثال بومة من نحته تكرم بإهدائها لي أصدقاء من اليمن.

مبدع سحرني من اليمن

أسرني في تمثال البومة الذي وصلني عام 1994 ـ 1995 من أصدقاء لأبجديتي في صنعاء ان مبدع ذلك العمل الفني الرائع لم يوقعه! ولو لم أسأل من أهدوني إياه عن اسم الفنان الذي أبدعه ونَحَتَ تمثال البومة في قطعة واحدة من الخشب لما عرفت اسمه. لكنه نحت أسماء الأخوة الثلاثة الذين كانت الهدية منهم ولم يضف اسمه كفنان.
نحتها (البومة) بقلب محب وسحرني التمثال وبالذات أن الفنان الذي أبدعه خالد علي الوشلي نجح في بث الحياة في الخشب وجعل البومة تغمز بإحدى عينيها وأسرني ذلك!! ولو لم أسأل الذين تكرموا بإرسال الهدية إياها لي لما عرفت أن اسم الفنان الذي نحت البومة وهو خالد علي الوشلي كما كتبوا لي.

الوشلي «أنسنَ» البومة

أخط هذه السطور وحولي أكثر من خمسمئة بومة، بعضها من الخشب، وأجمل تمثال لبوم عندي هو من السيراميك لعناق (بومي) هدية من الشهيد غسان كنفاني.
وأجمل بوماتي الخشبية هي التي نحتها اليمني الوشلي. إنها أجمل من بومات خشبية اشتريتها وزوجي من روما وزوريخ وكولن وبرلين ونيويورك وبومة خشبية رائعة هدية من الشاعر أدونيس وزوجته السيدة خالدة (الناقدة) وأخرى بومة ضخمة (ارتفاعها نصف متر) محفورة في قطعة خشب واحدة أرسلها لي د. غازي القصيبي وكتبت يومها انه «اجتاح قلبي على صهوة بومة»!!
بومة الوشلي تتفوق على كل ما لدي من بوم خشبي بملامحها الإنسانية إذ تغمز بعينها اليسرى وذلك طليعي. أما تاريخ نحتها فهو عام 1994 حين كنت أكتب في مجلة «الحوادث» المتوقفة وحظيت بأسرة تحب أبجديتي هي ثلاثة أخوة من صنعاء لن أذكر الأسماء لأنني مرة نشرت في بريد القراء رسالة وصلتني منهم وعاتبوني على ذلك!..
أتساءل اليوم أين ذلك المبدع خالد علي الوشلي؟ أما كيف لم أنسَ اسمه بعد مرور نحو ربع قرن على استلامي للهدية فالسبب طريف: فأنا أكتب على جناح كل بومة تصلني اسم مبدعها ومن تكرم بإهدائي إياها وتاريخ وصولها للإقامة عندي بعد ان أتبناها! ولدي اكثر من 500 بومة تحيط بي الآن وأنا أكتب لكم!

احتضان المبدعين العرب والتعارف مع عطائهم

تغلي بلادنا العربية (بمبدعين) مجهولين لا يتملقون وسائل الإعلام وتطحنهم حروبنا ولا نعلم عنهم شيئاً وأعتقد أنه من الجميل والضروري الاحتفاء بهم دون أن يستجدوا ذلك، والفخر بهم والبحث عنهم لإلقاء بقعة ضوء على عطائهم.
ترى أين أنت يا خالد علي الوشلي المبدع؟

 

الخبر اليمني/أقلام

أحدث العناوين

رصد شامل لآخر تطورات حرب الإبادة الجماعية في غزّة

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، لليوم الـ 202 على التوالي، حربها التدميرية الشعواء في قطاع غزة، تزامنًا مع قصف مدفعي...

مقالات ذات صلة