كابوس استعادة الدولة

اخترنا لك

لا شيء يعقّد مسار استعادة الدولة ويؤرق مستقبلها أكثر من الصراعات المناطقية، فهذا الكابوس الذي تكسرت على صخرته الدولة في ثمانينات القرن الماضي، يقف اليوم سدا منيعا في طريق استعادتها، وقد حول عدن إلى قنبلة موقوتة، كفيلة بالقضاء على أحلام الجنوبيين ومستقبلهم، فهذه المدينة التي كانت رمزا للتعايش تكتظ اليوم بعشرات المعسكرات ذات الانتماءات الجهوية.

 ياسر حيدره-الخبر اليمني:
فالحماية الرئاسية التي تصور كقوات لهادي وترابط في أكثر من مديرية، تضم في سلم قياداتها عناصر من أبين، وتتلقى توجيهات من نجل هادي وبدوافع مناطقية، ومثلها المنطقة العسكرية الرابعة، بينما تحضر هنا معسكرات الضالع ممثلة بشرطة عدن واللواء الأول مشاة في جبل حديد، فهذه الوحدات حكرٌ على أبناء الضالع، أضف إلى ذلك الحزام الأمني الذي يعد ذراع يافع في عدن، ومثله معسكر بدر الخاص بأصحاب الصبيحة.
هذه الوحدات التي يرتدي غالبية عناصرها زياً موحداً للجيش والأمن صباحا، تتحول ليلاً إلى مجرد عصابات تلاحق خصومها بالدبابات والمدافع في شوارع المدينة المكتظة بالآمنين، وتنغص عليهم حياتهم، وقد تحولت تلك الملاحقات إلى أرق لدى المواطنين، لكن الأخطر يكمن في الانفجار الشامل وفقا لسيناريو يناير من عام 1986 عندما كان القتل والإعدام ودفن الأحياء بناء على انتمائهم المناطقي.
اليوم وفي ظل الفوضى التي تشهدها عدن، تتكشف الأقنعة، وتبرز المخاطر أكثر، فالحزام الأمني الذي يعد رديفاً لأمن عدن، وفقا للرؤية الإماراتية، أصبح يتكتل ضده، وقد تقاطرت عناصره خلال الأيام الماضية إلى معسكر لأبناء يافع في البريقة نصرة للشوحطي –قائد فصيل سابق في الحزام الأمني- الذي يخوض مواجهات بدأت مع مسلحين قبليين من الضالع قبل أن تنضم شرطة عدن لإسنادها، والهدف قطعة أرض من أصل مئات القطع التي يقاول الشوحطي وغيره من قادة الفصائل الأمنية على نهبها لصالح أرباب نفوذ داخلي وإقليمي.
لم تعد التكتلات المناطقية مقتصرة على عدن، بل امتدت إلى محافظات عدة، فردفان التي قتل أحد أبنائها في عدن، على يد مسلح من الضالع، قررت إغلاق الخط الرابط بين عدن والضالع من لحج وتنفيذ حملة اعتقالات بالهوية، وقبلها في شبوة حيث قام مسلحون من العوالق باختطاف أبناء الضالع بالهوية، ردا على قيام أمن عدن بنهب قطعة أرض لهم.
بالنسبة للضالع فإن العدو التاريخي يكمن في أبين، والتركيز الآن على تفكيك منظومته القبلية وتجريمها واستباحة دم أبنائها، تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”، فأبناء الضالع وجزء من يافع يستخدمون حاليا الحزام الأمني كغطاء للفتك بالقبائل، خصوصا في المحفد، حيث قامت تلك المليشيات مؤخرا بنسف منازل وتصفية شخصيات، وقبلها في مودية ومناطق متفرقة في المحافظة، وقد دفعت عمليات التنكيل هذه بقبائل أبين لمطالبة الإمارات بسحب مجندي الحزام الأمني القادمين من الضالع ويافع والإبقاء على أبناء المحافظة، لكن ذلك لم يَرُق لأبوظبي، التي تعزز نفوذها بهذه النعرات القاتلة.
شبوة هي الأخرى لم تسلم من الصراعات المناطقية، فالضالع ويافع اللتان تريان في هذه المحافظة مورداً هاماً بالنسبة لسلطتهم المركزية في عدن، يخوضون معارك تحت مسمى النخبة الشبوانية ضد عناصر النخبة من أبناء شبوة وقد تجلت تلك المعارك في مفرق الصعيد، عندما رفضت نخبة نصاب توجيهات قيادة النخبة في الصعيد، واشترطت توجيهات من الزبيدي لتنفيذ الأوامر، لينتهي الأمر بفرض نخبة الصعيد نفوذها بإسناد إماراتي على نخبة الضالع ويافع في نصاب.
صور الصراعات الجهوية في الجنوب لا تعد ولا تحصى، لكن الإمارات التي تخشى تأثير هذه الصراعات على وجودها تدفع حاليا لالتئامها، ولو مؤقتاً وقد قررت توحيد النخبة في شبوة، وقبل ذلك قامت بترحيل أبناء الضالع ويافع من معسكرات في شبوة وحضرموت، غير أن هذا قد لا يجد طريقا لإخماد النيران الملتهبة بين فرقاء الجنوب، وإن أظهروا عكس ذلك علنا، فالثوران لا يزال قائماً وإمكانية انفجاره محتملة، لكنه يبقى أحد معوقات استعادة الدولة.

أحدث العناوين

كلمة مرتقبة لقائد الأنصار عند الـ 4 عصرا

من المتوقع أن يطلّ قائد حركة أنصار الله عبدالملك الحوثي في كلمة عصر اليوم الخميس يتطرق من خلالها لآخر...

مقالات ذات صلة