القضية الجنوبية و حرب الخمس سنوات   ( 5 ــ 4 )              

اخترنا لك

د.حسن زيد بن عقيل:

 

الحراك الجنوبي ، هي حركة معارضة فضفاضة نشأت 2007 .لا يوجد للحراك الجنوبي حتى الآن برنامج سياسي متكامل و رؤية إستراتيجية متسقة . هو عبارة عن لفيف من الحركات من بينها الهيئة الوطنية العليا لاستقلال الجنوب ، و المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستعادة دولة الجنوب ، التجمع الديمقرطي الجنوبي و اتحاد شباب و طلاب الجنوب . كان المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب الفصيل الرئيسي للحراك الجنوبي . بالاضافة إلى شخصيات اخرى  مثل  الأمين العام  للمجلس الأعلى للحراك الجنوبي عبدالله حسن الناخبي و حسن باعوم ، الذي عاش نازحا في الشمال بعد أحداث 1986 و كان من انصار الرئيس علي ناصر محمد و هما من أبرز قيادات الحراك في الداخل . أما من قيادات الخارج كان أبرزهم علي سالم البيض .

بعد عام 2007 تحولت المطالب الحقوقية للعسكريين و الموظفين الجنوبيين الذين تم إقصاؤهم بعد حرب 1994 إلى مطالب سياسية ، على أساسها  بدأ  الحديث عن القضية الجنوبية . خاصة بعد عام 2009 يوم خرج البيض لأول مرة بخطاب أعلن فيه العمل لـ ” استعادة دولة الجنوب ” . في نفس العام 2009 أعلن القيادي الإسلامي الجنوبي البارز طارق الفضلي ، الذي حارب مع المجاهدين في أفغانستان أثناء الحرب ضد السوفيات ، و كذلك أعلن طارق الفضلي عن نهاية تحالفه مع الرئيس صالح و الانضمام إلى الحراك الجنوبي . استمرت الإحتجاجات السلمية للحراك الجنوبي بالتصاعد حتى عام 2011 مع انطلاق الثورة الشبابية ضد الرئيس صالح .

في مطلع عام 2011 عمّت معظم المدن اليمنية حركة تمرد مدنية متعاظمة ضد حكم الرئيس صالح . عُرفت بثورة الشباب ، مطالبة باستقالة الرئيس صالح و إسقاط النظام . حينذاك أعلن الحراك على لسان  أمينه  العام عبدالله حسن الناخبي إلى وقف المطالبة بالإنفصال بشكل مؤقت ، و الإنضمام إلى المظاهرات و الاحتجاجات التي تعم البلاد . لكن بعض فصائل الحراك رفضت اعلان عبدالله الناخبي و رفضت المشاركة في المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية . السبب هو إن تمثيل الجنوبيين في المجلس غير منصف ، حيث طالبوا بـ 50% من المقاعد . رُفض هذا الطلب تخوفا من تثبيت  أحقية المناصفة بين ( شمال / الجنوب ) في باقي الأمور السياسية في المستقبل  كمجلس النواب أو الوزارات و الهيئات الأخرى .

الفريق المؤيد للناخبي ساهموا بفعالية في الثورة السلمية ضد الرئيس صالح من منطق ، حسب رأي الناخبي ، أن ما جرى حينها يعطي اليمنيين إمكانية لأن تقدر التضحيات التي قدمها الشعب في شمالا و جنوبا . و حسب قوله انهم أعلنوا فك الإرتباط مع الرئيس صالح و نظامه و لم يعلن فك الإرتباط مع الشعب اليمني . بالتالي يجب ان تعطى فرصة للشعب في الشمال و الجنوب لإعادة صياغة الوحدة من جديد ، بعقد اجتماعي جديد و تعديل الدستور بحيث يكون نظام الحكم في المستقبل عبر مجلس انتقالي و ينص الدستور الجديد على أن نظام الحكم ــ اتحاد فيدرالي .

التيار الآخر الذي يترأسه علي البيض يصر على مطلب فك  الارتباط مع الشمال . كثف البيض تحركاته العربية و الدولية لحشد الدعم لمشروع استعادة دولة الجنوب السابقة ، التي كان يحكمها قبل إعلان دولة الوحدة عام 1990 . لكن أمين عام الحرك الجنوبي العميد عبدالله الناخبي حذّر البيض  من خطورة مد يده لأي قوى خارجية .

توسعت انتفاضة 11 فبراير ضد الرئيس صالح على الصعيدين الاجتماعي و الجغرافي ، لتشمل علماء الدين و الشيوخ و القبائل الرئيسية و المسؤولين الحكوميين و الأكاديميين و المحامين و المهندسين و غيرهم ومن كل المحافظات . استقال بعض البرلمانيين من المؤتمر الشعبي العام و بعضهم مسؤولين في الدولة و الحزب ، و بعضهم تركوا وظائفهم . حصل أولئك الذين طالبوا بسقوط الرئيس صالح على دعم من الحوثيين و الاتحادات القبلية الحاشدية و البيكيلية المؤثرة ، و من المؤسسات الدينية و الجماعات السلفية ، و حزب اللقاء المشترك ، و زعماء الجنوب المنفيين و من الحراك السلمي في الجنوب . في 21 فبراير 2011 أعلن الحوثيون و اللقاء المشترك دعمهم لانتفاضة الشباب . و في 19 مارس 2011 أصدر شيوخ القبائل و علماء الدين اليمنيون بيانا يدعو الرئيس صالح إلى التنحي لمنع الفتنة ( أي الحرب الأهلية ) . أضعفت هذه المسيرات و الحشود الضخمة نظام صالح ،و لم يستطع بعدها الوقوف ضد الجماهير اليمنية المتعطشة للحرية و العدالة و سيادة القانون . حاول صالح مرة اخرى أن يمارس لعبته ” الرقص على رؤوس الثعابين ” و أن يتحاور مع اللقاء المشترك ( تكتل أحزاب المعارضة ) على أمل أن يُفشل ثورة الشباب اليمني ، لكنه أخفق في ذلك . بعد ذلك تدخلت القوى الاقليمية و بدعم من المجتمع الدولي لانقاذ الرئيس صالح و فرض تسوية سياسية على جميع الأطراف ، سُمّيت بـ ” المبادرة الخليجية ” ، التي كان من ضمن نصوصها ” تشكيل حكومة مناصفة ” بقيادة المعارضة ، و منح الحصانة للرئيس اليمني علي عبدالله صالح بعد استقالته .

ضغط مجلس التعاون الخليجي على الرئيس صالح من أجل تنحيته ، و ذلك بعد أسابيع من عودته من السعودية ، أخيرا وافق صالح في 23 نوفمبر على الاستقالة مقابل الحصانة . كجزء من الصفقة وافقت المعارضة على هادي ليكون مرشحا توفيقياً لرئاسة الجمهورية في 2012 . على الرغم من  أن هادي  من  جنوب  اليمن الا أنه لم  يستطع  تهدئة  الأوضاع في الجنوب و يقنع  الحراك على  التراجع عن المطالبة بالإنفصال ، اضف إلى ذلك ان الحراك الجنوبي قاطع الإنتخابات الرئاسية . هذا يؤكد على استمرارية تأثير حرب يناير 1986 ، الرئيس هادي و مجموعته هم من الفصيل الذي نزح إلى الشمال بعد حرب يناير 1986  . بينما قيادة الحراك الجنوبي أغلبهم من الفصيل الذي استمر في الحكم مع البيض بعد يناير 1986 . التأثيرات السلبية لاحداث يناير 1986 استخدمها الرئيس صالح من اليوم الأول للوحدة ، و الدليل على ذلك هو مماطلة القيادة الشمالية بجناحيها المؤتمري و الإصلاحي في دمج القوات المسلحة ( الشمالية و الجنوبية ) بعد الوحدة . و زاد الأمر تعقيداً مقاطعة الحوثيين  الانتخابات  الرئاسية . هذا اعطى متنفس للرئيس صالح للتفكير في إسترجاع ما فقده ، بعد ان خرج من السلطة بصورة شكلية 2012 . أضف إلى ذلك الرئيس صالح عرف ان الرئيس هادي عاجز عن قيادة الدولة شمالا الحوثيون يرفضونه و جنوبا الحراك الجنوبي يرفضه .

بدأ الرئيس صالح في تشكيل تحالفات تقليدية مع بعض شيوخ القبائل في صنعاء  و عمران و حجة و صعدة و ذمار و الجوف و أيضا  مع  الطبقة الهاشمية  السياسية  ممثلة بذراعها المسلح ” جماعة الحوثي ” . بهدف إسقاط حكومة الوفاق الوطني المُشكلة من جميع أطراف العمل السياسي ، بما في ذلك حزب صالح الذي كان مسيطراً على نصف الحكومة اليمنية بموجب المبادرة الخليجية . في 21 سبتمبر 2014 أسقط أنصار الله العاصمة اليمنية صنعاء بدعم مباشر من القيادة العسكرية و شيوخ القبائل و الكثير من قيادات الدولة الذين يرفضون سلطة هادي التي فرضها مجلس التعاون الخليجي . بعدها هرب هادي إلى عدن و من ثم إلى السعودية .

تمدّد تحالف صالح / الحوثي جنوبا و شرقا حتى وصل إلى تخوم مأرب شرق اليمن و مدينة عدن جنوبا . في تلك الأثناء شعرت الدولة السعودية بأن الأطراف الرئيسية اليمنية التي كانت تتحكم فيها منذ سبعينات القرن الماضي و التي كانت تدين بالولاء المطلق للنظام السعودي أصبحت خارج المشهد السياسي اليمني . لم يعد بيدها القرار ، و أن من يدير الأمور ليس نظام صالح . إنما جماعة الحوثي و التي تدعي بانها مدعومة من إيران . أدرك السعوديون خطورة الحركة الحوثية على أمنهم القومي ، فحاولت السعودية أن تثني الحوثي عن الحكم ، و تستقطبه من خلال منحه الكثير من الامتيازات لكنه رفض . في فجر 26 مارس 2015 أطلقت السعودية العملية العسكرية ” عاصفة الحزم ” التي دكت المطارات و المواقع  العسكرية و الاستراتيجية في صنعاء ، معلنة دعم الشرعية و ردع انقلاب الحوثي ، حيث أعلنت  السعودية و معها الإمارات و بعض الدول الاخرى مناصرة الحكومة الشرعية . ” بعد أقل من شهر و بالتحديد في 21  إبريل  2015 أعلن التحالف العربي إنتهاء ” عاصفة الحزم ” في اليمن و انطلاق عملية ” إعادة الأمل ” ، إستجابة لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي . لكن لم تنجح عاصفتا الحزم و الأمل حتى الآن .

لكن نجحت الإمارات في إحتواء جزء من الحراك الجنوبي ، أو مجموعة من الإنفصاليين اليمنيين العازمون على إحياء دولة جنوب اليمن كمظلة لتنفيذ مقامرتها العسكرية و السياسية الطموحة . فوعدت الإمارات بتسليح هذا الفصيل من الحراك . رغم معرفتها ان صانعي السياسة الغربيين و الأمريكان قد ناقشوا عدة مرات مسألة تقسيم الشرق الأوسط ، إلى كيانات طائفية و عرقية ، لكن قلة قليلة ناقشت موضوع تقسيم اليمن . البلد الذي كان عملياً مقسما لأكثر من نصف قرن ، يمن شمالي و يمن جنوبي . رغم هذا فشلت محاولة اعادة التقسيم في 1994 رغم الدعم الخليجي ، الا ان المجتمع الدولي رفض الإعتراف بدولة علي سالم البيض في عدن . لذا نبدأ برحلة في هذا الملف ، هل سيتقسم اليمن ؟ و كيف !

كاتب و محلل سياسي يمني

 

إقرأ أيضا:القضية الجنوبية و حرب الخمس سنوات    ( 5 ــ 3 )

أحدث العناوين

إحصائية مخيفة بعدد المساجد التي دمّرها الاحتلال في غزّة

دمّرت طائرات الإحتلال الإسرائيلي مسجد التقوى في مخيم البريج وسط قطاع غزة، ما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص. متابعات-الخبر...

مقالات ذات صلة