تداعيات الحرب في أوكرانيا تحرم اليمنيين من فوائد الهدنة

ارتفاع أسعار النفط الخام والغذاء يضاعف الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم

اخترنا لك

كان يفترض بالهدنة التي تم إعلانها في اليمن برعاية الأمم المتحدة مطلع أبريل الماضي أن تشكل انفراجة نسبية في أزمة الوقود التي يعاني منها البلد منذ سنوات بسبب الحصار الذي يفرضه التحالف السعودي وبرعاية أمريكية على الواردات، لكن توقيت الهدنة كان متأخرا، لأن تداعيات الحرب في أوكرانيا على سوق النفط الخام كانت قد قطعت مسبقا الطريق أمام اليمنيين للاستفادة الحقيقية من عودة تدفق الوقود (جزئيا) عبر ميناء الحديدة، كما أن ارتفاع أسعار الغذاء عالميا مثل عبئا إضافيا ثقيلا جعل الهدنة المعلنة غير كافية لتخفيف المعاناة.

خاص-الخبر اليمني:
وصلت قفزة أسعار النفط الخام بسبب الحرب في أوكرانيا إلى أكثر من 130 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ 14 عاما، وبحسب تقديرات لصندوق النقد الدولي، فإنه حتى لو استقرت الأسعار عند أقل من 110 دولارات سيبقى الفارق قرابة 40 دولارا بالنسبة لأسعار العام الماضي.
هذه القفزة فجرت أزمة وقود عالمية اجتاحت دولا كبرى لا تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العصر كاليمن، ولذا كان التأثير مضاعفا على الشعب اليمني الذي لم يستطع الاستفادة من الانخفاض التاريخي لأسعار النفط أثناء أزمة كورونا، بسبب الحصار، ولم تكن أمامه فرصة أفضل للاستفادة من السماح بدخول 18 سفينة وقود إلى ميناء الحديدة، بعد فترة انقطاع كامل.
ربما أنهت الهدنة الطوابير الطويلة التي امتدت لكيلومترات أمام محطات التزود بالمشتقات النفطية في صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى، لكنها بالتأكيد لم تنه الأزمة، فارتفاع أسعار النفط والشحن البحري على مستوى العالم، حافظ على صعوبة الحصول على الوقود من الناحية المتعلقة بالتكاليف في بلد يعاني فيه 19 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي بحسب أحدث بيانات برنامج الأغذية العالمي.
مطلع هذا الشهر حذر تقرير صادر عن منظمة الفاو وبرنامج الغذاء من “أن الحرب في أوكرانيا قد زادت من تفاقم الارتفاع المطرد بالفعل في أسعار الطاقة والمواد الغذائية في جميع أنحاء العالم، مما يؤثر بالفعل على الاستقرار الاقتصادي في جميع المناطق”، وعندما يتم تطبيق هذا التحذير على اليمن فإن درجة الخطر تتضاعف بسبب الأوضاع غير الطبيعية.
مع ذلك، فإن هذه الأوضاع الاستثنائية تختلف بين مناطق سيطرة سلطة المجلس السياسي الأعلى، وتلك الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي، ففرص تخفيف الأزمة في صنعاء والمحافظات المرتبطة بحكومتها ضئيلة لأن المصدر الوحيد لتدفق الوقود هو ميناء الحديدة الذي يخضع لقيود لم تنهها الهدنة، فالسفن (بما في ذلك تلك المتفق على وصولها إلى الميناء) تتعرض لاحتجاز من قبل قوات التحالف، ويترتب على ذلك غرامات مالية كبيرة تسهم في أسعار المشتقات النفطية المرتفعة أصلا على مستوى عالمي، كما أن آلية التدفق محكومة بالإفراج عن السفن، ما يعني أن التحالف يتحكم بشكل كبير بالتكلفة والتوفير.

وبرغم هذا، لا زالت الأسعار في هذه المناطق تقع في النطاق المعقول بالمقارنة مع أسعار الوقود في العديد من دول العالم في ظل الأزمة المستمرة، وأيضا بالمقارنة مع الأسعار في المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف، ففي عدن والمحافظات المرتبطة بسلطتها تباع المشتقات النفطية بأسعار تفوق تكلفة الشراء بكثير، مع أنه لا توجد قيود على الاستيراد كما هو الحال في ميناء الحديدة.
تشهد عدن منذ أيام احتجاجات غاضبة بسبب تدهور الخدمات بما في ذلك ارتفاع أسعار الوقود، وانقطاع التيار الكهربائي مع دخول موسم الصيف الذي يضاعف الحاجة إلى الكهرباء، وهو ما يفترض أن تقوم السلطات هناك بتوفيره بسهولة لأنها تسيطر على كامل الثروة النفطية والغازية في البلد، كما تسيطر على موانئ مفتوحة وتحظى بمساعدات إقليمية ودولية مستمرة.
وبحسب المعلومات فإن الجزء الأكبر من المشتقات النفطية التي تصل إلى عدن والمناطق الجنوبية لا يتم بيعه في المحطات الرسمية بالسعر الرسمي الذي يعد مرتفعا اكثر من نسبة الارتفاع العالمي بل يتم توزيعها على محطات ما يسمى “السعر التجاري” الذين يقومون باحتكار الكميات وبسعر أعلى من السعر الرسمي المرتفع أصلا، وقد شهدت هذه المناطق خلال الفترة الماضية طوابير طويلة أمام محطات التزود بالوقود، تشبه تلك الطوابير التي شوهدت في صنعاء خلال الفترة التي كان التحالف يمنع فيها وصول السفن إلى ميناء الحديدة، وهي مقارنة تفصح عن وجود مشكلة أكبر من التداعيات العالمية وظروف الحرب، لأنه لا توجد أية قيود على تدفق الوقود إلى عدن والمناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف.

الصورة
احتجاجات غاضبة في عدن تنديدا بفرض الحكومة الموالية للتحالف جرعة جديدة على أسعار البنزين 19-يونيو 2022م

بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الموالية للتحالف لازالت تفضل تصدير النفط الخام بالكامل إلى الخارج (والجميع يتساءل عن مصير العائدات)، على أن تقوم بتكريره في المصافي المحلية للمساعدة في تخفيف أزمة المشتقات النفطية وتخفيض أسعارها، وهو ما أوصل الوضع إلى درجة كبيرة من السوء بحيث تكون المحافظات الأغنى بالثروة النفطية من أشد المحافظات تضررا بأزمة الوقود!

الصورة
تصطف السيارات في طوابير طويلة في عدن للحصول على المشتقات النفطية رغم عدم وجود قيود على الاستيراد إلى المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف

كل هذه الظروف على اختلافها بين صنعاء وعدن، تجعل تأثر اليمن بأزمة ارتفاع أسعار الوقود والغذاء أكبر من تأثر أي بلد آخر، ولعل الفرصة الأفضل لتخفيف حدة هذا التأثير قليلا تكمن في رفع الحصار وتمكين البلد من استغلال مقدراته بالشكل الأنسب بدلا عن إهدارها.
يؤكد ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي: “أن الظروف الآن أسوأ بكثير مما كانت عليه خلال فترة الربيع العربي في 2011 وأزمة أسعار الغذاء خلال عامي 2007-2008، عندما هزت الاضطرابات السياسية وأعمال الشغب والاحتجاجات 48 بلدًا”.
هذا التحذير يفسر بوضوح عجز الهدنة في اليمن عن مواجهة التأثيرات العالمية للحرب الروسية الأوكرانية (خصوصا وأن سقف الهدنة منخفض جدا بالنسبة لاحتياجات اليمنيين)، كما يجعل من الضروري البحث عن حلول أوسع تستطيع تجاوز الظروف الاستثنائية للبلد الذي يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

أحدث العناوين

شواهد على حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني

على مدى الستة أشهر الماضية من الحرب على قطاع غزة، تحولت المستشفيات والمدارس والطرقات إلى مقابر جماعية دفن فيها...

مقالات ذات صلة