| *خـالد شحـام
“أيها الواقِفونَ على حافةِ المذبحهْ، أَشهِروا الأَسلحهْ، سَقطَ الموتُ وانفرطَ القلبُ كالمسبحَهْ ، والدمُ انسابَ فوقَ الوِشاحْ ، المنَازلُ أضرحَةٌ والزنازن أضرحَةٌ ، والمدَى أضرِحهْ، عِندما تهبطينَ على سَاحةِ القَومِ، لا تَبْدئي بالسَّلامْ، فهمُ الآن يقتَسِمون صغارَك فوقَ صِحَافِ الطعام بعد أن أشعَلوا النارَ في العشِّ والقشِّ والسُّنبلهْ ، وغداً يذبحونكِ بحثاً عن الكَنزِ في الحوصله! وغداً تَغْتَدي مُدُنُ الألفِ عامْ مدناً.. للخِيام، مدناً ترتقي دَرَجَ المقصلهْ” -أمل دنقل.
أهلا بكم في قرن الخطيئة وزمان الجريمة وارتقاء الرويبضة، أهلا بكم في الزمن العربي الأردى حيث المجازر في غزة ولبنان على الهواء تفضي إلى احتفالات ضخمة يؤتى فيها بالمقاسات الكبرى من الطرب واللهب والكنب، مرحبا بكم في فيلم القتل المتواصل للأطفال الرضع جوعا أو قصفا أو حرقا حيث تتفرج جيوش العرب، ابتسموا لتمزيق أجساد النساء العربيات وسماع صراخهن الهستيري بفقدان رجالهن وأبنائهن حيث استدعى هذا مهرجان قمة اسلامية – عربية لا تعرف ما هو الإسلام ولا ما هي العروبة، وشرب المغتربون الروم على جراحك، افرحوا قليلا بصيحات الاستغاثة من مشافي غزة ومن شيوخها ونسائها ومناظر اطفالها اليتامى والمقطعين والجائعين، والتي لباها مسرح الغنــاء لسيلون ديون وعمرو دياب في عصرالمرتدين عن الإنسانية بلا منازع ، طبلوا قليلا مع رقصٍ على الاعتداء على قلب بيروت وقتل الأبرياء عيانا جهارا في بث على كل الشاشات العربية والعالمية، زغردوا بزمان سقوط الانسانية والرجولة عندما تحول قتل لبنان إلى حدثٍ عادي وقصف بيروت وجبة إفطار تقليدية ، كلنا أصنام يا غزة، وعاد اللات والعزة وهبل الأسطوري ليكون قائد هذا الزمان المعيب، وصرنا جميعا اصنام مكسرة.
لأكثر من سنة عصيبة من عدوان الإبادة والتقتيل، تتساقط التوقعات بإنتهاء هذه الموجة والتي نكتشف كل يوم أنها تتوسع باستمرار واطراد، بمعية هدير الالات القاتلة استمرت وحدة الساحات الغربية الداعمة في تغطية الجريمة للكيان الصهيوني بشتى أنواع ابر التخدير والاحتيال السياسي على الرأي العالمي، كل سبل مقاومة الجريمة تم تحييدها وتفريغها من مضمونها، معظم الحراكات والهبات الشعبية العالمية التي اندلعت عبر عواصم اوروبا تم امتصاصها واعتقال قياداتها ، المطالبات الأمريكية بعقد الهدن والتفاوض تبين أنها مرواغات ثعلبية هدفها منح المجرمين أكبر قدر من الوقت لاستمرار العدوان على غزة والذي توسع نحو لبنان وايران والعراق وسوريا .
طيلة ثلاثة عشر شهرا من الكذب الأمريكي والاحتيال الدبلوماسي على وعي العالم ، كان السيد بلينكن في تبادل للأدوار مع كيربي وبايدن وسوليفان يوهمون العالم بان الإدارة الأمريكية حريصة على ايقاف العدوان وعقد هدنة طويلة المدى وتبين أن كل ذلك ليس إلا جزءا من استراتيجيات شن العدوان، نفس هذا السيناريو يتكرر على ساحة لبنان حيث عداد الشهداء يتصاعد ومساحة التدمير تتسع مع تقديم جزرة مربوطة بعصا أمام الوعي العالمي وهذه الجزرة هي وعود تقليص مساحة الصراع وانتهاء الحملة الإجرامية على لبنان واكتفاء الجيش المعتدي بنقاط اتفاقية تضمن امنه وسلامه وإعادة مستوطنيه إلى الشمال.
في ظل هذه الصورة القاتمة للوضع ما هي الرؤية والغايات التي تحملها العقلية الأمريكية -الصهيونية في المنطقة؟
1- لم يكن كل هذا العدوان الواسع ضد غزة أو لبنان أو ما بعدهما بسبب الرغبة في تصفية حماس أو حزب الله أو تحرير أسرى أو اعادة المستوطنين إلى مستعمراتهم ، بات واضحا أن هنالك خطة محضرة ومجهزة سلفا وكانت بحاجة إلى الانفلات مغطاة بالذرائع السابقة، الإدارة الأمريكية ماضية في مخطط استعماري جديد بداياته الأولية هي غزة ولبنان ولكنه سوف يستمر في تغطيته ونشاطه للوصول إلى مكتسبات جيوسياسية جديدة ستبتلع وتغير حدود الخرائط القديمة المتعارفة ، واضح ايضا أن الأنظمة العربية مطلعة ومشاركة في ترسيم هذه الحدود وسبل ادارتها والتعاطي مع الواقع القادم في جدولة مبيتة ومرسومة سلفا ستكون اولى خطواتها الاستيلاء على كامل الضفة الغربية واعادة احتلال قطاع غزة بالكامل والاغراء بايقاف عمليات القتل تحت ظل هذا المكتسب الأول المرحلي.
2-إن الخطط التي يحملها الكيان الصهيوني حيال لبنان لن تتوقف ولن تتقلص كما يروج له ، الأهداف المرسومة في عقلية المجرم نتانياهو الذي يقود الحملة الجديدة تحمل توكيلات شمولية لتنفيذ هذه المهمة ، كل هذه المقومات لا يمكن أن تسمح لصاحبها بالإقرار بأي نوع من الاتفاقيات أو المفاوضات أو الشروط، بل هو من يملي الشروط ويضع معالم ونوعية الرضوخ في الطرف الآخر والمفصل بطريق إذلالية وإهانية تتفوق على الخسارة العسكرية ، وكل ما يحمله المبعوث الصهيوني عاموس إلى لبنان والحديث عن اتفاقيات هي مجرد حقن تخدير، حتى لو حدثت أية اتفاقيات هدنة فهي مؤقتة ومرحلية وواضح أن إزالة حزب الله هي قرار لا رجعة فيه تمهيدا لما بعد ذلك .
3-إن التشكيلة الحكومية لعصابة المنحرفين التي يعمل الرئيس ترامب المنتخب بالسقوط على تكوينها تؤكد بما لا يخفى على عين بأن نوايا التشدد هي عنوان المرحلة القادمة و التصعيد قادم وليس الإنهاء ، الأحاديث الواهمة عن ايقاف العداون هي أكاذيب أخرى لا تتفق مع عقلية الفريق المتشدد الذي يشحذ أسنانه في أيام الانتظار، مفاجأت هذا الفريق ليست مخصصة فقط لمنطقتنا بل للعالم بأكمله .
4- إن توسيع العدوان نحو سوريا والعراق هو مسألة وقت فقط ، وبالتأكيد أن ايران تتربع في مركز الاستهداف في القسط الأخير من العدوان ، وفي حال أخفق الموكول الاسرائيلي فسوف يسلتزم الأمر تدخل القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية المقيمة في المنطقة .
في ظل هذه الحبكة الاستعمارية المعقدة التي تكشف عن أنيابها وغياب الأقطاب العالمية القوية عن واجهة المشهد، يجب التمسك بالحقائق الميدانية الصحيحة التي تقرأ المستقبل القادم لهذا الصراع، وهذه بعض نقاطها:-
- إن مجريات الأحداث في المنطقة والعالم بقيادة الولايات المتحدة تؤكد للمرة المليون بأن هذه الامبراطورية ذاهبة الى هلاكها، إنها حرب الدولار التي يخوضها باستماتة لحماية عروشه ونفوذه وصيانة بقائه قبل قدوم الانهيار الأكبر، يمثل الدولار رمز الصهيونية العالمية في زماننا هذا وهو الذي يشن الحروب على كل هذا العالم ، وبهذا المنطق فمسألة التخلص من حماس وحزب الله هي ذرائع مركوبة ، والحروب كانت ستشن حتى دون وجودهما .
- إن مجموعة المكتسبات العسكرية التي حققها جيش المخربين والسياسة الأمريكية الداعمة له والمتمثلة في تدمير قطاع غزة وتقليص قوات وانتشار المقاومة وقتل خمسين ألفا من المدنيين واغتيال قيادات كبيرة في حلف المقاومة ، لا تمثل في مقاييس البقاء أية انتصارات أو مكاسب نظرا لحجم الخسائر الوجودية والمالية والاجتماعية التي مُني بها العدو الصهيوني، المؤشرات الحقيقية هي المؤشرات الجيوسياسية الدائمة ، بمعنى أنه اذا تمكن العدو من تحقيق الاحتلال الدائم لأراض عربية جديدة فهذا هو معلم الهزيمة الأول، والمؤشر الثاني هو استسلام الشعوب المقيمة فوق هذه الأراضي، لكن من الواضح أن هذا الحلف عاجز عن تحقيق أي من هذه الأهداف مهما تم دعمه وتزويد أعداد جنده ، حتى لو تمكن العدو مرحليا من احتلال أجزاء من غزة وابتلاع الضفة وشريط الليطاني وأجزاء جديدة من سوريا ومصر فلن يتمكن من السيطرة عليها وسيضطر للتخلي عنها مهما حاول ، لقد سجل الكيان الصهيوني بقيادته ومجتمعه المجرم حجزا مؤكدا لمقعده من الدمار والزوال على يد الأجيال العربية والعالمية التي عايشت الجريمة في غزة ولبنان ، ووضعت الولايات المتحدة مكانتها بين يدي أجيال مصدومة مما تفعله دولتها وسياسيوها المنحازين بالمطلق للجماعات السرية اليهودية.
- لقد انكشفت الجماعات اليهودية السرية على الملأ وتأكد العالم بأكمله بأنه يخضع منذ سنوات طويلة لنفوذ هذه الجماعات وشبكاتها المتمددة عبر النظم السياسية والاقتصادية والاعلامية والجامعية والصناعية التي تحكم عالم اليوم ، إن هذه الجماعات لم تعد بأمان أو ضامنة للمستقبل مهما امتلكت وفعلت لأن مستواها الأخلاقي والديني تكشف عن فظاعة وخطورة وجودها، صراع هذه الجماعات داخل المركز في الولايات المتحدة بدأ يظهر إلى العلن مع فوز ترامب وسوف نشهد فصولا حامية من هذا الصراع.
- لقد أسقط حزب الله وبجدارة أسطورة القبة الحديدية وفقاعة المناعة والحصانة الاسرائيلية وأصبحت كل مدن العدو ساحات مفتوحة أمام ضربات الحزب، وأسقطت المقاومة الفلسطينية هيبة جيش المخربين وتسببت له بأكبر حجم من الخسائر البشرية عبر التاريخ، وتمكن اليمن البطل من تحطيم اسطورة المناعة الاقتصادية عبر حصار البحر الأحمر، وحطمت شعوب العرب خرافة التعايش والتقبل ، وبالأمس حدث الاختراق الصغير لجدار المناعة العالمية بمطالبة المحكمة الجنائية برأسي المجرمين نتانياهو وجالانت ، هذه هي بداية الغيث وأول الغيث قطرة.
- إن المعجرة التي تحدث في بيت لاهيا وجباليا وكل مدن غزة تسجل كل يوم تأكيدا أكبر بان زوال هذا الكيان هو حقيقة ثابتة، هؤلاء الأبطال الذين يقاتلون داخل غزة وفي لبنان افتتحوا بداية النهاية العاجلة لدولة الإجرام والقتل وكل حلفائهم ومعاونيهم ، النصر المؤزر للمقاومة هو ما ننتظره، والهزيمة الكاملة لحلف الشيطان هي ما ينتظره.
*كاتب عربي فلسطيني