هل تخلت إيران عن “الحوثيين”؟

اخترنا لك

| مازيار شكوري*

لعب الإعلام في عالم السياسة والحرب والسلطة دوراً بالغ الأهمية. فربما تكون أهمية الإعلام والدعاية بمستوى قضية التجسس، بل وربما تفوقها في عصرنا الحالي. لقد أدركت الدول الاستعمارية الغربية أهمية الإعلام واللعب الدعائي من تلقاء نفسها، ومن هذا المنطلق تمكنت من التأثير على عقول الشعوب وإثارة الفتن في صفوفهم بما يخدم مصالحها الاستعمارية. ومؤخراً بدأ الأمريكيون وجيشهم بالوكالة في المنطقة، أي الكيان الصهيوني، لعبة إعلامية جديدة من خلال نشر أخبار كاذبة. وقد بدأت هذه اللعبة الإعلامية منذ فترة بنشر صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تحريفاً لتصريحات موسى أبو مرزوق. وقد كتبت في ذلك الوقت مقالاً حول هذا الموضوع، لكنه للأسف لم يُنشر لأسباب لا أراها مبررة. ولكن نظراً لتوالي الأكاذيب الإعلامية الجديدة من قبل الأمريكيين والغربيين، والتي سنشير إلى بعض منها، سنرفق ذلك المقال أيضاً مع هذا النص، لعلّه يكون ذا فائدة في إحباط المؤامرات الإعلامية والدعائية الأخيرة.

1- في الآونة الأخيرة، نُشرت في بعض وسائل الإعلام مقاطع فيديو وتظاهرات صغيرة ومحدودة، يظهر فيها عدد قليل من الأشخاص في غزة وهم يهتفون ضد حركة حماس ويطالبون باستسلامها وإنهاء الحرب. كما تم نشر مقاطع أخرى يظهر فيها بعض الأشخاص وهم يجرون مقابلات أمام الكاميرات ويتحدثون ضد حركة حماس ويطالبون باستسلامها. بعض هذه المقاطع، وكما يتضح من البيئة المحيطة بها، لم تُصوَّر في غزة، وإنما يُحتمل أنها صُوّرت في سوريا أو بعض الدول الأخرى، لكنها نُشرت تحت اسم غزة وشعب غزة لأغراض دعائية تهدف إلى الضغط على المقاومة وحركة حماس.

بعض هذه التحركات ضد الحركة والمقاومة وحماس تمت بأموال قدمها الإسرائيليون عبر سلطة محمود عباس، ومن خلال عناصر ماجد فرج الذين تسللوا سراً إلى غزة، وتم دفعها لبعض الأشخاص لتنظيم هذه التظاهرات المحدودة بعدد قليل من المشاركين ضد حركة حماس. بعد هذه المؤامرة الإعلامية، استغل نتنياهو الأمر دعائيًا وقال في الكنيست الإسرائيلي:

“في الأيام الأخيرة شهدنا تظاهرات واسعة وعلنية في قطاع غزة ضد حكم حماس، لم نشهد مثل هذه التظاهرات من قبل. التظاهرات ضد حماس تُظهر أن سياستنا صحيحة”.

تصريحات نتنياهو في هذا السياق تُظهر أن إسرائيل ونتنياهو كانوا بحاجة إلى هذه الدعاية، لأن نتنياهو في المرحلة الأولى كان عليه أن يقنع المجتمع الصهيوني بأن هجماته وضغوطه على غزة قد أثمرت، وفي المرحلة الثانية عليه أن يروّج عبر الإعلام للرأي العام العالمي بأن حركة حماس منفصلة عن شعب غزة، وأن أهل غزة يريدون استسلام حماس وقبول السلام، بينما حماس هي العائق أمام السلام.

2- صحيفة ديلي تلغراف عنونت:

“إيران تتخلى عن الحوثيين تحت القصف الأميركي المكثف”

وكتبت هذه الصحيفة الأميركية أيضاً:

“إيران أمرت أفرادها العسكريين بمغادرة اليمن والتخلي عن حلفائها الحوثيين، لأن الولايات المتحدة كثّفت هجماتها الجوية ضد الجماعة المتمردة”.

وهذا كذب آخر نشره الأميركيون، ولكن لماذا؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، يجب أن أوضح أن عدد الإيرانيين في اليمن لا يتجاوز الخمسين شخصاً، ولا يوجد أساساً حضور إيراني عسكري أو قتالي في اليمن، لأن اليمنيين لا يحتاجون إلى قوات إيرانية عسكرية هناك. فاليمنيون خاضوا سنوات من الحرب، وهم يتمتعون بخبرة كبيرة في القتال، كما أنهم على دراية تامة بالجغرافيا المحلية. ولهذا، لا يحتاج اليمنيون لأي وجود عسكري إيراني.

وجغرافيا اليمن كذلك، تُعد بمثابة حصن منيع، حيث إن كل من غزا اليمن سابقاً قد فشل. وهذه الجغرافيا تعتبر خط الدفاع الأول والصلب لليمنيين، مما يجعل حضور العسكريين الإيرانيين أمراً غير ضروري.

أما الجواب على السؤال:

فالولايات المتحدة وإسرائيل تواجهان عدداً من المشاكل الكبيرة. من أبرز هذه المشاكل أن الأميركيين كانوا يعتقدون أن تكثيف الهجمات على اليمن سيؤدي إلى وقف هجمات اليمنيين على إسرائيل والسيطرة على البحر الأحمر. ولكن اليمنيين، من خلال هجماتهم الصاروخية المتكررة على إسرائيل، واعتداءاتهم المتواصلة على السفن الحربية وحاملات الطائرات الأميركية، كسروا هيبة أميركا وترامب أمام العالم، وأثبتوا أن أميركا وترامب لم يتمكنا من هزيمة اليمن، وأن هجماتهم لم تُثمر شيئاً.

ومن هذا المنطلق، تنشر ديلي تلغراف هذا العنوان الكاذب لتُوحي بطريقة غير مباشرة وبتلاعب دقيق بأن الهجمات الأميركية على اليمن كانت فعّالة لدرجة أنها دفعت الإيرانيين إلى سحب قواتهم. في حين أن الحقيقة هي أن إيران لم يكن لديها حتى كتيبة عسكرية واحدة في اليمن.

مسألة أخرى هي أن الأميركيين يمتلكون تحليلاً دقيقاً لنفوذ إيران في محور المقاومة وبين شعوب المنطقة. ومن المؤكد أن الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأميركية، إلى جانب سفارات الدول المتحالفة مع أميركا وإسرائيل في مختلف بلدان المنطقة، قد قدمت تقارير بهذا الشأن للأميركيين.

والآن، يسعى الأميركيون من خلال نشر مثل هذه الأخبار الكاذبة – بأن إيران قد تخلّت عن اليمنيين وتركَت الحوثيين وحدهم – إلى زرع الشك والريبة في نفوس شعوب المنطقة التي تدعم المقاومة وتقف إلى جانب إيران.

كما يهدفون من ذلك إلى غرس بذور اليأس داخل أوساط فصائل المقاومة كحماس والجهاد الإسلامي، وسائر الفصائل العراقية، من أجل خلق حالة من التراجع والوهن داخل صفوف المقاومة، وجني ثمار ذلك على شكل تفكك داخلي وضعف في المعنويات.

المسألة الثالثة التي يمكن أن تكون سبباً في هذا الكذب الذي نشرته صحيفة ديلي تلغراف، هي أن أحد الشروط الأساسية التي وضعها الأميركيون للتفاوض مع إيران كان نزع سلاح فصائل المقاومة مثل اليمنيين، وحماس، وحزب الله، وبقية قوى المقاومة، وقد أعلنوا أن على إيران أن تتوقف عن دعم هذه الفصائل، وأنه في حال لم تلبِّ إيران هذه الشروط – ومن ضمنها ما ذُكر هنا – فإنهم سيهاجمون إيران.

إيران رفضت جميع شروط ترامب ومطالبه، مثل نزع سلاحها الصاروخي، ونزع سلاح فصائل المقاومة، والتوقف عن دعم هذه الفصائل، وأكدت أنها ستواصل دعم قوى المقاومة في المنطقة. وبناءً على تهديد ترامب، كان يفترض أن يشنّ حرباً على إيران. لكن يبدو أن البنتاغون وكثيراً من الخبراء العسكريين داخل الولايات المتحدة قد نبّهوا ترامب إلى تبعات الهجوم على إيران، والرد الإيراني المرعب على القواعد الأميركية في المنطقة، إضافةً إلى الضربات المحتملة على خطوط أنابيب النفط والغاز، وهو ما دفعهم إلى معارضة الهجوم على إيران.

و يبدو أن صحيفة ديلي تلغراف نشرت هذه الأكاذيب بطلب من فريق ترامب، لتكون بمثابة غطاء إعلامي يحفظ ماء وجه الأميركيين، بحيث لو لم يهاجموا إيران خوفاً من العواقب، يمكنهم الادعاء بأن إيران خضعت لتهديدات ترامب، وتوقفت عن دعم الحوثيين وفصائل المقاومة، وهو ما جعل ترامب يقرر عدم الهجوم.

 

* كاتب ومحلل إيراني

أحدث العناوين

تقديرات إسرائيلية: واشنطن تفشل في كبح اليمن.. وإسرائيل تفقد الثقة في الردع الأميركي

قالت صحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية إن الجبهة اليمنية  باتت – كما تصفها صحيفة جيروزاليم بوست – الجبهة الأكثر اشتعالًا...

مقالات ذات صلة