حرب اليمن : لا حلول سياسية تَلوحُ في الأفق

اخترنا لك

لا يبدو هناك أمل في وقف القتال في اليمن ، و لا أرى أن المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة أو الدول الأخرى ستفضي إلى وقف شامل لاطلاق النار . من وجهة نظري أن التحالف أخطأ عندما صادر صلاحيات السيادة من حكومة ” هادي ” ، و كرر بعدها الخطأ بأن صادر صلاحيات السيادة من يد المجلس الإنتقالي . اصبح ” هادي و الإنتقالي ” رسميا مثل بندول الساعة Pendulum . هذا من جانب ، ثانيا فرضَ التحالف بالقوة على الكتل السياسية اليمنية أن تكون المرجعيات الثلاث التي ” انتهت صلاحيتها Expire ” كأساس لأي اتفاق . للاسف التحالف يعرف أن الوضع قد تغير جذريا ، هذا ما كشفت عنه المواجهات التي شهدها عدد من محافظات جنوب اليمن عام 2019 ، التي تؤكد حصول التحول في خارطة و موازين القوة .

في الشمال اليمني توجد بها سلطة أمر الواقع ” أنصار الله ” ، وهي عصية على التحالف و تعترف بها الأمم المتحدة ضمنيا . أما جنود التحالف نشاهدهم يفرون مهانين من كل الجبهات . الحرب بالنسبة لأنصار الله الآن قائمة على تصفية جيوب صغيرة لهم يسيطر عليها التحالف و المسألة هي مسألة وقت حتى تتحرر .

أما في الجنوب لا توجد سلطة شرعية  لأي مكون سياسي من مكونات الحراك السياسي الجنوبي . صحيح هادي تم اختياره كرئيس مؤقت في إطار إجماع وطني و إقليمي في عام 2012 . لكن التحالف أصر على بقاء هادي رئيسا حتى بعد انتهاء ولايته . مستمد شرعيته في البقاء رئيسا من إطار عمل متفق عليه بين ” الأمم المتحدة  ” و دول  ” مجلس التعاون الخليجي ” . ليس من خلال إجماع وطني أو بدعم من المناصرين له أو من خلال سيطرة الجيش الموحد الموالي له . هو مفروض على اليمن من الرياض . أما المجلس الإنتقالي فقد اسسته الإمارات كهيئة سياسية و إدارية منافسة لشرعية هادي كما اسست لها ميليشيات أمنية لحماية مصالح الامارات . ليس للانتقالي أي علاقة بالعمل الوطني ، بسهولة ممكن التأكد من ذلك من خلال رصد خطابات قيادة الإنتقالي ، التي تدعم مصالح ابوظبي لا اليمن . نصبت ابوظبي على هذه الهيئة السياسية رئيسا ، هو السيد عيدروس الزبيدي ، المستمد شرعيته السياسية و الدولية و الأمنية من أبوظبي و من محمد بن زايد بالذات . يصر المجلس الإنتقالي على التفرد في تمثيل الجنوب ، معلنا أن الحراك و الشعب الجنوبي قد كلف زعماء المجلس بتشكيل قيادة سياسية لتمثيل الجنوب و إدارته و هذا غير صحيح . المجلس الإنتقالي ينفي شرعية كل الأطراف السياسية في الحراك الجنوبي .

بشكل عام الحرب في  جنوب اليمن  قائمة على السلطة  ، بين المكونين ” شرعية هادي ”  و ” المجلس الإنتقالي ” الذين يمثلان أنفسهم و مصالح القوى الاقليمية . الشرعية تمثل مصالح السعودية ، التي تصر إلى الآن على عدم تجاوز هادي خلال أي ترتيبات للحل السياسي و ذلك للحفاظ على مصالحها . كذلك المجلس الإنتقالي يمثل مصالح الإمارات ، التي من خلال الترويج الإماراتي و الإصرار على ضرورة التعاون مع المجلس الإنتقالي . بحجة الإستماع لقضية الجنوب و ذلك كغطاء للحفاظ على مصالح الإمارات في أي ترتيبات للحل السياسي . و للأسف المكونين ” الشرعية و الإنتقالي ” انغمسوا  في سجاليات غير مقنعة لتبرير الأعمال و الخطوات العدائية للتحالف على اليمن ، معلنين ان هدف العدوان محاربة إيران و الشيعة و الإخونجية . هذا خطاب لا ينسجم مع المعطيات الفعلية على الأرض ، هي تكشف فقط عن رداءة خطابهم و حججهم . لهذا تميزت الحالة الراهنة في المحافظات الجنوبية و بالذات في المحافظات الغربية ” عدن ، لحج ، الضالع ، أبين ” بالأزمات السياسية الداخلية المستمرة . أضف إلى ازدياد الفقر و ارتفاع نسبة البطالة و الفساد السياسي و المالي و التبعية المطلقة للرياض و ابوظبي . فضلا عن انتشار الفكر الاصولي الديني المبتذل البعيد عن الاسلام الحقيقي . بالتالي هذا أدى إلى موجات الارهاب ، القتل و الدمار و تعميم الاضطرابات و الفوضى و النزاعات المسلحة بين ابناء المنطقة ، مما جعل العملية السلمية و التوافق بين مكونات الحراك الجنوبي بعيد عن التحقيق .

ما زال الغموض يكتنف التوجه السياسي للشرعية و الإنتقالي و لا نرى فيهما غير التبعية المطلقة و العمياء للرياض و ابوظبي . إلى الآن لا يمكن التكهن بمعرفة ماذا تريد الشرعية و الإنتقالي ، هنا أوجه نصيحة لهما فقط للحيطة و الحذر من بن زايد و بن سلمان ، فقد قادوا رئيس الإنتقالي السوداني عبدالفتاح  البرهان إلى العاصمة الأوغندية و الالتقاء برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 3 فبراير2020 ، لـ ” تطبيع العلاقات ” بين البلدين . اليمن لن تقبل هذا يا شرعية و يا مجلس إنتقالي . تذكروا ماذا فعله أبناء عدن عام 1948 ، و ما عمله جيش و شرطة الاتحاد الفدرالي من تمرد  1967 على المستعمر بعد هزيمة الأيام الستة . اضف إلى ذلك لا نعلم ما هي مواقفهم من تواجد القوات الأجنبية على أرضنا و جزرنا ، و ما موقفهم من ميناء عدن المنافس لدبي و ما هي برامجهم لاستثمار النفط و الموارد الطبيعية و موضوع رسم الحدود مع السعودية ، و بشكل عام الى اين تتجه التحولات في المحافظات الجنوبية ؟ و كيف تتأثر و تؤثر على البيئة الجيوسياسية .

من خلال الممارسات العملية و الوثائق لمجلس التعاون الخليجي ، نرى ان حكومات هذا المجلس قد ادمنت على حقد و كره اليمن ، بالذات النظام السعودي و الإماراتي ، قد اشار الدكتور رفعت سيد أحمد ، رئيس مركز يافا للدراسات و الأبحاث بالقاهرة ” أن المتأمل لتاريخ العلاقات اليمنية – السعودية في شقها الخلافي الدامي سيكتشف كم هي المواقف و المراحل التي توشحت بالدم ، وكيف ان آل سعود كانوا دائما في موقف المعادي لهذا البلد ، إما خوفا من قدرة شعبها و قوته ، أو طمعا في ثرواتها و أرضها ” . نلمس هذا منذ الحرب اليمنية السعودية عام 1934 و توقيع اتفاقية الطائف ، و قمع انتفاضة 1948 و مرورا بالمشاكل في قمع انتفاضة 1955 . ثم الدماء التي سالت بعد ثورة 1962 في الحرب الأهلية ، ثم مؤامرتهم الشهيرة لمنع حدوث الوحدة اليمنية ، بتنفيذ الاغتيالات التي طالت عددا من الرموز الوطنية و على رأسهم الرئيس الشهيد الحمدي وصولا الى الحرب العدوانية  2015 ، التي قتلت عشرات الآلاف من الأبرياء المدنيين . لكن على ما يبدو أن هذه الحرب كفيلة بإنهاء الدور السعودي في اليمن و قطع اليد التي امتدت لفرض الوصايا السعودية – الإماراتية و نشر حالة الفوضى و الاقتتال في البلاد .

نحن اليمنيون متفائلون بزوال الظالمين لانه توجد سنن ربانية تؤكد ذلك . يقول سبحانه و تعالى ” بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق – الأنبياء 18 ” . هذا يعني انه قد يقوم الباطل مثلا السعودي – الإماراتي ، و يكون له  وجود ، لكن ليس ابديا ، بل سيقع عليه سنن ربانية موجودة في هذه الآية ، أي سيقوم الباطل لكن سينتهي . ” و تلك القرى اهلكناهم لما ظلموا و جعلنا لمهلكهم موعدا – الكهف 59 ” إذا الظلم قد يقوم ، قد تكون له قرى ، بمعنى ممالك و دول و مظاهر قوة اقتصادية و سياسية و اعلامية لكن هذا لا يحميهم وينقذهم من العقاب .

ينظر الكثيرون الآن إلى انصار الله كذراع لإيران ، هذا غير صحيح ، لم يقرب أنصار الله إلى إيران الا العدو المشترك ” المملكة العربية السعودية ” . نعم إيران حليف لأنصار الله و عدو لإسرائيل و قوى الإستكبار و هذا شرف نعتز به . لكن ، هل تذكر السعودية طرد مليون عامل يمني من السعودية ، و هل تذكر السعودية كلمة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود في عيد الاضحى عام 1994 و فسرها المراقبون كدعوة بالاعتراف الضمني بتقسيم اليمن . و وعدهم لعلي سالم البيض بالاعتراف بدولته إذا اتخذ قرار الانفصال . يعلم الخليجيون أن قرارا كهذا هو السبيل الوحيد لتدويل الازمة و إبعادها خارج حدود اليمن . لكن هذا كان بمثابة ضغط على صنعاء لتسوية موضوع الحدود . هذا ما حصل بالفعل في اتفاقية 12 يونيو 2000 خوفا من تدويل الأزمة اليمنية .

هذا الموقف دفع الولايات المتحدة إلى عدم الاعتراف بدولة ” البيض ” الانفصاليين خشية من أن يتحول النزاع اليمني إلى نزاع إقليمي ، يؤدي إلى إستقطابات جديدة في العالم العربي وهو تحول لا أحد يعرف أين ستؤدي به الحرب اليمنية ، ستجعل من اليمن افغانستان ثانية ، كما يعتقد الأمريكيون و على لسان وزير خارجيتهم وآرن كريستوفر عندما حذر دول مجلس التعاون الخليجي من التدخل في اليمن . و يدعوهم إلى العمل لوقف تدفق الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة ملوحا أن الحرب ستستمر إلى ما لا نهاية و سوف تساهم في الاضطرابات في المنطقة و من الواضح أن الولايات المتحدة في تلك المرحلة قد أكتفت بالتلميح دون التصريح في تحذير حلفائها الخليجيين و تحديدا السعودية من التدخل في الشأن اليمني . هذا التصور الأمريكي ينطبق ايضا على الوضع الحالي في اليمن .

يقول مطلعون أن السعودية تحاول وقف اعتدائها على اليمن ، و وضع حد للحرب التي دامت خـمس سنوات . يبدو هذه الخطوة معقولة ، لبدء المفاوضات المباشرة خاصة بعد ” إظهار القوة ”  الحوثية في الأشهر الأخيرة ، و بعد الهزائم المتكررة للتحالف و نمو الخلافات الداخلية بين الشرعية . و كانت للمبادرة الطيبة التي اعلن عنها انصار الله بوقف اطلاق النار الأحادي الجانب بارقة امل عند التحالف ، و اعتقدوا ان أنصار الله قد يبتعدون عن طهران . فجاء الرد السعودي بإعلان وقف محدود لاطلاق النار في اربع مناطق . لكن وقف اطلاق النار الجديد أنهار . واصل الجانبان القتال ، التي أسفرت عن مقتل العديد من المدنيين . حتى اصبح  يطلق على الوضع في اليمن أسوأ  أزمة إنسانية في العالم ، الملايين على وشك المجاعة ، و الكوليرا تشكل خطرا مستمرا . إضافة إلى هذه الأزمة الانسانية ، يواجه اليمنيون تحديات أمنية و اجتماعية و اقتصادية و مائية خطيرة تثير المخاوف بشأن استقرار اليمن . و عمق الأزمة أكثر هي تلك الضطرابات السياسية التي تعصف بحكومة هادي ، و الخلل الأمني المخيف نتيجة العداء  و التنافس بين عبد ربه منصور هادي و عيدروس الزبيدي على السلطة  هذا إلى جانب التنافس السعودي – الإماراتي على الهيمنة و السطوا على مقدرات الشعب اليمني . رغم هذه المخاوف الجدية التي تثيرها تلك التحديات على استقرار اليمن و مستقبل المنطقة ، لم نرى في الأفق القريب أي إمكانية لتسوية الوضع في اليمن و احلال السلام .

نختتم المقال بابيات للشاعر السوداني قيس عبد الرحمن عمر :

عفواً لأدباءِ أُمّتنا … فالحال تدهور للأبشع

فالثورة ما عادت تكفي … فالسَفَلَة منها تستنفع

و الغيرة ما عادت تجذبنا … النخوة ماتت في المنبع

لا شئ عاد ليربطنا

لا دين بات يوحدنا

لا عرق عاد فيترفع

عفواً أدباء زماني …

فلا قلمٌ قد بات يوحّد أمتنا …

و الحال الآن هو الأبشع

 

* كاتب و محلل سياسي يمني

أحدث العناوين

عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزّة يقترب من 35 ألف شهيد

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزّة، اليوم الخميس، عن ارتفاع عدد شهداء وجرحى العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع...

مقالات ذات صلة