علماء السعودية والفتوى حسب العرض والطلب

اخترنا لك

سمية الغنوشي:

القرار الذي اتخذه الملك السعودي بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة اثار سيلا هائلا من التعليقات والتحليلات، كما استقبلته اغلب العواصم الغربية بقدر كبير من الترحيب والتهليل ليس حبا في المرأة السعودية او شفقة عليها، ولكن لأن مثل هذا القرار يعطي هذه الدول شهادة براءة بأنها لا تقيم علاقات وثيقة مع حكومات تنتهك قيم الحريات وحقوق المراة على نحو ما تبرز ذلك اغلب تقارير المنظمات الحقوقية، بل مع دول باتت تتجه نحو الانفتاح وتشهد تطورا في مجال حقوق المراة وحرياتها، وبالتالي لا يجب النظر للنصف الفارغ من الكأس، بل الى النصف الاخر الملآن..

كان من الممكن ان يكون هذا القرار اكثر من عادي، لانه يتعلق بأبسط حقوق المراة التي تكاد تقارب الحقوق البيولوجية

والطبيعية للانسان، ولكن يبدو ان الآلة الدعائية للسعودية وحلفائها الغربيين تريد تصوير الامر وكأنه ثورة عظمى تضاهي اكتشاف كروية الارض..

لكن ما يعنينا في هذا القرار بدرجة أولى ليس السياسة واهلها، ولا القوى الخارجية المرحبة، بقدر ما يعنينا التوقف عند احوال أهل الفتوى وحراس ” العقيدة” وخصوصا رجال هيئة كبار العلماء، وماذا هم صانعون بعد هذه التقلبات السريعة والفجئية التي لم يتهيؤوا لها ولا يقوى جهازهم الهضمي الديني على تحملها..

فقبل أسابيع قليلة فقط، حذّر مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ من فتنة قيادة المراة للسيارة، لما ينجر عن ذلك من أبواب شر كثيرة شرعية واجتماعية، وطالب بعدم قبول مطلب قيادة المراة للسيارة. اما يوم أمس، فقد جاء في القرار الملكي أنه قد صدر بموافقة هيئة كبار العلماء التي أفتت بإباحة ورجحان المصلحة في قيادة المراة للسيارة..

وإذا صح ان هيئة كبار العلماء قد اطلعت على القرار الملكي أصلا، فإنها قد كذبت على الله وعلى الناس مرتين، المرة الاولى حينما بذلت كل ما في وسعها في حشد الأدلة الشرعية والاجتماعية لإثبات بطلان وفساد قيادة المراة للسيارة، وكذبت مرة ثانية وهي تتقلب ذات اليمين والشمال لتأتي بالأدلة الشرعية والحيل الفقهية لتثبت بان ما كان محرما بالامس اصبح جائزا اليوم، وما كان مبعثا على الفساد غدا عنوانا للصلاح والفلاح..

كان من المفترض الا يثار سؤال حول مدى جواز قيادة المراة للسيارة أصلا، لانه يتعلق اولا بالحقوق البسيطة للمرأة التي تقترب من الحقوق الطبيعية والبيولوجية، ولكن القراءة الوهابية  الحنبلية المتشددة حولت القاعدة من أن “الأصل في الأشياء الإباحة” الى أن “الأصل في الأشياء التحريم”، ثم نبحث بعد ذلك عن الدائرة الضيقة، هذا ان كانت موجودة أصلا..

تقدم هذه التقلبات الدينية صورة درامية وكاريكاتوريةً عن المؤسسة الدينية في السعودبة التي أضحت تقدم الفتاوى والآراء الدينية بحسب سوق العرض والطلب، ووفق مطالب وأجندات الحكم. هذا ما يطرح بشدة مطلب إستقلالية الهيئات الدينية عن اهواء الحكام والسياسيين، حتى يطمئن الناس ان ما يقوله هذا العالم او ذاك يصدر عن اجتهاد مخلص وقناعة صادقة، وليس مجرد تسويغ لأهواء ومطامع الحكام، وللحديث بقية في هذه المسألة..

ميم

الخبر اليمني/أقلام

أحدث العناوين

مقالات ذات صلة