في الوقت الذي تدق فيه الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الدولية ناقوس الخطر بسبب الحصار الذي تفرضه السعودية على المساعدات الإنسانية المُوجهة لليمن، يواصل المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون التزام الصمت. وقد اقتصرت الملاحظات القليلة الصادرة عن العواصم الغربية خلال الأسابيع الأخيرة على رسائل داعمة لليمنيين في خضم الأزمة الإنسانية الكارثية التي تعصف بهم، بيد أنها مثلت في الواقع عكس ذلك تماما.

قبل أسبوعين من الآن، قدم وزير الدفاع البريطاني آنذاك، مايكل فالون، تقييما حادا لرأي الحكومة بشأن الجدل القائم حول اليمن. وفي هذا الصدد، أفاد فالون أمام لجنة الدفاع البرلمانية، التي دافع أمامها عن البيع المخطط له لعدة طائرات مقاتلة للسعودية، قائلا: “للأسف، ينبغي أن أكرر لهذه اللجنة أن أي انتقادات أخرى موجهة للسعودية في هذا البرلمان ليست مجدية”. والجدير بالذكر أن فالون قدم فيما بعد استقالته على خلفية مزاعم مرتبطة بالتحرش الجنسي.

ردا على الهجوم الصاروخي الذي استهدف السعودية قادما من الأراضي اليمنية، وهو ما أدى إلى التفاقم الأخير للأزمة، تجاهل الرئيس الأمريكي ترامب هو الآخر محنة المدنيين في البلد الذي مزقته الحرب، وأشاد عوضا عن ذلك بالأسلحة الأمريكية التي تُباع إلى المملكة العربية السعودية.

تشارك أكثر من 12 دول, تابعة للاتحاد الأوروبي في بيع أسلحة أو معدات عسكرية إلى السعودية

في سياق متصل، صرح ترامب أنه “قد وقع للتو توجيه ضربة إلى السعودية، ولكن نظامنا تصدّى لها”، في إشارة إلى “صواريخ باتريوت” التي باعتها الولايات المتحدة إلى السعودية. وأضاف ترامب أن “ذلك يثبت مدى تفوقنا في مجال صناعة الأسلحة، فلا أحد يستطيع القيام بما نقوم به نحن، كما أننا بصدد بيع تلك الأسلحة في جميع أنحاء العالم”. وعلى امتداد السنوات الأخيرة، حققت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المزيد من الأرباح من مبيعات الأسلحة إلى السعودية أكثر من أي وقت مضى.

من جانبهم، يخشى النقاد في مجال حقوق الإنسان من أن السعودية لم تشتر أسلحة هذه الدول فقط، بل قبولهم بسياساتها أيضا. وفي هذا السياق، قال رئيس قسم مراقبة التسلح وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية، جيمس لينش، في بيان صدر مؤخرا، إن “إمدادات الأسلحة المخزية الموجهة للسعودية قد تصل إلى صفقات تجارية مربحة، بيد أن المملكة المتحدة تخاطر بتقديم المساعدة والتحريض على ارتكاب هذه الجرائم الفظيعة في اليمن”. وعموما، توظف صناعة الأسلحة عشرات الآلاف من العمال في المملكة المتحدة، حيث تتزايد المخاوف بشأن الآفاق الاقتصادية المتعثرة.

مع ذلك، لا تمثل المملكة المتحدة البلد الأوروبي الوحيد المشارك في هذه الصفقات المثيرة للجدل. في الحقيقة، تشارك أكثر من 12 دول, تابعة للاتحاد الأوروبي في بيع أسلحة أو معدات عسكرية إلى السعودية، حيث تحتل فرنسا المرتبة الثانية بعد المملكة المتحدة على لائحة أبرز المُصدرين، وفقا لما أفاد به معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي.

عموما، كانت هذه المبيعات مثيرة للجدل بشكل خاص بالنظر إلى انخراط السعودية في صراع متصاعد مع إيران سعيا من كلا البلدين إلى الهيمنة على المنطقة. ومن المرجح أن يكون وقع تنافسهما الأكثر حدّة على أفقر دول العالم العربي والمتمثل في اليمن، جار السعودية. ومن جهة أخرى، يُعتقد أن المتمردين الحوثيين هناك تلقّوْا دعما ماليا وشحنات أسلحة من إيران، ما دفع بالبلاد إلى دوامة صراع على السلطة الإقليمية.

خلال سنة 2015، شجّع وزير الخارجية آنذاك، فيليب هاموند، على فتح تحقيق بشأن تأثير الأسلحة البريطانية في اليمن

على مدى السنوات الثلاثة الأخيرة، كانت السعودية وحليفاتها في الخليج العربي تحاول، إلى غاية الآن دون جدوى، طرد المتمردين الحوثيين من أراضيها، من خلال الاعتماد بشكل رئيسي على القصف الجوي. وفي الأثناء، صرّحت منظمات الإغاثة أن أكثر من 20 مليون شخص في اليمن في حاجة إلى مساعدة إنسانية، في حين يواجه سبعة ملايين شخص ظروفا “تشبه المجاعة”.

بطبيعة الحال، لا تتعلق جاذبية السعودية في أعين الدول الغربية بمبيعات الأسلحة فقط، حيث أعلنت الحكومة البريطانية يوم الخميس الماضي أنها ستقدم لشركة الطاقة السعودية العملاقة، أرامكو، ضمانات ائتمانية تبلغ قيمتها ملياري دولار لتسهيل التجارة بين البلدين. وفي هذا الصدد، يحاول الأمريكيون والبريطانيون إقناع شركة أرامكو بالقيام بالاكتتاب العام المُنتظر (الذي يُقدر بمئات المليارات من الدولارات) في بورصات لندن ونيويورك. وعلى خلفية ذلك، غرّد ترامب على موقع تويتر قائلا إن مثل هذه الخطوة ستكون “مهمة للولايات المتحدة”.

على الرغم من أن تغييرا يبدو وكأنه طرأ على مسار الحكومات الغربية منذ وقت ليس ببعيد، إلا أن كافة الجهود الرامية إلى وقف صادرات الأسلحة إلى السعودية باءت إلى غاية الآن بالفشل. فخلال سنة 2015، شجّع وزير الخارجية آنذاك، فيليب هاموند، على فتح تحقيق بشأن تأثير الأسلحة البريطانية في اليمن. أما خلال هذه السنة، مارست ألمانيا ضغوطا على السعودية لوضع حد لمشترياتها من الأسلحة، ربما في خطوة استباقية لحظر رسمي كاد أن يتحول إلى كارثة علاقات عامة بالنسبة للسعودية.

وفي الولايات المتحدة، علّقت إدارة أوباما بالمثل بيع الذخائر الموجهة بدقة إلى الرياض خلال السنة المنصرمة. ومع ذلك، يُعتقد أن إدارة ترامب تعمل على استئناف مثل هذه المبيعات، حيث تم توقيع صفقة رئيسية منفصلة لتصدير الأسلحة إلى السعودية في أيار/مايو الماضي. ومنذ ذلك الحين، أعرب ترامب عن دعمه القوي للقيادة السعودية. وفي خطوة مماثلة، تستمر ألمانيا في تصدير معدات عسكرية إلى السعودية، على الرغم من أنها تبدو الآن وكأنها تمتنع عن تسليم الأسلحة مباشرة.

طالبت الأمم المتحدة و20 منظمة إنسانية أخرى يوم الخميس الماضي مجددا برفع الحصار السعودي، محذرة من أنه يدفع بالملايين من الأشخاص إلى حافة “المجاعة والموت”

وتجدر الإشارة إلى أن برلمان الاتحاد الأوروبي صوّت لصالح حظر الأسلحة على السعودية خلال السنة الماضية، ولكن التصويت كان رمزيا في معظمه نظرا لأن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تلتزم به. وفي الوقت الراهن، ظهرت جهود جديدة من قبل البرلمان الأوروبي سعيا إلى إعادة المسألة على جدول الأعمال ووضعها تحت دائرة الضوء.

وفي حال عزم سياسيو الاتحاد الأوروبي على تنفيذ حظر على توريد الأسلحة إلى السعودية، فسيتعيّن على البرلمانيين إقناع حكومات الدول الأعضاء على الموافقة على حظر مماثل. ومع استفادة أكثر من 12 دولة من صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية إلى السعودية، تبدو فرص فرض مثل هذا الحظر في أي وقت قريب منعدمة عمليا.

أما فيما يتعلق بمحاولات المنظمات غير الحكومية لإجبار الحكومات على الالتزام بحظر مفروض من قبل المحاكم، فقد قُوبلت بالمنع إلى غاية الآن. وفي السياق ذاته، تعرض الناشطون والمحتجون خلال الصيف الماضي لهزيمة كبيرة عندما حكمت محكمة لندن العليا بعدم تواطئ المملكة المتحدة في جرائم الحرب المزعومة في اليمن من خلال السماح للجيش السعودي باستخدام أسلحتها.

مع ذلك، رفضت المحكمة الإفصاح عن كيفية توصلها إلى استنتاجها ومنعت الرأي العام من النفاذ إلى الأدلة الرئيسية. ومن جانبها، طالبت الأمم المتحدة و20 منظمة إنسانية أخرى يوم الخميس الماضي مجددا برفع الحصار السعودي، محذرة من أنه يدفع بالملايين من الأشخاص إلى حافة “المجاعة والموت”.

ترجمة نون بوست