«الجنوب» بالسويد…المشاركة دون «الثوابت» انتحار

اخترنا لك

صلاح السقلدي:

عادَ الحديث من جديد عن عقد مشاورات بين الأطراف اليمنية المتصارعة، ومعها دول «التحالف»، السعودية والإمارات، لإيقاف الحرب والشروع بتسوية سياسية. وعادَ معه على المستوى الداخلي في الجنوب، الحديث عن مشاركة الجنوب من عدمه بهذه المشاورات، المزمع عقدها نهاية الشهر الحالي، في العاصمة السويدية، استكهولم، بحسب المبعوث الأممي الى اليمن مارتن جريفيث.
وبرغم تأكيد جريفيث بأن المشاورات ستقتصر على مشاركة طرفي الصراع: «الشرعية والإنقاذ»، فإن الخطاب الجنوبي وبالذات خطاب «المجلس الانتقالي الجنوبي» لا ينفك عن التأكيد على ضرورة مشاركة المجلس بهذه المشاورات برغم أنّها، ستُـعقد بحسب تأكيدات دولية وإقليمية ومحلية في مراحلها المختلفة ابتداءً من مرحلة المشاورات «مرحلة بناء الثقة»، وصولاً الى مرحلة إجراء «المفاوضات المباشرة» وانتهاءً بمرحلة «مناقشة التسوية السياسية الجوهرية»، ستُعقد وفق المرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية ومخرجات حوار صنعاء وقرارات مجلس الأمن وتحديدا قراره 2216، والتي تصر عليها مُـعظم الأطراف اليمنية والسعودية والإمارات، مما يعني أن أية مشاركة جنوبية في هكذا مشاورات ومفاوضات وفي ظل إصرار خليجي-يمني على هذه المرجعيات، وعلى تجاهل القضية الجنوبية، ستكون مشاركة تحصيل حاصل لنتيجة معروفة سلفاً بالنسبة للجنوبيين، وستشرعِــن لوضع وحدة يمنية هي امتداداً لوحدة حرب 1994.
هذه المشاريع اليمنية الشمالية والإقليمية، وهذه المرجعيات والمسميات تقف على طرف نقيض للمشروع الجنوبي التحرري، الذي تتبناه «القوى الجنوبية التحررية» ومنها «الانتقالي الجنوبي»، حيث أن تلك المرجعيات بل وحتى الخطاب السياسي الخليجي الحالي قد رمَتْ بالقضية الجنوبية عرض الحائط، مما يعني بالضرورة أن التسوية السياسية اليمنية التي ستفضي عنها هذه المشاورات والمفاوضات ستكون خالية تماماً من أية اشارة سياسية ومنصفة للقضية الجنوبية، برغم الخارطة السياسية التي تشكلت غداة حرب مريرة ومدمرة تقترب من عامها الرابع.

على ما تقدّمَ، يكون الإصرار الجنوبي على مثل هكذا مشاركة ليس إلّا مؤامرة بقصد أو بدون قصد، تقترفها كل القوى الجنوبية وعلى رأسها «الانتقالي الجنوب»، التي تسعى للمشاركة لمجرد المشاركة وحسب، أو قُل هو الانتحار السياسي بعينه. فأية مشاركة وفقا لهذه الآليات والمرجعيات، وفي ظل تمترس القوى اليمنية والإقليمية التي تناصب المشروع الجنوبي الخصومة، برغم شراكته وتضحياته الهائلة معها خلف مشاريعها ومصالحها دون الاكتراث لطرف فاعل بالساحة بل وصاحب النصر العسكري الحقيقي، وصاحب النصيب الأكبر من الخسائر البشرية بهذه الحرب، ومالك الجغرافيا الشاسعة كالطرف الجنوبي، تلك المشاركة مع تلك العوامل، ستأتي بنتيجة كارثة سياسية تسقط فوق رأس الجنوب، وستعيد احتلال وانتاج قوى وأوضاع ما بعد حروب الماضي وبالذات حرب 1994 من جديد، وسيكون الجنوب على إثرها قد قضى على مستقبله السياسي بأيادٍ جنوبية وهذا ما لا نتمنى حدوثه.
أيّة مشاركة جنوبية ناجحة وعادلة بهذه المشاورات والمفاوضات، يجب أن تكون غير مقيدة بشروط مسبقة ولا محددة بسقف سياسي أو مصفّدة بأصفاد الثوابت المزعومة وبخطوط الوحدة اليمنية، وخرافة الأمن القومي العربي، بل يجب أن تُبنى على ثنائية الجنوب والشمال باعتبار جذر الأزمة اليمنية، هو فشل الوحدة بين دولتين، وما تبع ذلك من أحداث وأزمات عاصفة، ليست إلا تداعيات لذلك الفشل الوحدوي.
يتساءل البعض: ماذا عسى الجنوبيون أن يفعلوا بوجه الإرادة الاقليمية والدولية؟ وماذا يملكون من قوة ومن أوراق ضغط مقابل ما يمتلكه هذا الإقليم وهذه القوى اليمنية الشمالية والمجتمع الدولي؟
صحيح أن لا لوجه للمقارنة بين طاقات القوى اليمنية الشمالية، والإمكانيات الإقليمية والدولية الهائلة، وبين طاقات الجنوب المحدودة، ولكن تظل قوة الحق أقوى من حق القوة، هكذا يحدثنا منطق التاريخ وصفحات أسفار الشعوب عبر العصور، كما أن هناك فرقا كبيراً بين أن تفرض على الجنوب تسويات ومشاريع فرضاً دون رضاه، وبين أن يشارك هو بتمريرها ويمنحها شرعية التنفيذ ويضعف بها الحق الجنوبي المقاوم في قادم السنين. فلقد مرَّ الجنوب بتجارب فُرضت عليه مثل هذه المشاريع بقوة الحديد والنار، ولكن لا هو استكان لها، ولا هي استطاعت أن تجد لها بيئة للنجاح ولا درب لتكريس الذات، فالأوضاع بالمنطقة تتغير بشكل متسارع يصُعبُ معها القول إن ثمة قوى إقليمية مهما بلغ شأنها، تستطيع أن تظل ممسكة بخيوط أسباب القوة والتأثير والبقاء لبضع سنوات قادمة. و«التجارب شهودٌ عدول»، كما تقول العرب

أحدث العناوين

المغرب | تواصل خروج التظاهرات الأسبوعية الداعمة لغزّة

تتواصل المظاهرات في مختلف المدن المغربية تضامنًا مع قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي مدمّر منذ السابع من أكتوبر/...

مقالات ذات صلة