لماذا لم يتحرك الشعب (المُسعود) إذن؟!

اخترنا لك

بسبب العنف السلماني، ولأسباب أخرى، منها: زيادة الوعي بالحقوق، والتحولات السياسية العميقة في المنطقة والعالم، وتوافر أدوات التواصل الاجتماعي، والوصول الى المعلومة، وغياب فرص الاعتراض وإعلان الاختلاف في الرأي داخلياً، كان من البديهي ان نرى مجاميع كبيرة من المعارضين في الخارج.

كثرة المعارضين والساخطين والهاربين واللاجئين.. منتج طبيعي لنظام سياسي مغلق وقمعي الى أبعد الحدود. لا تحتاج الى مؤامرة مزعومة لتقمع. يكفي أن تسجن مواطنا لعشر سنوات بسبب تغريدة، لتدفع عشرات أو مئات الأفراد للفرار خارج الحدود! من المجنون الذي يبقى ليُسجن هذه المدّة من أجل تغريدة!

في الأصل، فإن وجود معارضة للنظام السياسي ـ أي نظام كان ـ هو دلالة صحّة وعافية في المجتمع.

حين تغيب الاصوات المختلفة او المعارضة، اعلم أن هناك مشكلة في النظام السياسي، وربما مشكلة أكبر في المجتمع نفسه!

عدم وجود معارضة دلالة مرض وموت لا صحّة وعافية كما يظنّ النظام وكتابه وذبابه!

عدم وجود رأي مخالف أو معارض، أو بالأصح قمعه، هو الذي أوصلنا وأوصل بلدنا الى هذه المهلكة، وهذا العهد الدموي، والفساد والفقر.

وحين لا يتّسع السيستم للأصوات المختلفة او المخالفة أو المعترضة، فاعلم أن بلدك يسير الى الهاوية، وأن قمعها سيؤدي الى (معارضة خارج السيستم) أو (تحت الأرض).

المعارضة لا تنتهي، ليس لأنها حقّ أصيل للبشر فحسب، بل وأيضاً هي ضرورة حتمية في كل مجتمع؛ وهي تحدّ وابتلاء، وبدونها لا يكون هناك تطور ولا تدافع ولا تصحيح ولا إصلاح.

وأكبر شاهد على ذلك هو ما نحن فيه تحت هذا الحكم السلماني البغيض والدموي.

فالصمت الجمعي أفرز كل الشرور التي ترونها!

الصمت عن الباطل، وغياب الرأي والموقف المختلف والمعارض، لا يعني سوى (وحدة ظاهرية) لا قيمة لها، بل ضارّة، في مجتمع واقعه (مُفكّك)، وإنْ بدا أنه غير ذلك.

من يُلقي باللوم على المعارضين بأنهم سبب البلاء، لا يفهم سنن الله في الكون؛ ولا يفهم أي معنى لقيمة الحرية والاختلاف في التطور.

اذا كان وجود المعارضة السياسية والفكرية، قدراً حتمياً في كل مجتمع.. فهنا تأتي ضرورة وجود مساحة (داخل أي نظام سياسي) لقبول حقيقة أنه لا يمتلك كامل الحقيقة، وأنه ليس من صالح أي مجتمع أو حتى النظام السياسي إلا احتوائهم، وأخذ أفضل ما لديهم ضمن قانون معيّن/ دستور حاكم للبلاد.

لهذا يختلف معنى (المعارضة) عندنا في الشرق، عن تلك التي في الدول الديمقراطية.

في الدول الديمقراطية تُطلق كلمة المعارضة على أولئك الفاعلين داخل السيستم، أي على من يقبل بالعملية السياسية والنظام السياسي، ويشارك فيه، ويسعى للوصول الى الحكم من خلال الأدوات والوسائل التي يوفرها.

أما المعارضة لدينا، فهي تطلق على أولئك الذين يعملون خارج السيستم، المفروض على الناس أصلاً، والذي ليست لدى أركانه القدرة على قبول أحدٍ مختلف يعمل من داخله.

هنا يصبح الإعتراض، ليس على من يحكم فحسب، بل على كامل النظام السياسي، وتكون اهداف المعارضين إزالته ومن فوقه ولو بالعنف!

في نظام سياسي مُغلق: النظام السعودي ورجاله يرون كل من يقول أو يفعل أمراً مختلفاً، أنه أصبح عميلا خائنا للوطن.

أما المعارضون لهكذا نظام، فيرون أن كل من هو داخل السيستم ويعمل فيه، فهو عميل يدعم الطغيان والفساد، حتى وإن كان غرضه الاصلاح، وحتى لو قام بعمل جيّد من داخل السيستم.

المعارضة في بلدنا وفي الدول الديكتاتورية عامة، والتي فيها انسداد في تداول السلطة: تُطلَق على من يريد تدمير السيستم، وليس إصلاحه. لأن الإصلاح من داخل السيستم متعذّر، وفيه انسداد غير قابل للإصلاح في الغالب.

لذا حين تقول: هذا معارض، فكأنك تقول أنه يريد القضاء على النظام ورجاله!

على مدار تاريخ المهلكة الحديث، كان هناك معارضون، وإنْ بمُسمّيات شتّى.

لم تخلُ البلاد يوماً منهم؛

والتعبير عن تلك المعارضة كان مختلفاً أيضاً حسب الظروف؛

والمطالب قد تكون متعددة ولكنها كانت تعكس أمراً واحداً: عدم الرضا، والمطالبة بالإصلاح، إما من داخل السيستم أو بالإنقضاض عليه!\

وُجدت معارضات مختلفة في المهلكة المسعودة: أحزاب، جبهات، منظمات، حركات، أفراد.. بأيديولوجيات مختلفة. بعضها ـ أو معظمها ـ رأى ضرورة إسقاط النظام بالقوة: عبر ثورة مسلحة كما آمن بعضهم؛ أو عبر انقلاب عسكري، كما كاد ينجح بعضهم؛ أو عبر عمل سلمي جماهيري واسع، كما يريد البعض الآن.

اذا كانت السياسة علم، فالمعارضة السياسية علم أيضاً. كل تفاصيل العمل السياسي هي علوم قائمة بذاتها.

السياسة عالم مفتوح في مشرقنا المُبتلى بالديكتاتورية، لا يحتاج تخصصاً، ومعظم من يدخل بوابته يظنّ نفسه عبقرياً.

أخشى أن يكون هذا أيضاً حال المعارضة والمعارضين.

عبارات: ناشط سياسي؛ أو ناشط حقوقي؛ أو معارض؛ أو إصلاحي؛ أو حتى نسوي/ـة؛ تكثر هذه الأيام. فتعريف الذات ضرورة لتعريف الفعل: هدفاً ووسيلة.

لقد زاد عدد المعارضين بمختلف مسمياتهم، وبقدر ما هنالك من فرصة تاريخية لتغيير واقعنا المزري، هناك خشية من تكرار الأخطاء وهدر الموارد والآمال.

ولأن بلادنا دخلت حقبة جديدة، وأفرزت معارضين كثر، نساء ورجالا، تشتتوا في أصقاع العالم؛ وبعضهم ـ بل الكثير منهم ـ موجودون على ارض الوطن يعملون (تحت الأرض)؛ أو يكتمون معتقدهم الاعتراضي ضمن خلايا تنتظر فرصة البروز.. لذا كان لزاماً الحديث مع الذات: نقاشاً ونقداً، وتسديداً وتنظيراً!

إحداث التغيير في (المهلكة) يعتمد بشكل كبير على نضج المعارضة، كما على نضج الشارع.

وهدف التغيير بمختلف تدرجاته ومراحله: اسقاط النظام؛ أو اصلاح النظام: جزئياً أو كلياً، تدرجياً أم ثورياً، عنفياً أم سلمياً؛ يعتمد على مقدار (العلميّة) في فهمنا وفعلنا السياسي كمعارضين.

فهل نحن كذلك؟

لا أُجادل في حق كل مواطن في الإعتراض على أيّ من سياسات النظام السعودي الدموي الفاسد؛

ولا أنا بصدد تقييم عمل المعارضين بمختلف مشاربهم؛ فأيّ سهم يوجّه باتجاه آل سعود وطغيانهم: مُباركٌ ومؤيَّد!

ما أخشاه، هو أن معظم السهام لا تصيبُه أو تخطؤه، أو تصيبه في موضعٍ لا يؤذيه إلا قليلا!

من حقّ أي مواطن عادي ان يؤمن بالإصلاح، او بالتغيير الجذري ـ اي الثورة؛ او بإسقاط النظام عبر أي وسيلة، أو بالانقلاب العسكري، أو …

من حقه ذلك، حتى ولو لم يكن بإمكانه التغيير، وحتى لو كانت معارضته بقلبه في الظرف الحالي، فالمهم انه يؤمن بقضية ما، وإن لم يشارك في عمل جمعيّ منظّم.

أما المعارض الذي يرفع الراية علناً (في الخارج طبعاً) فالمطلوب منه أكثر مما هو مطلوب من المواطن المقموع داخلياً.

حين يقول المعارض أنه يريد إسقاط النظام السعودي: نسأله كيف ستفعل ذلك؟

وإنْ قال أنه يريد الإصلاح مع بقاء النظام: نسأله كيف، ومن هم قبلكَ في ذات النهج دخلوا السجون؟

المعارض علناً ويرفع الراية.. حين يقول بإمكانية إصلاح النظام لنفسه من الأعلى: نسأله عن السيناريو، والخطوات العملية لذلك. فهل عليه التشجيع والبحث عن أمير يقوم بدور ما، أو خلطة من الأمراء وبعض المشايخ (من مذهب معيّن) يتفقون على مواد الإصلاح، فيتم لهم ذلك بالضغط؟ أم ماذا؟

أنت أيها المعارض (والسؤال موجّه الى نفسي أيضاً) بماذا تؤمن من أهداف؟ وهل تعمل عليها؟ ووفق أيّ خطة تمضي لتحقيقها؟

تريدُ إصلاحاً من الأسفل: (ثورة شارع سلماً) بالمظاهرات والاعتصامات وحتى بالعصيان المدني؟ بالعنف؟ قل لي: كيف ستحقق ذلك، وعبر أيّ خطوات تحقق ما تريد؟

كيف؟ هو السؤال!

أنت أيها المعارض القديم، وأيها المعارض الجديد الشاب، هل قرأتم مجتمعكم، أو مجتمعاتكم المتنوعة؟ هل قرأتم النظام، رموزه وتاريخه، وتراثه، وكيف يخطط ويفكّر وينفّذ؟ هل أنتم سابقون للنظام بخطوات، أم هو قد سبقكم؟ هل مجتمعكم جاهز للتحرّك قبل أن تدعوه؟ هل تحتاجون الى اختباره في أفعال؟

 

أنت أيها المعارض الذي تؤمن بدور القبيلة في التغيير، هل قرأتَ شيئاً عنها؟ إمكانياتها؟ التغييرات التي لحقت بها في هيكلها وثقافتها وقدراتها؟ هل لازالت القبيلة فاعلاً سياسياً وثقافياً ومجتمعياً، أم أن الدولة همشتها وجعلت شيخها موظفاً لديها؟ هل لديك طريقة لتفعيل دورها من جديد؟

وأنت أيها المعارض الآخر الذي تبحث عن أمير جديد أو سبق تجربته، من أجل أن تقلّده الزعامة!.. هل تعرف خارطة أجنحة العائلة المالكة؟ هل تعرف مراكزها وقواها وأشخاصها، وامكانياتهم واستعداداتهم؟ هل ما تدعو اليه تكتيك أم استراتيجيا؟ هل يتحقق التغيير على يد أمير هو جزء من المنظومة؟ الخ

وأنتم يا من تتنطحون لتحريك الشارع باعتباره أداة التغيير والمنتفع الأساس منه..هل سألتم أنفسكم لماذا لم يتحرك حتى الآن في دعواتكم السابقة؟ هل هو خوف القمع؟ التضليل الديني والاعلامي؟ ثلاثة رواتب؟ الجهل بأدوات التغيير؟ الخوف من المجهول؟ الشعور بالعجز أمام آلة النظام وترامبه؟ الخ.

الشعوب لا تتحرك بدعوة من وراء الحدود.

على المعارضين أن يجيبوا على مخاوفها، وتقديم الحلول لما يعترضها، وتقوية إرادتها، وفتح مغاليق الحجب عن وعيها.

الشعوب ليست ماكنة سيارة تحركها بمفتاح متى تشاء!

الشعوب كي تتحرك بحاجة الى (تنظيمات حزبية) ع الأرض تلتقط الدعوات وتحرك الشارع وفقها

الشعوب لا تستجيب لتوصيات مستعلٍ في الخارج كالملوك، ولا الى تهويشات مهبول يوزّع أرقام التلفونات على المباحث بدون وعي، ظاناً أنهم حزبه المُختار والصفوة المناضلة، والدينمو الخاص به!

شعبنا متخلّف عن ركب السياسة والمعارضة عن بقية شعوب العالم كله!

لازال شعبنا سنة أولى معارضة!

لا نلوم مجتمعنا الذي لم يذق طعم الحرية ولا يعرف كنهها.

مجتمعنا الذي يفتقد حرية التعبير، والمجتمع المدني، وبدون تراث سياسي معارض حاضر وماضٍ  ذا قيمة، من الطبيعي أن يكون متأخراً.

ومن الطبيعي أن المعارضة التي يفرزها على شاكلته، وتحمل نفس أمراضه.

ونحن نشاهد الثورات والانتفاضات على الشاشات في موجتها الثانية (السودان، الجزائر، لبنان).. يتساءل البعض: وأين هو الشعب المُسعود؟ وأين هي معارضته في الداخل والخارج؟

يقولون لك إن النظام ضعيف جداً وشرعيته مُهددة ـ هذا صحيح!

والمجتمع ساخط ـ وهذا صحيح أيضاً.

لماذا لم يتحرك الشعب (المُسعود) إذن؟!

أسئلة يجب أن يجيب المعارضون عليها، كي يكتشفوا النقص والقصور في ذواتهم ليكملوها أولا، وفي العوائق المجتمعية ليضعوا حلولاً لها ثانيا، وفي الأدوات التي يستخدمونها ويبتدعونها ثالثا

بعدها تحركوا على هدى، حتى لا يزيدنا طول المسير  بعدا عن الهدف.

حين يُقال: بأن الشعب المسعود جاهز للتحرك، وقد يكون ذلك صحيحاً، فلمَ إذن ينتظر دعوة من معارضين من الخارج؟

الشعوب الناضجة لا تنتظر اذا ما توفرت لها الفرصة التاريخية للتغيير.

لعل الفرصة لم تتوفر حتى الآن.

ولعل الوضع يحتاج الى شرارة ما تفجّر مخزون الغضب والسخط بوجه العائلة الضالة!

لم تصل إلينا من الشعب المؤشرات الكافية على جاهزيته كي يقوم بالتغيير، ويدفع ثمنه.

نعم وصلنا منذ زمن ذلك من بعض المناطق، وليس أكثرها!

ان كان كلامي خطأ، وقد يكون كذلك، فنحن ننتظر أن يتجاوز الشعب معارضته ويسبقها كما فعلتها شعوب عربية أخرى عديدة.

 

*من سلسلة تغريدات للكاتب على تويتر

أحدث العناوين

Ansar Allah leader reviews American and British failure in confronting Yemeni operations

On Thursday, Ansar Allah leader, Abdul-Malik Al-Houthi highlighted the American and British failure in their attempts to counter Yemeni...

مقالات ذات صلة