“الشقاء من أجل البقاء”.. فتاة في الحديدة تبيع العطور لتعيل أسرتها

اخترنا لك

روائح زكية تملأ المكان، ويدان أجبرهما الحنين لمنح ما افتقداه عطوراً تأسر قلوب الزائرين، لعلها تنسى فصول مأساة ولت على أمل عودة يرسو على جفنيها الضياع..

الحديدة-أشرف الوصابي-الخبر اليمني:

(ياسمين مشّرق) بشكلٍ او بـآخر هو اسمها لكنه لا يمد لواقعها بصلة، فلا ياسمين قد اشتمت رائحته في حياتها، و لا إشراقةَ نور سطعت لتجلي ظلام تعاستها الحالك.

تجلس (ياسمين) ذات ال..28.. عاما، في محلها المتواضع لبيع العطور بشارع المطراق (مدينة الحديدة)، وتسند رأسها على يدها محدقةً في وجوه العابرين لعلها ترى شيئا يدعو إلى الصمود أو الأمل، بعد أن أسدلت الحرب ستار الحزن والبؤس على الجميع، وقد تكون (ياسمين) الأكثر نصيباً من ذلك الألم.

انطلقت معاناة (ياسمين) ذات ليلة ظلماء معتمة، جعلتهم يغادرون منزلهم الكائن في (كيلو16) شرقي مدينة الحديدة – إحدى مناطق التماس – هرباً من الموت بعد أن أمطرت فوهات المدافع حارتهم بالقذائف؛ لتتحول حياتها الى مشردةٍ بائسة تبحث عن سكن يضمها مع أربعة أفراد من أسرتها، هي اكبرهم ليصبح حمل إعالة الأسرة على عاتقها؛ كونها القائد الأول للعائلة بعد وفاة أبيها قبل عامٍ من اندلاع الحرب بنوبةٍ قلبية.

تقول ياسمين “بعد أسابيع من البحث حصلنا اخيراً على منزلٍ متواضع في ”المطراق“ قررنا المكوث فيه ودفع إيجاره البالغ 13 الف، حيث تقطعت بنا السبل ولم يعد لدينا حل غير ذلك، ومنزلٍ بسيط أفضل من أسبوع مر علينا ونحن نفترش تراب الأزقة، وتعترينا نظرات المارة “، فالأوضاع التي تمر بها أسرة (ياسمين) لم تسمح لهم باستئجار منزل يكفي لأفراد العائلة، فرياح الحرب قد عاثت بكل جميل، ولم تخلف سوى أوجاع وآلام تنهش قلوب التهاميين وتعصف بأرواحهم.

ظلت (ياسمين) وأسرتها لمدة شهر تبحث عن عمل، علها ترمم بطون إخوتها (الثلاثة)، فتقول” مضى شهر منذ نزوحنا، ظللت أبحث عما أسد به جوع إخوتي وأمي، حتى بزغ بصيص أمل للعمل في تنظيم بعض المهرجانات في المدينة”.

استمرت (ياسمين) لعدة أشهر تبذل قصارى جهدها كي تعود بما يطفئ لهيب جوع أسرتها المنتظرة عودتها بفارغ اللهفة.. ومرة أخرى يلاحقها حظها العاثر ويتم استبعادها من اللجنة بحجة الزيادة العددية، ليعود بها الحال مرة أخرى إلى نقطة الصفر، وتجد نفسها أمام معركة الحياة القاسية التي لطالما كانت ياسمين وأسرتها إحدى ضحاياها.. “بعد أشهر من قليلة تم استبعادي من العمل، حينها لم يعد لدينا ما نقتات منه، وأنقطع خيط الأمل الذي لطالما تمسكت به”.

انهمرت الدموع من عين ياسمين بعد ذكر أبيها، ولسانها يلهج له بالدعاء؛ مردفةً القول أنها انقضت عليها أيام وليالي كانت تنام وبيتهم خالٍ من أدنى مقومات الحياة؛ فوالدتها لا تقوى على الخروج من اجل العمل، وإخوانها صبية صغار لايزالون يلحون عليها من أجل شراء منهجً مدرسي لهم دون أن تستطيع توفيره.

بتنهيدة عميقة ينكأ لها القلب وتدمع لها العين، تضيف (ياسمين) “لقد تعرفت على صديقة (روزين الرجوي) منذ أشهر، قررنا كسب الرزق من خلال تشاركنا لفتح محل عطور بسيط، إلا أن رأس المال كان عائقا أمام طموحنا”؛ حينها قررت ياسمين طرح الفكرة على أمها، علها تخرجها من هذا المأزق، وبعد إلحاح ياسمين وافقت الأم أن تبيع آخر ما تبقى لها من ذكريات زوجها فأخرجت خاتم الزواج من أصبع يدها وكأنها تخرج روحها من أخمص قدميها إلى أعلى رأسها وتضعها بين راحة ياسمين داعيةً لها بالفلاح والتوفيق.. “لا يوجد مثل قلب الأم الذي يبقى هو الاجمل والاوسع مهما ضاقت بنا الحياة”.

من هنا بدأت شراكة (ياسمين) و (روزين) لتبدأ معها قصة كفاح جديدة عنوانها (الشقاء من اجل البقاء)، وتستمر معركة ياسمين مع ظروف الزمن و أهواله، مستندةً على ما يجود به محل العطور من رزق، ومحافظةً على عزة نفس وكرامة يحسبها الجاهل غنية من التعفف لا تسأل الناس إلحافاً .

تختم ياسمين قصتها بالتأكيد لنا أن مالم تذكره – في سردها لقصتها- يبقى هو الجانب المؤلم؛ فهل يوجد ماهو أعظم من أن تتحمل فتاة في مقتبل العمر أعباء الحياة وإعالة أسرة موجوعة، حتى تشيب؟؟

انصرفنا من أمام محلها البسيط، وكلها أمل في أن تصل قصتها الى المدى البعيد وتلاقي من التفاعل ما لاقاه غيرها، لتسرد للعالم أجمع أن ما مزقته الحرب، ترقعه عزائم الإجتهاد…!

أحدث العناوين

انفجارات في مدينة أصفهان الإيرانية..ماذا تقول الأخبار الأولية

تحديث: فوكس نيوز: مصدر أمريكي يؤكد الضربة الإسرائيلية داخل إيران، ويقول إن الولايات المتحدة لم تكن متورطة، وكان هناك إخطار...

مقالات ذات صلة