ما كُشف هذه المرة، لا يشبِهُ أيَّ كشف سابق، هو فضحية مدوية متناهية القبح والبشاعة لأنظمة العمالة العربية، بل سمّه طعنةً هي الأقبح في مسار الخيانة والانبطاح العربي غير الشعبي في مواجهة عدوُ الأمة والإنسان، العدو الصهيوني.
صلاح الدين بن علي-الخبر اليمني:
من ذا كان يتخيلّ وإن في أعمق تصورات الخيانة انحطاطاً أن تختار أنظمة العمالة العربية مع سبق الإسرار والترصد والقصدية أيام الطوفان الأعظم، طوفان التحرير الأكبر للأقصى، موعداً لضرب الأمة في الخاصرة مصطفةً في الدبلوماسية والبارود على حدٍّ سواء إلى جوار العدو الإسرائيلي في حرب إبادته الأوسع للشعب الفلسطيني الأعزل.
خيانة الأنظمة العربية للدم الفلسطيني وشرف الأمّة في حقبة الإبادة الإسرائيلية الأبشع للدم العربي المسلم في غزّة فجّر فضيحتها كتاب جديد أصدره الصحافي الأمريكي الشهير “بوب وود وارد” وفيه يروي رجل الصحافة الأمريكي المقرب من البيت الأبيض ومفجّرُ فضيحة “ووترغيت” تفاصيل صادمة كشفت عظيم الشراكة الاستراتيجية بين أنظمة الخيانة العربية والعدو الإسرائيلي.
في كتابه الذي حمل اسم “حرب” وثّق الصحافي الأمريكي المصدوم أغلب الظن من دناءة الخيانة التي عكفت زعامات الانبطاح العربي على هندستها وتلذذها محادثات سرية أماطت اللثام عن دعم عربي خفي للعدو الإسرائيلي ومستوىً مخيفاً من تبيعة أنظمة عربية بارزة لأمريكا شيطانِ العصر الأفظع.
يوثّق الكتاب الذي أثار ضجة عارمة في الأوساط العربية والدولية تفاصيل صادمة عن لقاءات جمعت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع عددٍ من الزعماء العرب عقب السابع من أكتوبر 2023 وهنا تبدأ الفضيحة الأوضح في مسار الخيانة الصادمة لدماء الشقيق الفلسطيني وحقه المشروع في الحياة والنضال.
يبدأ الكتاب بفضح عمالة ملك الأردن قائلاً إنه وفي يوم الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023، التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالملك الأردني عبد الله الثاني بعد زيارته إلى تلّ والذي قال لبلينكن صراحة إنه حذّر إسرائيل من حماس مطالباً إسرائيل بالقضاء على المقاومة الفلسطينية كما وأتبع هامساً في أذني بلينكن “إن هذا الأمر لا يستطيع قوله علناً خوفاً من ردّة فعل الشعب الأردني”.
لم تمر بضع ساعات على لقاء بلينكن بالملك الأردني حتى سافر إلى الدوحة للقاء أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني حيث طالب الوزير الأمريكي من قطر ضرورة طرد قيادات المقاومة الإسلامية من الدوحة وفي ذلك اللقاء وعد أمير دولة قطر بتحقق الطلب الأمريكي خلال الفترة القادمة.
بعدها استقل الوزير الأمريكي طائرته وفي طريقه للسعودية هبط بلينكن في البحرين وهناك التقى بالملك “حمد بن عيسى آل خليفة” وقد سمع منه نفس الكلام الذي سمعه في الأردن، حيث طالب ملك البحرين أيضا بالقضاء على حركة المقاومة الفلسطينية وبشكل عاجل.
لم يقض بلينكن ليلته في البحرين، بل سافر هو وفريقه إلى الرياض، فكانت تلك هي الدولة الرابعة التي يزورونها، وفي صباح اليوم التالي 14 أكتوبر/تشرين الأول، التقى بلينكن بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود حيث قالت السعودية للوزير الأمريكي إنه كان من الواجب على إسرائيل ألا تأمن المقاومة الفلسطينية مؤكّدةً أنها بنفسها أي السعودية حذّرت إسرائيل أكثر من مرة من حماس.
بعد لقاء وزير الخارجية السعودية، طار بلينكن إلى أبو ظبي للقاء رئيس الإمارات “محمد بن زايد” والذي كان الأشد تطرفا وخيانة بين كل القادة العرب الذين قابلهم، حيث أصر الإماراتي على عدم إيقاف العدوان على غزّة حتى استئصال حماس في غزة.
قال بن زايد للوزير الأمريكي صراحة إنه “يجب القضاء على المقاومة الفلسطينية” مؤكّداً أن الإمارات كانت قد حذّرت إسرائيل مراراً وتكراراً من المقاومة الفلسطينية.
أما المحطة الأخيرة لبلينكن قبل عودته لكيان العدو الصهيوني فكانت مصر حيث حصل الوزير الأمريكي من رئيس المخابرات المصرية العامة وقتئذ عبّاس كامل بعد لقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي على خرائط لأنفاق المقاومة الفلسطينية في غزّة قبل أن يطير بها بلينكن إلى كيان العدو الإسرائيلي ليبدأ العدو اجتياحه البري للقطاع المحاصر.
خيانة زعماء الانبطاح العربي لفلسطين المحتلة واصطفافهم إلى جوار العدو الإسرائيلي في هذه المعركة المفصلية لم يكن مستغرباً لدى كثيرين لكنّ ما أثار انتباه المتابعين هذه المرة وهو أن جرائم العدو الإسرائيلي ومجازره الوحشية بحق الشعب الفلسطيني تضاعف بعد هذه الجولة الماكوكية لوزير الخارجية الأمريكي غدت زعامات الانبطاح هذه شريكة ومحرضة على إبادة الشعب الفلسطيني.