المهندس سليم البطاينه*
تهجير وتوطين وتوسيع للحدود وتصحيح للخرائط! وادفع لكي تبقى على كُرسيك!
واضح جداً ان الكثير من دول العالم لا تُشاطر ابتهاج وتفاؤل ملايين الأمريكيين لعودة ترامب إلى البيت الأبيض! فثمة دول وكيانات تنظر بحذر وتوجُسٌ وخوف! ومصدر الخوف هو الدخول في مرحلة اللايقين التي ستستمر أربع سنوات، والخوف هنا ليس على العرب فقط الذين سيكونون العنصر الأضعف في المعادلات القادمة بل للعالم أجمع! فهناك من يرى ان عودته ليست بالمسألة السهلة، بل تستدعي تأملاً وأستدعاء الفكر السياسي المُغيب والمُبعد لقراءة الواقع الجديد للتنبؤ بالقادم.
الوضع في الشرق الأوسط وصل لقمة الجنون! ولا احد يستطيع تفكيك وفهم حالة المنطقة والإقليم إلا من هو مُصاب بمرض الجنون والهستيريا! وقد نُفاجأ بما لا نتوقع مع عودة الرئيس دونالد ترامب الى البيت الأبيض مجدداً! فهي المرة الأولى التي يُعاد فيها أنتخاب رئيس أمريكي منذ القرن التاسع عشر بعد فشله في خلافته!
الحقيقة أصبحت أكثر إلحاحاً من الجدل! وفوزه بولاية ثانية يُعد مصدر قلق لكثير من الحكام العرب، الذين ليس بمقدورهم الوقوف حيال قراراته ومشاريعه المفاجئة، أخطرها ما تحدث به مستشار حملته الانتخابية Jason Miller في برنامج Today على قناة NBC الإخبارية الأمريكية : أن الولايات المتحدة الأمريكية دفعت من أموال دافعي الضرائب في أمريكا خلال ال ٢٥ الماضية في الشرق الأوسط أكثر من ( ٧ تريليونات دولار! ) وعلى الدول الثرية هناك دفعها لنا!!
ما أشبه الليلة بالبارحة عندما تتشابه الاحداث ، وعندما يكرر التاريخ نفسه مرة أخرى!
العالم اليوم بدأ فعلياً بجرد حسابات الربح والخسارة من عودته! وهذا ما سيتّضُح قريباً من خلال دور ( السوسيولوجيا المرئية واللفظية Visual & Verbal Socilogy ) في تحليل ورصد التحولات العميقة في كل اركان الأرض.
خططه القديمة لم تمت وما زالت قائمة ، وسيتم تحويلها الى سياسة واقعية وهي : الدفع مقابل الخدمات! وبيع السياسة الخارجية مقابل المال! وعلى مبدأ إقبل بما سنفرضه عليك لكي تبقى على عرشك وكُرسيك! رغم أن تلك السياسة الأمريكية لطالما كانت سابقاً غير معلنة ، ولا تُقال على الملأ! إلا أن ترامب فضحها وجعلها علانية.
بالتأكيد في أجندته الكثير فيما يخص العرب والمنطقة! أهمها : اعتراف العرب علانية وبشكل صريح بالحق التاريخيّ لليهود في أراضيهم التي لم يحدّدها! والشيء الآخر هو التوصل الى صفقة تاريخيّة بين إسرائيل والسعودية ومنح السعوديين فوائد كثيرة في المقابل، لان السعودية على حد رأيه مكسب سياسي تحتاجه الولايات المتحدة الأمريكية في ملفات دولية واقليمية، لامتلاكها مفاتيح ونفوذاً مالياً وسياسياً ودينياً قوياً يؤهلها لأداء دور اقليمي كبير ويعطيها الفرصة الذهبية لتغيير ديناميكية الوضع الخطير في المنطقة.
سيُحيي ترامب فكرة ناتو شرق أوسطي شبيه بحلف بغداد! تكون إسرائيل فيه رأس الحربة للهيمنة على المنطقة والإقليم، وسيدعو الى تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وفق خرائط نتنياهو ووفق التفسير الصهيوني التوراتي وتصورات المحافظين الجدد في أمريكا لإعادة رسم الجغرافيا الديموغرافية للمنطقة وتفتيتها لدول متأخرة! فقيرة ومتطرفة ستدفع الشعوب العربية ضريبته وفاتورة خسائره حيث لن تؤخذ فيه المصالح العربية المشتركة في الاعتبار!
الأكثر خطورة هو أن ترامب غير راضٍ عن صغر مساحة إسرائيل! وسيعمل على توسعة مساحتها بضم الضفة الغربية وإنشاء مستوطنات في شمال غزة وهذا يعني تهجير وتوطين الفلسطينيين خارج حدود الضفة الغربية وقطاع غزة.
من غير الواضح الى أي حد سيختلف ترامب السابق عن ترامب الحالي؟ لكن واضح انه بعد مرور أربع سنوات من غيابه عن البيت الأبيض أصبح يفهم أدوات السلطة بشكل أعمق من السابق! بما في ذلك اختياره للأشخاص المناسبين له لتعظيم قوته الشخصية، وتنفيذ رغباته الاستعراضية المتقلبة والمزاجية.
فأثناء ولايته الأولى 2016-2020 رأيناه صريح وجريء في المواقف التي تخص العقائد والأديان، ودائماً ما تعود التحرش بالمسلمين، ولطالما ردد سابقاً أن العرب يهاجمون أنفسهم قبل أن يهاجمهم الآخرون، فشاهدناه لا يحترم حلفاءه! ويعاقب كل من يخالفه، والأمر الذي يصدره لأي حاكم لا يحتاج أكثر من مكالمة هاتفية أو تغريدة لا يتجاوز عدد أحرفها مائة حرف.
رئيس مندفع غير تقليدي معروف بمزاجيته وطبيعته الانقسامية وعشقه للإثارة! شخصيته متفردة يصعب التنبؤ بقراراته، ويؤمن بفكرة السلام من خلال القوة، ويرى أن واشنطن هي القطب الأوحد! وهي قادرة على ترتيب العالم وفق رؤيتها! أو في الأحرى وفق رؤيته.
المفاجآت الصاعقة ستتوالى علينا دون ان يكون بمقدور احد التنبؤ بها، والعالم سيحبس انفاسه حتى نهاية عام 2028! والحلفاء العرب سيحاولون استرضاءه وسيقدمون له التنازلات للتعايش معه، وسيمارسون السياسة من موقع الحذر والخوف.
برأيي من المُبكر تصور شكل ادارته النهائية، ومعالم سياسته الداخلية والخارجية! لكن بمراجعة سريعة للتعينات التي أعلنها بمعقله بولاية فلوريدا ( Mar-a-Lago mansion ) في Palm Beach ( أهمّها تعيين Elon Musk مستشاراً لكفاءة الحكومة الامريكية، وتعيين Mike Walter مستشارا للأمن القومي و Elise Stefanik سفيرة لأمريكا في الأمم المتحدة و Michael Huckabee سفيرا في إسرائيل، واحتمال كبير أن يتم تعيين Mike Robbie وزيرا للخارجية ) نرى أنها تهدف لتفكيك الدولة العميقة في امريكا وتُشير إلى اتجاه السياسة الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط الأكثر فوضى! ممّا يعطي انطباع أن إسرائيل هي اولوية الاولويات وأن هؤلاء لديهم تاريخ شرس بالدفاع عن إسرائيل وعن مجازرها في فلسطين.
ما أسوقه هنا هو قراءة واستنتاج لمرحلة قادمة خطيرة من عدم اليقين! حُبلى بضغط هائل مفتوحة على احتمالات أقل ما يمكن أن يُقال عنها أنها مجنونة! ولحين استلامه مفاتيح البيت الأبيض ليس لدينا سوى الفُرجَة على ما سيحصل في الأربع سنوات المقبلة.
*كاتب أردني