لماذا عدن؟

اخترنا لك

محمد ناجي أحمد:

في كل تمدد استعماري باتجاه الشرق الأوسط، تكون عدن هي البوابة الجنوبية لهذا التمدد. فالبرتغاليون أرادوا الإستيلاء على عدن، لكنهم لاقوا مقاومة عنيفة أفشلت خططهم الإستعمارية، وشركة الهند الشرقية الهولاندية سعت لذلك، والاستعمار التركي في تنافسه مع البرتغاليين زحف نحو عدن، إلى أن جاء الإستعمار البريطاني كاستعمار بحري ورث هولاندا كنفوذ تجاري واستعماري، وبدأ في الاهتمام باليمن ابتداء من عام 1609م، حين أرسلت شركة الهند الشرقية البريطانية أولى رحلاتها إلى عدن والبحر الأحمر، وأسست أول وكالة تجارية وإقامة لها في المخا. وفي عام 1799م، احتلت جزيرة ميون، ثم سرعان ما تركتها بعد هزيمة نابليون في مصر؛ بفعل زوال الخطر الفرنسي وانعدام الماء في الجزيرة. وفي عام 1802م عقدت بريطانيا أول معاهدة لها مع السلطان العبدلي.
في كل مرة تهتم فيها بريطانيا فيها بعدن، يكون هناك تحد يدفعها إلى ذلك الإهتمام، إما الفرنسيون ومحمد علي باشا أو الأمريكان أو الروس. فما هو التحدي الذي يدفع الولايات المتحدة الأمريكية ووصيفتها بريطانيا للسيطرة على عدن من خلال بيادقها الخليجية في زمننا هذا؟ هل هناك تنافس استعماري في البحر الأحمر وعدن يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على المخا وعدن؟
في عام 1833م، أراد الإنجليز شراء سقطرى لتكون محطة تموين، ولم يوفق هينس في ذلك، وحينها كان يقوم بمسح للساحل الجنوبي للجزيرة العربية. وبسبب تحرك محمد علي باشا صوب اليمن في سياق حربه مع الوهابية، ومد نفوذه إلى سواحل البحر الأحمر، عجّلت بريطانيا باحتلال عدن عام 1839م. يوضح خطاب حاكم بومباي الذي وجهه إلى مجلس شركة الهند الشرقية، والمؤرخ بـ27 فبراير 1838م أهمية أن تكون عدن تحت السيطرة البريطانية: «إن عدن بالنسبة لنا لا تقدر بثمن. فهي تصلح كمخزن للفحم طيلة فصول السنة، ويمكن أن تكون ملتقى عاماً للسفن المستخدِمة طريق البحر الأحمر، وقاعدة عسكرية قوية بواسطتها يمكننا أن نحمي ونستفيد من تجارة الخليج العربي والبحر الأحمر والساحل المصري المحاذي الغني بمنتوجاته. وعدن كجبل طارق، متى أصبحت تحت سيطرتنا فأيدينا ستكون صعبة المنال من البر والبحر. إنني أنظر إلى الموضوع بشمول وعمق أكثر. فهناك أمتان كبريان تتآمران علينا وتودان القضاء على نفوذنا في الشرق: الأولى روسيا القيصرية وتتجه نحونا من خلال إيران، والثانية فرنسا وهي آتية من خلال مصر، وحتى نتصدى لهذه التهديدات يتحتم على بريطانيا أن تعد لنفسها مراكز دفاعية خارج الحدود» (التاريخ العسكري لليمن – سلطان ناجي – ص14).

نحن إذاً على مشارف حرب استعمارية تتحرك فيها أمريكا لمواجهة ما تراه خطراً روسياً وصينياً وإيرانياً. فما أورده حاكم بومباي لشركة الهند الشرقية في عام 1838م يحدد التحديات التي تتخذ من عدن والمخا مراكز دفاعية وهجومية من أجل النفوذ التجاري. فهناك تشابك وترابط بين المصالح التجارية والنفوذ العسكري الإستعماري. إن أهمية عدن في كونها قاعدة للعمليات العسكرية لمنع أي قوة من السيطرة على هذا الموقع الإستراتيجي في البحر العربي والبحر الأحمر.
لقد جاء الإحتلال البريطاني كقوة بحرية على أنقاض النفوذ التجاري الهولاندي، وجاءت أمريكا لترث الإستعمار البريطاني بعد أن شاخ وأفلت شمسه. وكما صنعت بريطانيا في إماتة ميناء المخا في عام 1848م، وتنمية مستعمرة عدن في إطار المساحة الضيقة التي تجمعت فيها البنوك والشركات والمؤسسات الخادمة للاستعمار، ها هي دبي كموقع للشركات المتعددة الجنسيات تميت عدن ليبقى ميناء دبي هو الميناء التجاري الأكثر أهمية في المنطقة، ولا يبقى لعدن سوى وظيفتها الأمنية كموقع دفاعي وهجومي ضد روسيا وإيران والصين.
فمنذ الستينيات، أصبح لعدن أهمية خاصة في الاستراتيجية الدولية، فبريطانيا كانت تفكر بالبقاء الدائم فيها؛ وذلك لثلاثة عوامل ينقلها سلطان ناجي في كتابه آنف الذكر، نقلاً عن السير شارلس جونستون في كتابه «الرؤية من التواهي». أولها يتعلق بالاستراتيجية الدولية؛ فقد أصبحت لعدن أهمية استراتيجية ليس بالنسبة لبريطانيا فحسب وإنما للمعسكر الغربي بأسره. وثانيها يتعلق باستراتيجية البترول؛ فعدن أصبحت هي التي تحمي آبار البترول في الخليج. وثالثها يتعلق بالاستراتيجية المحلية؛ لأن القاعدة ستحمي حلفاء بريطانيا في المنطقة. فالبترول وحماية مستعمراتهم الإقتصادية في الخليج والسيطرة على العالم من خلال السيطرة الكاملة على الشرق الأوسط، كل ذلك يجعل من عدن ذات أهمية استراتيجية في هذا المشروع الإستعماري.
لقد كان انعدام التجانس السكاني الذي صنعه الإستعمار البريطاني في عدن وسيلة الإستعمار للبقاء. عمل هينس على استجلاب العمال والجنود من الهند ومن الصومال، وجعل عدد السكان اليمنيين ينخفض في مقابل الزيادة السكانية للأجانب، كسياسة تهنيد للمستعمرة، وهي السياسة التي أفشلها توافد أبناء الحجرية والبيضاء، والذي حافظ على يمنية وعروبة عدن. كل ذلك حتى لا تكون هناك انتفاضات داخلية ضد الإستعمار البريطاني. وكذلك حال القوى السياسية والعسكرية المتنافرة والمتصارعة في عدن هذه الأيام من سلفية و«إخوانية» وحراكية، تتحرك ضد بعضها وفقاً لإرادة السعودية والإمارات وقطر، والتي هي إرادة بالوكالة عن سيطرة الغرب على المنطقة.

العربي

 

الخبر اليمني/أقلام

أحدث العناوين

انفجارات في مدينة أصفهان الإيرانية..ماذا تقول الأخبار الأولية

تحديث: فوكس نيوز: مصدر أمريكي يؤكد الضربة الإسرائيلية داخل إيران، ويقول إن الولايات المتحدة لم تكن متورطة، وكان هناك إخطار...

مقالات ذات صلة