في اعتقادي، إن هناك علاقة بين كل من الإكراه والوطن، فعندما يغيب الإكراه يكون هناك وطن، وعندما يحضر الإكراه يغيب الوطن، وإن تعريف الوطن يعتمد على تعريف الإكراه… فالإكراه هو عكس التراضي والتوافق.
فعندما يعطي شخص أو أسرة أو جماعة أو حزب أو حركة أو قبيلة أو مؤسسة لنفسها أن تحدد العلاقات التي بجب أن تسود بين مجموعة من الناس تعيش في رقعة من الأرض، فإن ذلك هو الإكراه بعينه.
فإذا تم القبول بالإكراه كطريقة لبناء الوطن، فلن ينتج عنه سوى إلغاء لإنسانية الإنسان الذي يعيش تحت سلطة قامت على الإكراه.
فوسائل الإكراه تتمثل في مصادرة حق الاختيار، وتخضع الناس للطاعة العمياء وتبرر القتل والتعذيب والعنف بكل أشكاله و مصادره، ويترتب على ذلك القبول بالعيش في الجحيم في الدنيا والآخرة.
إن الوطن هو العيش المشترك بين مجموعة من الناس يعتمد على التراضي، والفرق بين الإكراه والتراضي هو أن التراضي ينبع من المشاركة من قبل الجميع وتقديم التنازلات من قبل الجميع.
فالإنسان لم يختر أبويه ولا مكان ولادته ولا زمانها، ولهذا فقد أعطي حقوقاً نتيجة لذلك، لا يحق لأحد أن يستخدم الإكراه لإجباره على التنازل عنها.
إذاً الوطن ظاهرة طبيعبة تعبر عن نفسها بنفسها، فلا تحتاج الى إكراه لفرضها، بل على العكس، فإن الإكراه يستخدم لانتزاع المواطنة، ولذلك كان الإكراه ظاهرة غير طبيعية وغير مقبولة، إلا في زعزعة الأوضاع من أجل تبريره.
لقد مثلت هذه المساحة من جنوب الجزيرة وطناً لمن يسكنها، ومنذ القدم، بدليل وجود الإشارة إلى ذلك في كل المراجع القديمة، لا شك إن ثبات العلاقات بين البشر الذين كانوا ولا يزالون يسكنون هذه الأرض على هذا النحو محكومة بالتراضي والقبول، ويجب أن يستمر كذلك إلى ما شاء الله.
كان الوطن اليمني يتفكك ولكنه لم ينفصل أبداً، وكانت تظهر كيانات مناطقية تتنازع عن من يمثل الهوية اليمنية، لكن هذه الكيانات ما أنظمت الى هويات غير يمنية، ولا ادعت إن لها هوية مستقلة.
وما يثبت ذلك إن هذه الكيانات المناطقية ظلت مفتوحة لكل اليمنين، وكانت تتحارب فيما بينها على أساس الهوية اليمنية.
نعم كان اليمن يتوحد ويتفكك لعدد من المرات خلال القرون الماضية، ولكنه ظل يتمسك بهويته وعندما كان يتوحد كان يزدهر ويكون له تاثير على محيطه، وعندما كان يتفكك كان يتحول إلى لقمة سائغة للطامعين، ولكن من الملفت للنظر إن اليمن لم يحتل كل أجزائه في وقت واحد، وفي حال حدوث ذلك كان يحتل من قبل عدد من الدول الطامعة بثرواته وموقعه الاستراتيجي.
أيها اليمنيون تنافسوا على الحفاظ على الهوية اليمنية، واجعلوها الإطار الجامع لكم، وفي هذه الحالة ستتخلصون من الإكراه الذي تمارسونه ضد بعضكم البعض ويمارسه الخارج عليكم جميعاً.
إنكم لا تحتاجون لاختراع أوطان متعددة لوطن واحد، وإنما تحتاجون للتعاون في بناء وطنكم الواحد الذي يحتاج اليكم وتحتاجون إليه.
يحتاج هذا الوطن أن يتحرر من وسائل الإكراه التي تمارسونها ضد بعضكم من أجل بناء أوطان لا وجود لها، وفي حال فرضها بالإكراه ستكون أسوأ من الوطن الحالي، وستسقط وقد تم تجريب ذلك في العصر الحديث.
كيف يمكن أن يتحرر بعض أجزاء اليمن من أبنائه ويسلم للخارج، ولو كان الخارج يحترم اليمنين لقبل بهم كشريك لهم، وإن قبل بذلك فلن يقبل بأي جزء لا كشريك ولا حتى وطن منقوص السيادة.
تخلوا عن الإكراه الذي تمارسونه ضد أنفسكم وتتوسلوا للخارج أن يمارسه ضدكم وستجدون أن اليمن يتسع لكم وبدون إكراه.
فالأوطان لا تبنى ويحافط عليها بالإكراه وإنما بالتراضي والتوافق… فهل أنتم فاعلون؟