إمرأة في تربة مالحة   (قصة انسانية)

اخترنا لك

تكممت الكلمات هربا من مواجهة شخصية الخالة (نورية محمد صغير) التي قرعت على أبواب الذاكرة بصوت معاتب لضمير الإنسان المتورك بحثا عن قيم الحضارة القادمة من الخواء والإنسانية المعدمة ..

الحديدة سفانة ناجي-الخبر اليمني:

إذا نظرت إليها ترى الشمس تدلي بشعاعها الدافئ الناقل للعيان بصمة  امرأة خارج حسابات المجتمع الذي يتهمها بأنها عورة وأنها بنصف عقل. ولا يحق لها ارتداء شيء سوى السواد  إلى أن تغيره لها الحياة بانفلاتها للأبيض..

مهمة نورية لا تختلف كثيرا عن مهمة رجل حديدي يكد ويزحف على الأيام والليالي ليوفر قوتا لمن يعول.

كان حظها عبثيا لتعيل أحد عشر ابنا وزوج معاق لا تجسر عيناه أن تلمع باتجاهها خجلا من رمي الحمل على عاتق امرأة هي أسطورة النضال في مجتمع  يكدس العلف ليأكله ليل نهار، ويمضغ معه قوت الجياع ويرفس نعمة تحريك الفكين بشره في صورة عبثية لتقليد الحيوانات الآكلة للحوم الضعفاء من صغار الأرانب.

تلتمس كل يوم العذر للشمس، لم تشرقين سريعا؟  فليرجع الليل لم يلتف جفني بعد.

في قصتها شيء من المعجزة، هذا ما يقوله كل من يسأل عنها من الرجال خاصة، لم يصدق أحد بأنها تعيل كل هؤلاء الأشخاص وحدها.، بجيدها النحيل ذاك وعيناها الغارقتان في صورة رغيف تقدمه لأبنائها وزوجها المقعد.

لم يكفها أنها تناهز الخمسين خريفا، بل زادتها الحرب انتكاسة مغلظة حيث صار ابنها (عبدالحكيم) في حالة مزرية نفسا وجسدا إثر إصابته بشظية بترت يده وبترت معها ما تبقى من أمل لوجود معيل آخر للعائلة وكأن الحدث هذا قطع على نورية الطريق في أخذ قسط من العون من فلذة كبدها

وسرعان ما انتهج العبث طريقه إلى دارها المحملة بأرواح مكدسة تمد  أيادي الحاجة فوق قصاصات الفقر والجوع والحرمان من أدنى مقومات الحياة..

في حطام الإنسانية المحروق نصف وجهه، المبتور شقه الأيمن عن قلق، تجد القصص متسعا ضيقا لتصير حبرا على ورق، ويجف الضمير كلما بدت له قصة هي أنكى من أختها، يذوب بريق العينين كلما التقت بمشهد أعظم من سابق له.

ما زال طيف ابتسامتها يلوح في مخيلتي ويسبح في أعماقي، كأنه لم تكن بها كل تلك الصعاب.

ابتسامتها تغلف الوجوه الذائبة في الوحل، وترهق الفكرة الدائبة بأن امرأة عظيمة تقطن بين الرجال وتقنع الزمان بضرورة العدل،

وتصفق الباب بقوة بوجه الهباء والفكر المعوق بكلتا أذنيه العاريتين عن سماع الألحان الدائخة من عورة المجتمع.

أحدث العناوين

أمريكا “الديمقراطية” تواجه المتظاهرين بالقناصة والمروحيات

أسقطت غزة ما تبقى من الشعارات الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي لطالما اتخذتها واشنطن ذريعة للتدخل في الشؤون...

مقالات ذات صلة