كيف تشكل اليمن الحالي وماهو الدور البريطاني

اخترنا لك

 

كتاب تقسيم اليمن بصمات بريطانية للباحث عبدالله بن عامر:

حاولت بريطانيا إبقاء الجزيرة العربية تحت نفوذها وبالتالي إخراجها من التفاهمات مع بقية شركاء الحرب الى جانبها  (جون بولدي العمليات البحرية البريطانية ضد اليمن ص 85)

 

 

 

اتسمت السياسية البريطانية في الجزيرة بالإزدواجية (ولينكسون حدود الجزيرة العربية الدور البريطاني ص 39) فعندما شعرت بريطانيا بضرورة التخلص من الملك حسين في الحجاز الذي يطالبها باستمرار في تنفيذ تعهداتها بشأن المملكة العربية (د.يونان لبيب موقف بريطانيا من الوحدة العربية ص 66) منحت ابن سعود الضوء الأخضر لضم الحجاز الى مملكته (اليكسي فاسيلييف تاريخ العربية السعودية ص 344) ومن ثم ضغطت على الادريسي في عسير تهامة لطلب حماية ابن سعود خشية أن تصل قوات الامام يحيى الى جيزان وبالتالي أصبحت كلاً من الحجاز وعسير تهامة ضمن المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها في 1926م.

وهكذا عملت بريطانيا على السماح لـ عبدالعزيز بالتوسع وهذا خلافاً للسياسة المعتمدة التي كانت تقتضي تقسيم الجزيرة الى عدة دويلات وإمارات إلا أن ابن سعود اثبت اخلاصه الكامل لبريطانيا ما دفعها الى استخدامه للتخلص من مناهضيها فدفعت بالملك النجدي نحو عسير من اجل الاصطدام بالإمام يحيى , وعلى ضوء ذلك الدور كان ابن سعود يحقق مكاسب على الأرض من خلال التوسع في مناطق تسمح بريطانيا بضمها الى مملكته وهو ما لم تسمح به للإمام يحيى الذي كان متحمساً لحقوق اليمن التاريخية “لكن وضع الإمام لا يسمح له بفعل شيء في هذا الأمر حيث لم يوقع إتفاقية صداقة مع بريطانيا” (ولينكسون حدود الجزيرة العربية الدور البريطاني ص 201) وسنتعرف على ذلك في الفصول القادمة وكيف أن بريطانيا ساهمت في تكوين اليمن الحالي من خلال فصل عسير ونجران وجيزان عن الجسد اليمني وكذلك فصل ظفار ناهيك عن محاولات تقسيم اليمن الحالي الى شمال وجنوب وتقسيم الجنوب الى محميات شرقية ومحميات غربية وتقسيم المحميات الشرقية الى عدة مشيخات وسلطنات وكذلك المحميات الغربية ناهيك عن مشروع احتلال تعز وتأسيس مستعمرة الساحل الغربي.

كانت الخارجية البريطانية قد قررت استخدام الخطين الأزرق والبنفسجي اذا اقتضت الضرورة كحدود للمملكة السعودية في 1932م وقامت بتثبت الخطين بعد ذلك إلا انها تراجعت اثناء المفاوضات مع ابن سعود لاسيما فيما يتعلق بالخط الأزرق الذي يحدد الحدود بين السعودية وامارات الخليج وهكذا تمكنت السعودية من التوسع نحو ما يعرف اليوم بالامارات وقطر وعمان بعد ان كانت قد تمكنت من ضم أراضي تابعة للكويت في وقت سابق بموافقة بريطانية , ففي مفاوضات العقير 1922م وبخ المندوب السامي بيرسي كوكس سلطان نجد عبدالعزيز بن سعود وبحسب من قام بالترجمة وهو ديكسون فقد رأى كوكس الى تصرفات ابن سعود بانها صبيانية ثم سارع ابن سعود للاعتذار ووصف كوكس بأنه بمثابة أبيه وأمه اللذين انجباه ورفعاه من الحضيض الى مقامه الحالي وأنه مستعد للتنازل عن نصف مملكته بل عن كلها اذا أمر السير بيرسي كوكس بذلك وحينها أخذ كوكس قلماً أحمر ورسم على خارطة الحدود من الخليج الى شرقي الأردن وبعد ذلك طلب ابن سعود لقاء كوكس على انفراد ثم قال له لقد حرمتموني نصف مملكتي من الأفضل ان تأخذوها كلها وتسمحوا لي بالاستقالة وحينها اجهش ابن سعود بالبكاء فتأثر كوكس وقال له سأعطيك ثلثي أراضي الكويت (اليكسي فاسيلييف تاريخ العربية السعودية من القرن الثامن عشر حتى نهاية القرن العشرين ص 336) وهكذا حافظت بريطانيا على بقاء امارات الخليج من الكويت حتى عمان بعد ان سمحت للسعودية للتوسع على حساب الكويت والى حد ما قطر وما يعرف اليوم بالامارات العربية وكذلك سلطنة عمان وكان أكبر توسع جغرافي حققته السعودية بدعم بريطاني على حساب اليمن من خلال ضم أراضي واسعة من الربع الخالي حتى الوديعة والشرورة وجيزان ونجران وعسير وقررت بريطانيا كذلك ضم ظفار الى سلطنة عمان قبل أن تعمل على تكريس واقع تقسيم ما تبقى من اليمن الى شمال وجنوب ثم تعمل على تقسيم الشمال الى شمال الشمال وجنوب الشمال وكذلك تقسيم الجنوب الى مناطق شرقية ومناطق غربية وكل ذلك سنتعرف عليه في الفصول القادمة وكل ذلك يجعلنا نؤكد أن اليمن كان الأكثر ضرراً من بين دول المنطقة من مشاريع التقسيم والتفكيك البريطانية فقد خسر ما يعادل مساحته الحالية بل وأكثر من ذلك ولعل أسباب التوجه البريطاني نحو الحاق الضرر باليمن من خلال تقسيمه وتفكيكه وتفتيته :

  • اليمن مركز الثقل الديمغرافي بالجزيرة العربية وبقائه موحداً يجعله القوة المهيمنه على الجزيرة العربية وحينها لن تضمن بريطانيا بقاء اليمن تحت نفوذها لامتلاكه كل عوامل القوة من بشر وأرض وثروات وموقع وبحر وإرث تاريخي وحضاري.
  • الإمام يحيى رفض الخضوع للشروط البريطانية ولم يقبل بالتنازل عن عدن والمحميات رغم العروض البريطانية منها السماح له باستعادة عسير اذا تنازل عن عدن , وفي الحقيقة أن لبريطانيا تجربة مع الائمة منذ الامام المنصور بالله علي الذي رفض منحها امتيازات عسكرية نهاية القرن الثامن عشر (د. سيد مصطفى سالم نصوص يمنية عن الحملة الفرنسية على مصر 1798م مركز الدراسات والبحوث الطبعة الثانية 1989م ص  76 وجميلة هادي الرجوي محمد علي واليمن 1818م – 1841م ص 29 و الشوكاني رسائل الشوكاني تحقيق صالح رمضان ص 78-87) فاتجهت الى سلطان لحج وعقدت معه اتفاقية حماية في 1802م , وحاولت بريطانيا معاقبة صنعاء على رفضها الخضوع لها فاعتدت على الحديدة (لطف الله بن أحمد جحاف درر نحور الحور العين في سيرة الإمام المنصور تحقيق إبراهيم المقحفي ص 742) ودفعت بالحملات الوهابية الى التوسع في تهامة  وفي 1820م اعتدت بريطانيا بالقصف والتدمير على ميناء المخا وحاولت احتلاله قبل ان تتمكن المقاومة اليمنية من التصدي لتلك المحاولة (سلطان القاسمي الاحتلال البريطاني لعدن ص 94)  وهددت بريطانيا الامام المهدي عبدالله بالقوة العسكرية إن لم يخضع لها  (جميلة هادي الرجوي محمد علي واليمن 1818م – 1841م ص 127)
  • لن تتمكن بريطانيا من اليمن إلا عندما يكون مُقسماً ومفككاً وهذه القناعة ترسخت منذ أول علاقة يمنية بريطانية ويؤكد إيل ماكرو أن التقارير البريطانية كانت تشير الى إمكانية احتلال عدن وبناء ميناء فيها لاسيما وسلطنة لحج مستقلة عن اليمن (ايل ماكرو اليمن والغرب ص 96) بمعنى أن خروج لحج عن الدولة المركزية اليمنية وقتها سيسهل عملية احتلال عدن فمعاهدة 1802م كانت مقدمة لاحتلال عدن (أحمد بن فضل العبدلي هدية الزمن ص 124 و د. رياض محمد الصفواني موقف العلماء اليمنيين من سياسة أئمة الدولة القاسمية 1635- 1872م ص 371)
  • كان لبريطانيا نظرة خاصة للقبائل اليمنية وتحديداً أبناء الهضبة الجبلية ورأت ضرورة عزلهم وحصارهم فنزعة الاستقلال لديهم لا يمكن القضاء عليها ولهذا فالحل في تقسيم اليمن بعد فصل أطرافه عنه ومن ثم اعتبار اليمن عبارة عن المناطق الجبلية في شماله الغربي فقط.

 

 

يتبع في الحلقة القادمة..

أحدث العناوين

مجلة أمريكية: اليمن اتخذ خطوات قد تمثل مشكلة كبيرة للولايات المتحدة

قالت مجلة نيوزويك الأمريكية إن القوات المسلحة اليمنية في صنعاء والتي يطلق عليها الإعلام الغربي مصطلح الحوثيين، قامت بتوسيع...

مقالات ذات صلة