من وحي قصة “ريان”

اخترنا لك

هيثم خزعل:

في دول الجنوب المفقرة والمنهوبة تجد الآلاف من القصص المأسوية ومحورها أطفال أو بالغون.
لجوء، أوبئة، مجاعات، فقر،…بحيث إنك تستطيع وبشكل دوري إن كنت روائيا أو مخرج أو منتج أن تكتب أو تؤلف عشرات القصص والأفلام التي تستثير المشاعر الإنسانية.
جرت العادة أن ينتقي صناع الأفلام والمؤسسات الإعلامية ما يناسبهم من هذه المآسي وأن يوظفوها في سياق سياسي يهدف للترويج لأجندتهم. قد ينتج عن حدث سياسي ضخم كتفكيك وتدمير يوغوسلافيا عشرات الأفلام والروايات والمقالات عن وحشية الصرب والمجازر التي تعرض لها مسلمو البوسنة، أو عن تدمير الدولة السورية من قبل الدول الغربية لمشاريع تتعلق بالسيطرة على إمدادات الغاز في العالم أفلاما عن وحشية النظام القاتل، وعن حاجة الغرب الصناعي لترميم بنيته الديموغرافية الهرمة أفلاما ووثائقيات عن الهجرة عبر قوارب الموت..وهكذا، يتم تغليف حروب النهب والتدمير الغربية بإنتاجات درامية تجعل من أساس العدوان الإمبريالي الوحشي حدثا عابرا وقضية هامشية قياسا بالقضية المحورية التي تتحول إلى حقوق المرأة في أفغانستان مثلا واضطهاد الإيغور أو مجازر بورما. يصبح احتلال وسط آسيا مثلا أو حصار الصين في بحرها الجنوبي أو تطويق روسيا عبارات صعبة الفهم لأنها تخاطب عقل المتلقي، فيما الخطاب الإنسانوي السطحي المرافق لهذه الأحداث الناظمة لشؤون العالم سهل التسرب إلى ذهن الناس لأنه يحمل على متن سلم قيمي يحاكي عواطفهم.
كان الاستعمار الأوروبي فجا وهو لم يحتاج إلى أوهام يبيعها للناس للتسويق لنفسه بل احتاج للحديد والبارود، فيما تنشر الولايات المتحدة خرابها في ظل سيطرة شبه مطلقة على الإعلام وصناعة الميديا والمنصات والعالم الرقمي تمكنها من استعمار قلوب الناس وعقولها في ظل فعالية الخطاب الذي يرافق صواريخ طائراتها وبواريد مدافعها وتماهي ضحاياها معه واعتبارهم أن الامبراطورية ذات الخطاب الإنسانوي المعولم تقوم بمهمات خلاصية للبشرية.
المضحك أن كثيرين ممن يصنفون أنفسهم في خانة العداء للولايات المتحدة والهيمنة الغربية عموما هم أسرى الخطاب الأميركي والأفكار الأورومركزية بشكل غير واع.
في مثل هذا العالم الذي نعيش فيه تصبح غارة على سجن في صعدة تودي بحياة ٩٠ شخصا على الأقل حدثا عابرا يحدث فيما يكمل الناس يومياتهم بشكل اعتيادي، أما ما يستحق التعاطف واعتباره قضية كل شخص فهي فقط القضايا التي تقدمها الميديا. والميديا يمتلكها أصحاب الثروة والقوة في هذا العالم.

 

نقلا عن حساب الكاتب على فيسبوك

أحدث العناوين

صنعاء| كيف كان المشهد في ميدان السبعين في أول مسيرة جماهيرية بعد رمضان

تحت الأمطار الغزيرة، خرجت مسيرات حاشدة في العاصمة صنعاء وعدة محافظات يمنية أخرى، تأكيدا لاستمرار الدعم اليمني للشعب الفلسطيني،...

مقالات ذات صلة