أسباب التَّهافت الأمريكي نحو “تمديد الهدنة”

اخترنا لك

في ضيافة “روسيا” ومنذ قرابة شهرين تقريباً ، أدلى رئيس الوفد الوطني المفاوض وناطق حركة “أنصار الله” اليمنية “محمد عبدالسلام” بتصريحات شديدة اللهجة “أنذر” من خلالها التحالف السعودي والقوى الدولية الأخرى المنخرطة وغير المنخرطة في الحرب على اليمن ، من مغبّة الذهاب إلى تصعيد عسكري “فُرض على صنعاء” ، في تلك الليلة العصيبة 11 آب/أغسطس 2022 كانت الهدنة الأممية المعلنة في اليمن تختنق أكثر، فيما العالم يعيش نُذر أزمة خانقة في الطاقة و”البيت الأبيض” ينتحب إمدادات النفط الروسي ويرهب ضربة يمنية لاحت وشيكة لـ “أرامكو”.

صلاح محمد – الخبر اليمني:

وبصريح العبارة ليلة إذ قال “عبد السلام” النازل ضيفاً رفيعاً على “بوروسياتين” بطلب رسمي من “الكرميلن” إنه “إذا فشلت الهدنة سنضطر للذهاب إلى تصعيد عسكري فرض علينا وستكون معطياته أكبر” وأشار بصرامة إلى العروض العسكرية اليمنية والخطاب السياسي في صنعاء بوصفه “يؤكد المضي في التحشيد وإعلان الجهوزية لمواجهة أي تطور وأي فشل للهدنة”.

هذه الرسالة المزهوة بتجلي مظاهر القوة العسكرية اليمنية وتوددٍ “روسي” منكشف نحو “صنعاء” بغية إعادة تشكيل تحالفات ” ” في الشرق الأوسط دفعت “الإدارة الأمريكية” للتحرك سريعاً والضغط داخلياً وخارجياً نحو تمديد “الهدنة” وبأسرع وقت ممكن ، سريعاً حدث ذلك، فمُددت الهدنة لشهرين إضافيين وسريعاً انتهت عشيّة الثاني من أكتوبر الجاري ومنذ لحظة الانتهاء تلك وحتى اللحظة تستنفر “واشنطن” جهودها من جديد نحو تمديد آخر ، قُدم إعلامياً في شكل “عطية” لتخفيف الحرج واشتمل تنازلات أمريكية لم ترضِ قناعات “صنعاء” المدافعة عن استحقاقات اليمنيين كما يؤكّد صُناع قرارها.

والحقيقة أنه منذ لحظة الرفض اليمني هذا وإلى الآن تدأب الولايات المتّحدة الأمريكية عبر وزير خارجيتها “أنتوني بلينكن” في زياراته الأخيرة للمنطقة ، وكذا عبر المبعوث الأمريكي إلى اليمن “تيم ليندر كينغ”، تدأب على تكثيف تحركاتها الدبلوماسية رفقة لاعبين دوليين – أبرزهم بريطانيا – لتمديد الهدنة في اليمن عبر البوابة “العمانية” و”الأردنية” ما يضع المتتبع أمام تساؤلات تسعى جلّها لفهم مسببات هذا التهافت الأمريكي لوقف حربٍ هي أوّل المتهمين بإشعال جذوتها.

ولعلّ “الإدارة الأمريكية” الغارقة في مستنقع “أزمة الطاقة العالمية” والمقبلة على حسابات السباق الانتخابي “المأزوم شعبياً” بـ “وعود بايدن الخادعة” تُجاه ملف الحرب السعودية على اليمن، تدرك تأثيرات تصعيد جديد في مشهد الحرب الدائرة في البلاد منذ ثمان سنوات ، وهو تصعيد تقول صنعاء عنه “إنه ممكن وحاصل في أي وقت”.

إن مخاوف “الإدارة الأمريكية” يمكن رصدها أيضاً بقراءة سريعة لرسائل تصاعد القوة العسكرية اليمنية وكذا اندفاع “المعسكر الشرقي” لإعادة ترتيب تحالفاته في الشرق الأوسط حيث أثبتت الزيارة اليمنية الأخيرة إلى “موسكو” أن عاصمة الثلج تثق كثيرا بالحليف اليمني “الأقدم” القادم بوجه ثائر ضد المشاريع الأمريكية في المنطقة وصاحب الثأر مع حلفاء “واشنطن” في الخليج – خليج الطاقة.

فطوال الفترة الماضية كانت الإدارة الأمريكية المنخرطة بشكل مباشر في الحرب على اليمن – تعي صنعاء ذلك على أقل تقدير – تقايض الملفات الإنسانية الملحة كالمرتبات ورفع الحصار الخانق المفروض على الموانئ والمطارات اليمنية لدفع صنعاء نحو القبول بتمديد جديد وأكبر للهدنة التي لم يلمس اليمنيون حتى اللحظة ثمارها الحقة، وفي ذلك “همّ شعبي” تقول صنعاء إنها تحمله.

ولعل الموقف السياسي في “صنعاء” طوال الفترة الماضية قد استطاع ترويض “الهواجس الأمريكية” وتوجيهها في سياقات تخدم ملفات هامة تسعى صنعاء لتحقيقها من خلال الهدنة وفي مقدمتها استحقاقات المرتبات ورفع الحصار وهي المطالب الشعبية التي تشكلِّ توافقاً شعبياً يمنياً على كلِّ حال.

فالولايات المتّحدة الأمريكية التي عجزت عن حماية المنشآت النفطية العملاقة في السعودية من صواريخ صنعاء تدرك تماماً حقيقة مقدرة “صاروخ يمني واحد” يُطلق باتّجاه أرامكو أو أي حقلٍ من حقول النفط والغاز في بلدان الخليج المنخرطة في الحرب على اليمن سيضاعف من مأزق الولايات المتحدة الأمريكية في زيادة الانتاج النفطي العالم لتعويض إمدادات الطاقة الروسية.

والحقيقة أن مأزق الطاقة الأمريكي الذي أجادت صنعاء ترويضه منكشف للعالم بشواهد الإعلام الغربي نفسه  إذ كانت قد أكّدت وكالة “رويترز – الثلاثاء، 13 أيلول/سبتمبر 2022 ” ” في تقرير أثار ضجة في سوق الطاقة “أن المخزون النفطي الأمريكي في الاحتياطي البترولي الاستراتيجي سجل أدنى مستوى منذ1984”.

ورغم صبغ الإدارة الأمريكية هذه التحركات التي تأتي عبر مبعوث واشنطن إلى اليمن “تيم لندر كينغ” كالعادة بصبغات إنسانية إلا أن الدافع الحقيقي لهذه التحركات هو مأزق “الطاقة العالمية”.

مأزقٌ أكّدته وكالة “بلومبرغ” الأمريكية في ذات اليوم موضحة أن” الولايات المتحدة لن تبدأ في إعادة ملء مخزون الطوارئ الاحتياطي النفطية لديها إلا حين تنخفض أسعار الخام دون 80 دولاراً للبرميل”.

وفي تأكيد ثالث على مأزق الإدارة الأمريكية أكّدت “وكالة معلومات الطاقة الأميركية – هيئة حكومية أمريكية” خلال الأسابيع القليلة الماضية “تراجع مخزونات النفط التجارية في الولايات المتحدة فيما سجل مخزون البنزين زيادة أكبر من المتوقع وسط ضعف في الطلب” وبيّنت أن “مخزونات الخام هبطت إلى 446 ألف برميل وفي 15 تموز/يوليو إلى 426.6 مليون برميل” في واحدة من أسوأ حالات الهبوط في تاريخ البلاد.

وليس هاجس الطاقة هو المحرك الوحيد لهذا الاندفاع الأمريكي نحو تمديد الهدنة كما أشرنا سابقاً ، بل إن الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس “جوزيف بايدن” تعي مدى تأثيرات استمرارية الحرب في اليمن على حسابات السباق الرئاسي الجديد المقرر إجراؤه يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 ، فـ “بادين” رفع شعار “وقف الحرب السعودية على اليمن” كإحدى مرتكزات برنامجه الانتخابي من جهة ، وحملته الدعائية الانتخابية خلال انتخابات عام 2020 من جهة أخرى يدرك مدى امتعاض الرأي العام الأمريكي من تحايل إدارته الديمقراطية على هذا الوعد “الأساس” لكسب ودِّ الناخب الأمريكي وقتها.

ولعلّ تخّوفات إدارة بايدن السابقة لا تمثّل شيئاً أمام حقيقة تصاعد القدرات العسكرية اليمنية وتأكيد “القوات المسلحة اليمنية” في صنعاء إمكانية تفعيلها في أي وقت في سبيل وقف الحرب على اليمن ، إذ كانت مراكز الرصد الأمريكي تتابع وتحلل رسائل “وشفرات” العروض العسكرية التي اشتعلت بها المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرة “المجلس السياسي” وكذا تأكيدات قياداته السياسية والعسكرية في صنعاء.

ومما يضاعف المأزق الأمريكي الغربي في الحرب على اليمن أيضاً تلك الرسالة الحساسة التي حملها “اللقاء الرفيع” بين وفد “صنعاء للمشاورات السياسية” مع الممثل الخاص لـ “بوتين” نائب وزير الخارجية “ميخائيل بوغدانوف” والتي اعتبرها متابعون بمثابة رسالة “حساسة” موجهة للنظام الأمريكي تؤكّد بدء الروس اعادة خارطة تحالفاتهم في الشرق الأوسط من منطلق المصالح المتبادلة، حيثُ ما من حليف موثوق في عدائيته” للأمريكيين” أكثر من حركة “أنصار الله” المستأثرة بمعركة الدفاع عن اليمن في وجه حرب تقول عنها الحركة” إنها أمريكية” بالمقام الرئيسي وتكيل بالوعيد لـ “قرن الشيطان” كما تُحب الحركة أن تسمّي “واشنطن” فضلاً عن استعداد صيني مشابه.

وفيما يلوح “المأزق الأمريكي” جليّاً في الحرب على اليمن ومسار تمديد “الهدنة” التي باتت تمثل طوق نجاة ملّح لـ “واشنطن” لتحافظ على حسابات الاتّزان الإقليمي والداخلي ، تضع صنعاء قدماً على أخرى متأملة بشيء من الضحك والهزء تقافز “الصيد الأمريكي المذعور داخل الشبكة”، وتواصل الدفاع عن مطالب اليمنيين المتمثّلة بوقف الحرب ، ورفع الحصار ، وصرف مرتبات الشعب من شماله إلى جنوبه دون تفرقة ، والصواريخ دائماً في الخاصرة.

أحدث العناوين

أمريكا “الديمقراطية” تواجه المتظاهرين بالقناصة والمروحيات

أسقطت غزة ما تبقى من الشعارات الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي لطالما اتخذتها واشنطن ذريعة للتدخل في الشؤون...

مقالات ذات صلة