حقيقة يوم التأسيس وإلغاء دور محمد بن عبد الوهاب

اخترنا لك

عبدالله بن عامر:

في 22 شباط/فبراير الجاري، يحتفي أبناء نجد والحجاز والمناطق الخاضعة للسّلطة السعودية بيوم التأسيس، وسيتوجّب عليهم التّصديق بأنَّ تأسيس الدّولة السعودية الأولى يعود إلى 22 شباط/فبراير 1727م، وسيُطلب منهم بشكل غير مباشر عدم التطرّق إلى وهابية الدولة، وسيتولّى المهتمون بالتاريخ تقديم التعديلات المطلوبة بوصفها التاريخ الذي يُراد له أن يحلّ محلّ ما دوَّنه المؤرخون، بمن فيهم معاصرو بدايات الدولة، مثل ابن بشر وابن غنام وغيرهما.

المهتمّون بالتاريخ السّعودي هم أوّل من تفاجأ بالتأكيد بما أُعلن مؤخراً في السعودية، وبما يروج له من خلال المنظومة الإعلامية السعودية بشأن يوم التأسيس، إذ إنَّ تأسيس المشروع السعودي، كما هو معروف في أوساط الباحثين والمؤرخين، يعود إلى العام 1744م، وليس العام 1727م، وتحديداً عند أول لقاء جمع محمداً بن سعود ومحمداً بن عبد الوهاب؛ فالأول حتى تلك اللحظة لم يكن إلا حاكماً للدرعية بالمفهوم المشيخي، وضمن نظام قبلي عرفته نجد منذ مئات السنين، فكان وصول الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية، فاراً من منطقة العيينة، لحظةً فارقةً في تاريخ نجد، إذ شهدت الدرعية تأسيس المشروع الوهابي بتحالف بين الرجلين، شمل تفاهمات الحكم بجوانبه السياسية والاقتصادية والدينية والعسكرية والأمنية.

عند تلك اللحظة، بدأ المؤرخون، مثل ابن غنام وابن بشر، بتدوين بداية تاريخ الدولة السعودية، إلى درجة أن من يقرأ أحداث بدايات تلك الدولة، كما جاء في مؤلفات أولئك المؤرخين، سيجد حضور المُلا محمد بن عبد الوهاب – هذا ما كان يُطلق عليه حينها – وتأثيره في إدارة المشروع الذي بدأ بالتوسع باستخدام القوة المفرطة والخطاب الديني المتشدد ضمن رؤيته للواقع في تلك المرحلة، فبدأ بما أسماه محاربة الشرك والضلال، ودخلت نجد، ومن ثم مناطق أخرى من الجزيرة العربية، في دوامة من الصراع الذي طغت عليه دماء ضحايا السيوف الوهابية وأعمال نهب كلِّ ما ليس وهابياً وسلبه.

اليوم، تقوم السّلطة السّعودية بإعادة تقديم التاريخ بما يتفق مع توجّهها الجديد القائم على إحداث تغيير ثقافي اجتماعي، وهو ما عُرف بسياسة الانفتاح التي أدّت إلى انحسار نفوذ التيار الديني الَّذي كان يستند إلى الاتفاق التاريخي بين ركني المشروع السعودي، بني سعود وآل الشيخ، أي أحفاد محمد بن عبد الوهاب، غير أنَّ القرار الجديد المتعلّق بتأسيس الدولة السعودية يعمل على إقصاء الدور الَّذي أدّاه ابن عبد الوهاب في تأسيسها، بل وإدارتها، حتى وفاته في 1791م، إذ يقول مؤرخ سيرة محمد بن الوهاب ما يلي: “صارت الإمارة الكبرى، وهي إمارة الدين، لمحمد بن عبد الوهاب، وما يتبعها من مصالح الدنيا، كتدبير الحروب والمصالحة والعداوة، وما يرجع إلى آلة الحرب، وما يُتعلَّم لأجله” (حسن الريكي، “لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب”، تحقيق العثيمين، ص 80).

ويبدو أنَّ إلغاء دور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تأسيس الدّولة سيشمل كذلك عملية تعديلٍ على أحداث الدولة السعودية الأولى، ولا سيما ما يتعلّق بغزوات النهب والسلب، وما قامت عليه الحركة التوسعية السعودية من إرهاب الجميع بالمجازر التي طالت الآلاف من أبناء نجد، ومن ثم الحجاز، وكذلك الأحساء، وصولاً إلى مجازر العراق، وتحديداً الهجوم على كربلاء في 1802.

لقد تعاملت الوهابية مع أبناء الجزيرة العربية بوصفهم مشركين يتوجب عليهم إعلان إسلامهم مجدداً. على سبيل المثال، عندما وصلت الغزوات الوهابية إلى اليمن، وتحديداً إلى عسير تهامة، وقع العلامة عبد الرحمن بن حسن البهكلي في أسرهم في العام 1813، فطلبوا منه أن يعلن الشهادتين، وأن يعترف بأنه تلبَّس مع أبويه بالكفر (للمزيد: لطف الله جحاف، “درر نحور الحور العين”، تحقيق الرعوي، ص 787 – 788).

وقتها، مارس الوهابيّون جرائم أسر النساء والأطفال، وسلب الأموال، والاعتداء على كل من يخالفهم، وهدم المساجد، بما في ذلك مسجد زبيد (أمين أبو زيد، “الوهابية وخطرها على مستقبل اليمن السياسي”، ص 18).

لفتت الممارسات الوهابية انتباه مؤلّف كتاب “الوهابيون تاريخ ما أهمله التاريخ”، لويس دو، إذ قال إنَّ الوهابيين تعاملوا مع إخوانهم المسلمين كمشركين، وكانوا أكثر تساهلاً مع المسيحيين واليهود (ص 66).

ومما يثير الانتباه فعلاً أنَّ سعود، ورغبة في تحسين العلاقات مع إيران، أعاد إلى الشاه أحسن ما أُخذ من ضريح الحسين أثناء الهجمة العنيفة على كربلاء 1802م (د. منير العجلاني، “تاريخ البلاد العربية السعودية”، ج 3. عهد الإمام سعود الكبير، ص 32)، من دون أن يتخذ أيَّ موقف مماثل تجاه العراقيين أنفسهم، وهم الذين تعرضوا للقتل والنهب والسلب.

اليوم، ومن خلال متابعة الرسالة الإعلامية السعودية ضمن التهيئة ليوم التأسيس، يجري تقديم الدولة السعودية الأولى كمشروع توحيدي للجزيرة العربية، عمل على نقلها من فترة الفوضى إلى مرحلة من الأمن والاستقرار والازدهار.

ولعلَّ اللافت أنَّ هناك مؤرخين سعوديين تصدّوا لمشكلة كيفيّة تقديم التاريخ السعودي، كما يُراد له حالياً، وذلك من خلال التحايل على المزيد من الأحداث التاريخية والتحولات التي جرت في القرن الثامن عشر، ضمن محاولة تأكيد الشعارات المرفوعة اليوم عن التاريخ السعودي، بعيداً من غزوات النهب والسلب ومجازر الأحساء والعراق ونجد والحجاز.

 

مؤرخ وباحث-نائب مدير التوجيه المعنوي في صنعاء

أحدث العناوين

السلطات الأمريكية تواصل قمع الاحتجاجات الطلابية الداعمة لغزّة

اقتحمت شرطة ولاية تكساس، مزودة بمعدات ثقيلة شبه عسكرية، جامعة تكساس في أوستن، من أجل تفكيك مخيم طلابي تضامني...

مقالات ذات صلة