عن الكوبون التمويني

اخترنا لك

عبدالقادر حسين:

لقد أمست الأزمة الاقتصادية وانعدام الرواتب جامعًا لكل اليمنيين، وصار التجويع سوطًا يُجلد به كل أبناء الشعب دون استثناء، لكنها وبقدر فداحتها ليست قدرًا حتميًا ومصيرًا محسومًا، وبوسع اليمنيين التوحد من أجل الانتصار لجوعهم كما يوحدهم التجويع ذاته.

وعلى وقع الحرب المحتدمة بالجبهات، يواجه اليمنيون شبح التجويع الذي يزداد توحشه مع مرور الأيام، فقد نفدت مدخرات موظفي الدولة وتراكمت عليهم الديون، ويعجزون إثر توقف الرواتب لأكثر من سبعة أشهر عن توفير أبسط متطلبات الحياة لهم ولأسرهم، الأمر الذي يزيد حدة التوتر والمشكلات الاجتماعية، ولا جدية لدى حكومتي صنعاء وعدن في القيام بواجباتها وتخليص المواطن من أرق البحث عن لقمة العيش، ونجد أن المناصب الحكومية المتكاثرة بفعل الانقسام الناجم عن الحرب، معزولة تمامًا عن معاناة أبناء الشعب.

ورغم شحة ومحدودية الحلول التي تمنًّّ بها الحكومتين وتعتبرها بطولة وإنجاز عملاق تشتعل بتناوله وسائل الإعلام، تظل جعجعة لا طحين فيها يُشبع المواطن.

إن الحرب الدائرة في البلاد قلصت مطالب المواطن، وحصرتها في أدنى الحقوق المكفولة لدى المجتمعات الإنسانية، حتى صار المواطن يفكر بقوت يومه ومنشغلًا به عما سواه، ويترك مستقبل بلده وطموحاته عرضة للنهب والسلب من قبل تجار الحرب وطفيليو مؤسسات الدولة، الذين توفر لهم الحروب مرتعًا خصبًا وبيئة حاضنة للتناسل والتكاثر، وهذا يوفر ظرفًا سانحًا في سبيل تركيز رأس المال بيد ثلة احتكارية وخصخصة المؤسسات الخدمية التابعة للدولة.

وبالنظر إلى الحلول الحكومية بشأن الرواتب، فقد كانت البداية عقب نقل البنك المركزي إلى عدن لدى حكومة عدن، بأنها أوكلت مهمة تسليم رواتب موظفي الدولة لمصرف الكريمي، الأمر الذي قوض نشاط مؤسسة البريد الحكومية لصالح ازدهار مستثمري القطاع الخاص.

وعلى ذات النهج تسير حكومة صنعاء في تقويض مؤسسات الدولة وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للإنقضاض عليها، وتنصيبه بديلاً عن الدولة في تقديم خدمات تحدد جودتها عائداته وأرباحه، وبالتالي احتكار التجارة والمال بيد قلة تتوافق معها الحكومة، كاتفاق حكومة صنعاء مع مجموعة تجار على توفير مواد غذائية للموظفين مقابل مديونية آجلة تكفلها الدولة للتجار، وتسليم موظفي الدولة (50%) من رواتبهم بموجب الكوبون التمويني، الذي أقره مجلس النواب ضمن موازنة الحكومة بشأن أزمة الرواتب.

وبلفت النظر عن اضطرارية هذا القرار وأنه يأتي مع إلحاح حاجة المواطنين إلى الرواتب، فإنه لا يعد حلاً نجاحًا، ويحمل مشكلات اقتصادية عدة، يمتد تأثيرها إلى مستقبل وجود الدولة، وتماهيها مع رأس المال الاحتكاري والاستثمارات الربوية.

إذ أن حصر خدمة الكوبون التمويني على تجار معينين، يُلغي ميزة التنافس التجاري ويعزز الاحتكار، ما يجعل التاجر الذي يقبل التعامل بالكوبون التمويني يفرض زيادة سعرية على المواد الغذائية، بالإضافة إلى الأرباح الربوية التي يجنيها من وراء مديونيته للحكومة، فضلاً عن كون الكوبون التمويني عديم الجدوائية في عموم مناطق البلاد، حيث أن موظفي الأرياف لا يستطيعون الاستفادة منه، إلا في حالة واحدة وهي توسع فروع الشركات الخاصة إلى الأرياف، وتكون الحكومة بذلك قد وفرت فرصة ذهبية للاحتكاريين بالقضاء على صغار التجار، وحكر توفير المواد الغذائية على قلة من كبار التجار.

بالإضافة إلى تهديد القطاع العام عبر تراكم مديونية الدولة التي بلغت حتى يناير 2015 فقط، 7.2 مليارات دولار للخارج، في حين يشير خبراء إلى أن الدين الداخلي يفوق الدين الخارجي بثلاثة أضعاف، ومع تتضاعف فوائد الدين بمرور الزمن وعجز الدولة عن سداده، يقوم البنك المركزي ببيع أذون الخزانة العامة للمصارف المملوكة للتجار الاحتكاريين أنفسهم، وبالتالي تسيطر البرجوازية على أصول ثابتة تملكها الدولة.

إن الكوبون التمويني ليس حلاً لأزمة الرواتب، قدر ما هو حلحلة وتفكيك للقطاع العام لصالح البرجوازية الاحتكارية، وبوسع الحكومة حلول أخرى، كمحاربة الفساد المالي في مفاصل الدولة، وضبط الدورة المالية عبر محاربة السوق السوداء في النفط والعملات، كي تتوفر السيولة النقدية لسداد رواتب موظفي الدولة

 

الخبر اليمني

أحدث العناوين

انفجارات في مدينة أصفهان الإيرانية..ماذا تقول الأخبار الأولية

تحديث: فوكس نيوز: مصدر أمريكي يؤكد الضربة الإسرائيلية داخل إيران، ويقول إن الولايات المتحدة لم تكن متورطة، وكان هناك إخطار...

مقالات ذات صلة