الجديد في اليمن: عباهلة الحداثة، وأقيال المعاصرة!. ..

اخترنا لك

د.صادق القاضي:

عكس الأساطير القديمة: اليمنيون ليسو أصل العرب، وفيما يتعلق بموقع عروبتهم من حيث العرب العاربة والمستعربة، هم من العرب المستعربة، لأنهم ببساطة تعربوا (تكلموا بالعربية) فقط بعد الإسلام. هذه هي الحال أيضاً بالنسبة لعروبة شعوب العراق والشام ومصر وشمال إفريقيا.. كلهم كانوا قبل الإسلام يتكلمون لغات مختلفة عن عربية القرآن والشعر الجاهلي، بما تؤكده النقوش الأثرية المتحدرة من ذلك العهد، وإجماع علماء اللغة والتاريخ الحديث.

يعني هذا عفوياً أنه كان لليمن، قبل الإسلام، لغتها وحضارتها وثقافتها المختلفة عن عربية الشمال، وهي حقيقة يحاول حالياً بعض المثقفين اليمنيين، بحسن، أو ربما جزئيا بسوء نية، استثمارها أو استغلالها ضمن حراك ثقافي يدعو إلى إحياء القومية اليمنية القديمة، واستعادة الهوية اليمنية الأصيلة.

المحاولة نفسها، قام بها مصريون طموحون بالنسبة للقومية الفرعونية، خلال النصف الأول من القرن الماضي، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل هناك، ومن الطبيعي أن أيّ محاولة من هذا القبيل ستصطدم بحقيقتين كبيرتين: الأولى: استحالة الانسلاخ عن الثقافة العربية القائمة الآن، ومنذ دخول العربية والإسلام إلى أيٍّ من هذه البلدان. ا

لثانية: لا يتوفر الثراث اليمني القديم، ولا حتى التراث الفرعوني، على مقومات كافية لإقامة هوية قومية حديثة مستقلة ومحددة ومميزة تماماً على أساسه. ومع ذلك، يمكن تحت هذا العنوان غير العملي، القيام بمحاولة عملية ممكنة للثورة على تراث التخلف، بصناعة الاختلاف، وجعل التراث الفني والجمالي، والعقلي والاقتصادي والاجتماعي.. مكونا مهماً ضمن مكونات هوية حديثة معاصرة. بهذا المعنى،سيكون المقصود بالإحياء القومي اليمني استلهام الماضي خطوطا مبدئية عامة، تفيد عملياً في بلورة شخصية يمنية متميزة مجددا في الحاضر، كما كانت متميزة في الماضي، والتوجه للمستقبل بثقة وعصامية واستقلال، بعيدا عن التقليد والتبعية والاستلاب. على هذا الأساس، فإن إحياء القومية اليمنية أو المصرية القديمة، هي فكرة نظرية خلاقة.. بأبعاد ثقافية فكرية اجتماعية سياسية طموحة.

لكن المهم، شرطياً، تأكيد شيئين: الأول: أن يكون التوجه تجاوزاً عملياً للتراث الرجعي لعصر الانحطاط، في سياق حراك عقلي تقدمي يسعى لمستقبل مختلف، كما حدث في الغرب في عصر النهضة، بإحياء التراث الهيليني. الثاني: أن تمتلك المحاولة رؤية واقعية بعيدة المدى، وأهدافا استراتيجية لوطن يتسع للجميع، وأن لا تكون مناورة سياسية آنية، أو مناكفة فئوية عابرة. في أفضل تجلياتها، ستتجلى القومية اليمنية، باعتبارها شكلا أكثر نضجا ووعيا للوطنية، وجزءا من الحل، بحيث توفر في ظروف التناحر والتشرذم الراهنة عنصرا مشتركا لكل التباينات والأطراف تحت هوية ثقافية أصيلة وجامعة.

أما في أسوأ تجلياتها، فستتجلى كما في خطابات شائعة، جزءا من المشكلة، كدعوى عنصرية، تغذي النزعات والنزاعات العرقية والطائفية بإحياء الأحقاد التاريخية، واجترار أساطير قديمة عن القحطانية والعدنانية، والمتوردون من قريش، إلى آخر ذلك من السماجات المتهافتة!.

ستتضمن القضية بالضرورة نبذ هذه الأشكال السقيمة من الوعي والخطاب، والتي هي في العادة سبب فشل كل الأفكار النبيلة، كالخلط بين القومية والعنصرية، أو اعتبار القومية شرنقة نرجسية، ونزعة إقصائية، ومجابهةً للآخر والاختلاف، مع مسحة عرقية دميمة.!.

لمواجة ذلك يجب التأكيد منذ البدء، وباستمرار على أن إحياء القومية اليمنية القديمة ليس محاولة لإحياء ظواهر العباهلة والأقيال، بل ترسيخا لقيم المواطنة والمساواة والتحرر وقيم الحداثة والمعاصرة.

في كل حال، لم تعد دعوى العرق النقي، والحق العرقي، لائقة بالعقل والخطاب المعاصر، وفي المقابل تتأكد البديهيات المؤكدة بشأن المواطنة والقومية، فكل من عاش وتناسل في اليمن، هو يمني صميم، فالقومية والوطنية ليست ظواهر عرقية، بل ثقافية، وليست خنادق مواجهة، بل كما يُفترض، جسور تواصل بين الفئات والأزمنة والثقافات، قائمة على التنوع والتكافؤ والسيادة والاستقلال.

 

الخبر اليمني

أحدث العناوين

Ansar Allah leader reviews American and British failure in confronting Yemeni operations

On Thursday, Ansar Allah leader, Abdul-Malik Al-Houthi highlighted the American and British failure in their attempts to counter Yemeni...

مقالات ذات صلة