من آن فرانك في أمستردام، إلى عهد التميمي في فلسطين!

اخترنا لك

غادة السمان:

بطت من فندقي في أمستردام إلى الشارع المائي المجاور (القنال) وركبت (الباص ـ المركب) في طريقي إلى «الحديقة النباتية» الشهيرة واستفسرت من السائق عن أقرب محطة إلى «الحديقة» يتوقف فيها فقال لي محطة «آن فرانك».
كفضولية محترفة تحريت عن «آن فرانك» واكتشفت حين ذهبت مع رحلة سياحية تعرفنا بأهم معالم أمستردام أن إحدى زياراتنا هي إلى منزل «آن فرانك» وحتى قبل زيارة متحف الفنان الكبير فان غوغ!

آن فرانك رمز لحلب «بقرة الشفقة»

الكرّاس السياحي يُسهب في وصف القمع الذي تعرضت له وأسرتها كيهودية أيام هتلر. وعدت إلى قاموس «لاروس» الفرنسي الذي يتوخى الموضوعية قدر الإمكان ويقول عنها كلاماً معتدلاً خارج صناعة الرموز الإسرائيلية لحلب بقرة الشفقة على الضحية اليهودية (التي صارت تمارس اليوم في فلسطين ما كانت تمارسه عليها النازية) يقول معجم «اللاروس» الفرنسي عن آن فرانك ما ترجمته حرفياً:
«ولدت في فرانكفورت 1929 ـ مؤلفة مذكراتها الشهيرة عن بنت صغيرة ـ يهودية ألمانية هاجرت مع أسرتها إلى هولندا عام 1933 وتركت في مذكراتها 1942 ـ 1944 شهادة مؤثرة عن هرب اليهود وتشردهم أيام الهتلرية». أما الكرّاس السياحي فيزعم أنها بقيت مختبئة في هذا البيت بعد اعتقال أهلها وكتبت هذه المذكرات!
أتساءل فقط: ترى هل كتبت «آن فرانك» حقاً تلك المذكرات أم امتدت يد «حلب بقرة الإشفاق» على اليهود لتشذيبها وربما لإعادة كتابتها أو لكتابتها اصلاً؟ هذا مجرد سؤال لا مفر للمرء من طرحه أياً كانت جنسيته حيث يلحظ مدى خوف إسرائيل من الرموز الحقيقية غير المصطنعة، رموز الذين تم اضطهادهم في بلدهم فلسطين بأساليب مختلفة بلغت حدود المقايضة على تسليم جثامين الشهداء إلى أهلهم بعدما قتلتهم.. وتلك وضاعة تتجاوز كل حس إنساني نحو أم ثكلى مثلاً لا تريد أكثر من دفن ابنها الشاب الذي قتله جندي إسرائيلي بذريعة ما من المفترض انها (قانونية)!

إسرائيل: احتكار الرموز نصف المختلقة!

ضمن هذا الإطار نستطيع فهم مدى خوف الإعلام الإسرائيلي من عهد التميمي الطفلة/المراهقة (16 سنة).
إسرائيل (مقهورة) منها لعدة أسباب منها ان مظهرها يكاد يكون غربياً وليس (إسلامياً) تقليدياً كالصورة الظالمة التي رسمها الإعلام الغربي للمسلمة، أي انه لا يمكن استعمال سلاح (الاسلاموفوبيا) ضدها. ثم انها تتقن الإنكليزية!
إنها بنت فلسطينية جميلة بعينين ملونتين وشعر أشقر متمرد والأهم من ذلك كله (الذي يتوقف أمامه الإعلام الإسرائيلي): عهد مواطنة فلسطينية انفجرت في وجه جندي إسرائيلي اقتحم حرمة ساحة بيتها وذلك أمر لا بد وأن يحدث كل يوم للجنود الإسرائيليين. قلقت وسائل الإعلام الإسرائيلية بعدما تم اعتقالها وسجنها رهن المحاكمة. خافوا لأن عهد التميمي رمز حقيقي ليس في حاجة إلى تزوير إعلامي كما تم اعتقال بعض أفراد أسرتها ليمارسوا الضغط عليها (لترتدع) وتحسن استقبال جنود إسرائيل العدوانيين بفنجان قهوة مثلاً!!..
ولم تنجح تلك الخطة، بل أضاف ذلك إلى رمزها رموزاً أخرى من أسرتها، وذكّر الاعلام العالمي بآلاف المقاومين مثلها في فلسطين المحتلة.

كل فلسطيني مضطهد هو رمز حي

لقد طالعت باهتمام العديد من المقالات المترجمة إلى العربية التي كتبها إسرائيليون حول خوفهم من تحويل عهد التميمي إلى رمز، مثل جان دارك أو آن فرانك!
لقد نسوا أن فلسطين أرض الرموز الحية، والكاتب الإسرائيلي ميخال أهاروني مثلاً (إسرائيل اليوم ـ 25 ـ 1 ـ 18) يقول: «الطفلة ابنة 16 سنة تصفع جندياً تتحول إلى بطلة. يكفي صفع جندي لخلق بطلة». إنه يحاول تحجيمها!
لكنه نسي أن تلك الصفعة تحمل قهر عشرات السنين منذ احتلال فلسطين وانها بأصابع كل عربي.. صفعة بملايين الأصابع. ولكن إسرائيل مصممة على (فبركة) الحكايا على لسان الذين كانوا اطفالاً أيام (اوشويتز). الكبرياء الفلسطينية تأبى ذلك ولا تطالب بغير العدالة لشعب تم اغتصاب وطنه بذريعة ان فلسطين أرض بلا شعب واليهود شعب بلا أرض!! وفي فلسطين كل مقاوم «رمز» حي بلا قناع إعلامي!

الإمعان في قتل الفلسطينيين ولعب دور الضحية!

لا أعرف قاتلاً (يدمن) دور الضحية كإسرائيل. ثمة شعب يدافع عن أرضه ضد التشريد والظـــــلم واحـــــتلال البيوت والحقول ويواجه ما هو أكثر هولاً مما سبق ان تعرض له اليهـــــود في الزمــان الهتلري وحين قبلت منظمة التحرير الفلسطينية المناضلة بدولتين هما إسرائيل وفلسطين وتطاولت إسرائيل بتشجيع من ترامب على القدس/الرمز تذكرت المثل الشامي: «رضينا بالهمّ وما رضي بنا!»

غسان كنفاني وسميرة عزام: الذاكرة الفلسطينية

المبدعان الفلسطينيان غسان كنفاني وسميرة عزام كانا رائدين في إبقاء الذاكرة الفلسطينية متوقدة كما محمود درويش وسواهم. وأم عادل التي كان جارها الفنان الكاريكاتيري الفلسطيني ناجي العلي تتذكره بحنين ولا تنسى أنها صارت لاجئة في وطنها. واعتقد انه من المهم تدوين شهادات «أبناء النكبة» (1948) الذين مازالوا أحياء مثلها وذلك في مواجهة الدعاية الإسرائيلية التي صارت تخترع مذكرات الأطفال أيام هتلر.
الشعب الفلسطيني يرفض الشفقة لكنه يطالب بالعدالة.. ولن يرتدي قناع الضحية لأنه الضحية الحقيقية.. والمجال واسع لأديبات وأدباء شبان يذهبون إلى من بقي حياً من نكبة 1948 كأم عادل (83 سنة) ويدوّنون مذكراتهم كمنجم لقصائد ولروايات تنبثق منها في ما بعد من صدق المعاناة ونزف الجرح الفلسطيني الذي هو جرح عربي (من وجهة نظري على الأقل) وأجد في مآسينا وحروبنا الأهلية انزياحاً عن البوصلة العربية الأصيلة.

 

 

الخبر اليمني/أقلام

أحدث العناوين

اليمن: أحزاب اللقاء المشترك تبارك المرحلة الرابعة من التصعيد انتصاراً للشعب الفلسطيني

بارك أحزاب اللقاء المشترك في صنعاء، اليوم الجمعة، إعلان القوات المسلحة بدء تنفيذ المرحلة الرابعة من التصعيد انتصارا لمظلومية...

مقالات ذات صلة