رهانات المصالحة الاماراتية الصهيونية في مثلث الخليج والبحر الاحمر والقرن الافريقي

اخترنا لك

بادرت الامارات العربية المتحدة الى عرض السلام على الدولة العبرية من دون حرب، ومن دون تشاور مسبق مع السلطة الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني باعتراف عربي ودولي، ولم تعرض الامر على الجامعة العربية رغم ميل القوة الاساسية فيها الى تأييد المبادرة الامارتية.
ان لم يكن مشروع السلام الاماراتي الاسرائيلي مرتبطا بالقضية الفلسطينية أي في خدمتها فيجب ان تكون له اغراض اخرى وهي باعتقادي كثيرة. من بينها تدعيم موقع نتنياهو في الخارطة السياسية الاسرائيلية ودعم الحملة الانتخابية لترامب في الولايات المتحدة حامية اسرائيل في المؤسسات الدولية وفي اقليم الشرق الاوسط. ومن بين الاغراض ايضا الحصول على اسلحة امريكية وتعزيز موقع محمد بن زايد في خريطة الحكم في ابو ظبي. لكن هذه الاغراض وغيرها لا تختصر ولا تحد المبادرة الاماراتية التي يراد لها ان تؤسس لتغيير كبير في جيوبوليتيك الخليج والقرن الافريقي والبحر الاحمر. وللوقوف على هذا الجانب استأذن بالعودة قليلا الى العام الفائت.
فوجئ  اليمنيون في فبرايرـــــ شباط 2019 بوزير خارجية حكومتهم “الشرعية” خالد اليماني وهو يصافح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر وارسو الدولي، بل يقدم ميكروفونه لجاره الصهيوني الذي بادره قائلا “هذه فاتحة تعاون بين اسرائيل واليمن”. لاقت حركته استحسانا خليجيا وامريكيا ملفتا بدا معه ان اليماني حُشِرَ في “التاريخ” بوصفه الوزير اليمني الاول الذي يصافح مسؤولا اسرائيليا كبيرا.
كانت الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في ذلك المشهد كمن يأكل “الثوم” الصهيوني بفم اليماني الذي ينتمي لحكومة لا حول لها ولا قوة من دون الثنائي الخليجي الذي ربما اعتبر خلف الستار انه حقق انتصارا جديدا على اليمنيين عبر استخدامهم ورقة في العلاقات مع اسرائيل ونتيجة من نتائج الحرب على بلادهم.
فرح الثنائي الخليجي لن يدوم طويلا فقد اعلن خالد اليماني نفسه بعد ايام، إن ما حصل كان خطأ بروتوكوليا، ما يعني ان “الانتصار الاسرائيلي” والخليجي كان عابرا وان لا تطبيع يمنيا مع الدولة العبرية. بل سيقدم اليماني استقالته من “الحكومة الشرعية” بعد شهور اربعة من المصافحة وهو المسؤول الوحيد الذي يستقيل من حكومة مؤسسة على الولاء للثنائي السعودي ـــــــــ الاماراتي ولا ضوابط او قيود مبدئية تحكم مواقف عناصرها.
بينت استقالة اليماني ان الحرب على اليمن التي تنطوي على رهان امريكي واسرائيلي بجعل البحر الاحمر ومضيق باب المندب بيئة آمنة لإسرائيل و للملاحة الاسرائيلية المضمونة من قناة السويس حتى المحيط الهندي عبر المضيق اليمني..  بينت ان هذا الرهان ليس ميسرا. وسيتبين لاحقا من ردود الفعل على مشروع السلام الاماراتي ـــــــ الاسرائيلي ومن ضمنها تظاهرة عدن المناهضة للتطبيع، ان الثقافة السياسية اليمنية شمالا وجنوبا شرقا وغربا، لا تهضم مبادرات من هذا النوع، اقله في هذه المرحلة. ولو كان الامر ميسرا الى هذا الحد لربما قبل عبد ربه منصور هادي نفسه بزيارة القدس وتوقيع السلام مع اسرائيل لكنه يدرك ومعه المملكة العربية السعودية ان خطوة من هذا النوع قد تعزله كما عزلت وزير خارجيته وقد تُحوِّلُ حياته السياسية الى جحيم.
الامتناع اليمني عن السير بالاتجاه الاسرائيلي لا يلغي التصميم الاماراتي على إدارة الموانئ اليمنية بما يفيد الدولة العبرية ولعل الملاحة في البحر الاحمر هي  احد ابرز وجوه التطبيع الاماراتي الصهيوني. ولرسم ملامح هذا الوجه لابد من التذكير بمحطة مهمة في الصراع مع اسرائيل .
قبل خالد اليماني ، كان اليمن لاعبا اساسيا في الصراع مع اسرائيل سواء عبر افواج الفدائيين اليمنيين الذين قاتلوا الى جانب الثورة الفلسطينية في كل مكان او عبر استضافة القواعد والمعسكرات الفلسطينية في شمال اليمن وجنوبه او في حرب اكتوبر عام 1973 او عبر اصرار الرئيسين اميل لحود وعلي عبدالله صالح على “حق العودة” وتثبيته في مبادرة الملك عبدالله للسلام في قمة بيروت العربية عام 2002، تلك المبادرة التي كانت مصاغة بلا حق الفلسطينيين بالعودة الى ارضهم. ويبقى بالطبع الدور اليمني الاهم عبر باب المندب في حرب اكتوبر تشرين الاول عام 1973.
حول مشاركة اليمن في هذه الحرب يقول اللواء اشرف رفعت رئيس الاستخبارات العسكرية المصرية خلال  تلك الحرب ان قوات بحرية مصرية ـــــ يمنية تمركزت على باب المندب ومنعت عبور البواخر المتجهة لإسرائيل وقد ادى الحصار الى منع الدولة العبرية من الحصول على امدادات النفط الايراني في عهد الشاه و التي كانت تأتيها من مضيق باب المندب.
تجدر الاشارة الى ان هذا المضيق يُعتبرُ شريانا حيويا للتجارة الاسرائيلية مع الشرق والتي تتعدى ال 40 بالمئة من حجم التجارة الاسرائيلية الخارجية اي ما يعادل مليارات الدولارات علما ان ميناء ايلات الذي تسبب اقفاله من طرف مصر في حرب العام 1967 هو الرئة التي تتنفس منها التجارة الاسرائيلية. هذه الرئة تحتاج الى دولة يمنية صديقة على الضفة الأخرى من المضيق الذي تشرف عليه جيبوتي من المقلب الآخر. وهذه الدولة الصديقة يتم رسم حدودها الان بالحديد والنار عبر الحرب الممتدة منذ خمس سنوات على اليمن وعبر النفوذ الاماراتي المتصاعد في جنوب البلاد منذ اكثر من خمس سنوات.
تلتقي المصالح الاسرائيلية مع المصالح الاماراتية ــــــــ السعودية في هذه المنطقة في الخروج من الحرب بدولة يمنية ممزقة الى اقاليم متنازعة يرتبط مصيرها بالخليج او اقليمين في دولة اتحادية لكل منهما السيادة المطلقة على اراضيه. وان تم ذلك فهذا يعني ان البحر الاحمر صار بحيرة امنة للدولة العبرية المتصالحة مع الامارات والسعودية ويمكن لهذا الثلاثي المتصالح ان يصل الخليج والجزيرة العربية بالقرن الافريقي عبر مشروع انور عشقي لربط جيبوتي بجسر يصلها بعدن و يسمى جسر النور وتشيد على راسيه مدينتان باسم النور تمر عبرهما المبادلات التجارية بين القرن الافريقي والخليج.
ويمكن لهذا الثلاثي المتصالح ان يصل بين الخليج وبحر العرب عبر “قناة سلمان” المائية التي تنطلق وفق مخطط مرسوم من الشاطيء السعودي الخليجي المحاذي لقطر الى بحر العرب على مقربة من الحدود العمانية اليمنية بطول الف كلم وعرض 500 كلم  يمكن ان تستخدمها لنقل النفط السعودي والخليجي عموما دون المرور بالمضيق الايراني وبذلك تكون المملكة قد همشت مضيق هرمز الذي ينتقل عبره النفط السعودي والخليجي نحو العالم.
اما من الجهة الامارتية فالواضح ان محمد بن زايد قد تمكن خلال السنوات الفائتة من بناء جيش يمني عبر المجلس الانتقالي في عدن و قواعد بحرية في البحر الاحمر والمحيط الهندي. وتسيطر الامارات على جزيرة سقطرى الاستراتيجية على مدخل المحيط وتعد اهل الجزيرة بمنحهم الجنسية الاماراتية كما تسيطر على ارخبيل حنيش بمواجهة ارتيريا ولديها قاعدة بحرية في عدن حيث يستقر اصدقاؤها من المجلس الانتقالي والحراك الجنوبي. ولديها مرتكزات بحرية في جيبوتي والصومال واريتريا ناهيك عن ادارتها ل اكثر من خمسين ميناء في العالم. هذه الشبكة من الموانيء يمكن ان تصبح بنية تحتية للتجارة الاسرائيلية والاماراتية مع الشرق وبهذه الحال تكون الدولة العبرية قد حققت انجازا مزدوجا في سلامها مع الامارات: الاول منه ضمان التجارة والثاني ضمان الامن وبالتالي سيكف باب المندب عن ان يكون  كابوسا في حسابات اسرائيل للحروب المقبلة مع العرب او مع ايران وسيبتعد المضيق عن ان يكون عقب اخيل لميناء ايلات منفذ تل ابيب الوحيد على البحر الاحمر.
ان الناظر الى المعابر البحرية الاسرائيلية يلاحظ انها تقتصر على 3 معابر على البحر الميت والبحر الاحمر والبحر المتوسط. اما البحر الميت فهو بحيرة داخلية لا قيمة استراتيجية كبيرة لها الا اذا تم وصله عبر قناة مائية بالبحر الاحمر وفق مشروع اردني اسرائيلي يرتبط تنفيذه بعملية السلام الشامل في المنطقة. واما المتوسط حيث ميناء حيفا واشدود فهو مهدد بصواريخ حزب الله وحماس فيما الملاحة في البحر الاحمر مهددة بصواريخ انصار الله.
والملاحظ ايضا انه اذا ما احكمت الاطراف الثلاثة الحصار على اسرائيل يمكن ان تعطل الملاحة البحرية العبرية تماما و تضرب حصارا حول الكيان الصهيوني لا يطاق. وهذا الاحتمال ليس افتراضيا فحسب فقد سبق لانصار الله أن تعرضوا لسفينتين تجاريتين سعوديتين في اب ــــــ اغسطس من العام 2019 ولا شيء يمنعهم من التعرض لسفن صهيونية ان قرروا ذلك سواء من خلال موقعهم على باب المندب من جهة الحُدَيدة او من خلال صواريخهم بعيدة المدى من محافظات يمنية يسيطرون عليها.
يملي ما سبق ان السلام الاماراتي ــــــــ الاسرائيلي يستجيب لخطط اساسية في الاقليم المحيط بالدولة العبرية فهو يتم في وقت تستعد فيه الولايات المتحدة الامريكية لتخفيض وجودها في الشرق الاوسط وفي وقت تستعد فيه الصين لأطلاق مشروعها التجاري العملاق المعروف بطريق الحرير وعليه يمكن للثلاثي الاماراتي السعودي الاسرائيلي ان يسيطر بالتعاون مع مصر على البحر الحمر ومدخل المحيط الهندي عن طريق باب المندب ويمكن ان يفتح القرن الافريقي على اسيا عبر جسر النور بين عدن وجيبوتي هذا اذا اردنا تأجيل الحديث عن ربط البحر الميت بالبحر الاحمر وعن تهميش ايران عبر تحويل مسار الصادرات النفطية عبر قناة سلمان العملاقة.
يبقى احتمال على المدى البعيد وهو حاجة الامارات العربية المتحدة ذات الديموغرافيا المحدودة، والقلقة دائما على وحدة اراضيها وحجم ثرواتها المتصاعد، الى حليف اقليمي بحجم اسرائيل. فهي محاطة بجار سعودي قامت دولته على ضم اراضي بلدان مجاورة له وجار عماني يعتبر تاريخيا ان الامارات هي “الساحل العماني المتصالح”, وهناك بين الجارين التهديد القطري بالربيع العربي وتيار الاخوان المسلمين والشبكة الاعلامية المؤثرة. هذا اذا اردنا ان نهمل الخوف من ايران ــــــ جارة الامارات وخصمهاــــــ في موضوع جزر ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى.
في هذا الاطار الاستراتيجي يجب ترتيب مشروع السلام الاماراتي ـــــــ الاسرائيلي الذي يصعب اكتماله قبل الخروج من الحرب اليمنية واخضاع انصار الله الذين مازالوا يحققون انتصارات كبيرة على الارض ومازالوا مصرين على استعادة السيادة على كامل اراضي بلادهم من باب المندب الى صعدة كما تقول شعاراتهم … بل يمكن القول ان الحرب قد اشعلها المحمدان من اجل هذا الغرض وهي مستمرة للسبب نفسه.
ــــــــــــــــ
باحث في اكاديمية باريس للجيوبولتيك

 

نقلا عن صحيفة رأي اليوم

أحدث العناوين

انفجارات في مدينة أصفهان الإيرانية..ماذا تقول الأخبار الأولية

تحديث: فوكس نيوز: مصدر أمريكي يؤكد الضربة الإسرائيلية داخل إيران، ويقول إن الولايات المتحدة لم تكن متورطة، وكان هناك إخطار...

مقالات ذات صلة