ثورة 26 سبتمبر : قراءة في الهوامش..كتاب جديد للدكتور عرفات الرميمة

اخترنا لك

تعتبر الثورة حدثاً جذرياً ، يحدث تغيرات في حياة الشعوب في جميع المجالات و خصوصاً ما يتعلق منها بالجانب الفكري الذي نستطيع من خلاله أن نقيّم مدى التغيير التي حصل في المجتمع ، فلا توجد ثورة مكتملة الأركان والأهداف على الأطلاق، لأنها فعل متجدد ومتطور ومتفاعل مع الأحداث باستمرار ، وكل ثورة حقيقية لا بد أن تصطدم دائماً بمعارضة شرسة من قوى الاقطاع الداخلي وكذلك من دول الجوار ـ التي تخشى من انتقال عدوى الثورة إلى شعوبها ـ مما يستدعي منها محاربة الثورة والوقوف ضدها بكل الوسائل المتاحة .

وكل ثورة حقيقية لا بد لها من انصار ومعارضين ، أي أنها لا تحقق الاجماع حول هويتها وحقيقتها  والوقوف معها أو ضدها على الاطلاق ، فالبعض يرى فيها ثورة والأخر يرى فيها انقلاباً ، لأن كل منهم ينظر اليها من خلال مناظير مختلفة تطغى عليها الأهواء والمصالح والأيديولوجيا، حدث كل ذلك واكثر مع أهم الثورات العالمية وأشهرها ، ابتداءً بالثورة الفرنسية 1789م  ومروراً بالثورة البلشفية في روسيا عام 1918م وايضاً الثورة الصينية عام 1949م وانتهائاً بالثورة الإسلامية في ايران في 10في  فبراير 1979م .

وهذا ما حصل أيضاً مع ثورة 26سبتمبر ، فالبعضُ يُسميها انقلاباً ـ أو حركة عنفيه ـ ولا يرى فيها ثورة ، كما قال عنها الاستاذ أحمد محمد النعمان في مذكراته وكذلك الاستاذ يوسف الهاجري في كتابه السعودية تبتلع اليمن ، وكما قال عنها ايضاّ عبدالرحمن البيضاني ـ في مقابلته مع احمد منصور في برنامجه شاهد على العصرـ لكن الاختلاف حول ثورية الثورة أو انقلابها ـ ولا ثوريتها ـ يبقى أساسا للتدافع بين الناس والذي يعتبر شرطا ومزية للاجتماع البشري.

ويجب على أي ثورةِ حقيقية ـ إذا أرادت ان تكون كذلك ـ  أن تكون ثورة ذات أسباب ذاتية داخلية محضة وبعيدة ًعن التدخلات الخارجية  … إن أصالة أي ثورةِ إنما تأتي من استقلاليه أرادتها وقراراتها ومن وطنية القائمين عليها وارتفاعهم عن شبه الارتباط بالخارج .

كما أن الثورات عبر التاريخ لا تحقق نتائجها منذ الوهلة الأولى إلإ نادراً ـ والنادر لا حكم له كما تقول القاعدة الفقهية ـ وذلك يعني أنها تحتاج وقتاً كافياً كي تختمر وتنضج على أرض الواقع وتمر عبر مراحل تدريجية كي تحقق كامل أهدافها ، والمثال الواضح على ما نقول هو الثورة الفرنسية التي انفجرت عام 1789م وأعطت نتائجها النهائية ـ بعد قرنِ من الزمان ـ عند تنظيم الجمهورية الثالثة وإبعاد النظام الملكي عن فرنسا وتثبيت المبادئ الجمهورية ، فالحلقة الثورية تحتاج وقتاً طويلاً كي تكتمل ، فهي ليست ضربة حظِ أو عصىً سحرية كي تغيّر الأوضاع بسرعة إن أي ثورة تمّر ـ بالضرورة ـ عبر عدة مراحل منها : اسقاط النظام السابق ومن ثم الصراع مع من تبقى من عناصره على المؤسسات واخيراً بناء المؤسسات الجديدة على أسس مغايرة لما كانت عليه ، إن الثورة ليست انتقالاً مفاجئاً على شكلِ قفزات من الأسود إلى الأبيض ، إنها سلسلة طويلة مترابطة ومتداخلة يجب السير بها ومن خلالها في رفع وعي المجتمعِ كي يصبح هو الحامل الاجتماعي للفكر الثوري والمدني نحو تحقيق أهداف الثورة التي قامت من أجلها ،

ويُعتبر التغيير الثقافي الذي تحدثه الثورة ـ وذلك ما لم تحدثه ثورة 26 سبتمبر كما سنعرف ـ  شرطاً أساسياً لنجاحها .. فالثورات الناجحة على مستوى العالم هي التي تعمل على تغيير أفكار الإنسان بموازاة تغيير  نظام الحكم السابق .

وسوف نحاول في هذه الكتاب ان نقرأ هوامش ثورة 26 سبتمبر والتي ظلت غائبة او مغيبة ولا يلتفت اليها الكثير ، من تناول موضوع الكتابة عن أحداث ثورة 26 سبتمبر ، لأنهم مشغولون كما هي العادة بالمتن ، الذي يخفي أكثر مما يُظهر ، بخلاف الهوامش التي تفسر المتن وتعرّف المسكوت عنه والمخفي من خلال الظاهر والمنطوق .

وقد تم التركيز في هذه الدارسة على تمتين الهامش وتهميش المتن ، بمعنى أنها حولت الأحداث الذي ظلت في مذكرات الثوار هامشاً إلى متن ـ والعكس صحيح ـ بمعنى : أنها ركزت على أحداث  القتل والاعدامات والاعتقال والسطو على المنازل والممتلكات ـ التي تمت بعد الثورة بأيام واسابيع وشهورـ  وبعشوائية ومن دون محاكمات  لأفراد من بيت حميد الدين وللموالين لهم ولبعض رموز النظام السابق وبطرق وحشية لا تقل بشاعة وفظاعة عما كان يتهم به من قاموا بالإعدامات النظام الذي ثاروا عليه ، من خلال كتابات واحاديث ومذكرات من قاموا بالثورة ومن شاركوا في تنفيذ كل تلك الفضائع ولم يتسنَ لنا الأخذ عن الطرف الآخر ـ الذي مورست في حقه تلك الجرائم ـ لأن ما ذكره من قاموا بالثورة في مذكراتهم كان كافياً ويؤدي الغرض المنشود ويُبعد الشبة أيضاً . وتم التركيز كذلك على الدور السلبي الذي رافق الوجود العسكري المصري في اليمن منذ مجيئه إلى اليمن وحتى خروجه منها وتم التركيز أيضاً عن حرف مسار الثورة وسرقتها ومصادرة ثوريتها من قِبل بعض الثوار الذين تسلموا السلطة وتخلصوا من زملائهم بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة ، ومارسوا ضدهم كل أنواع التسلط الذي ثاروا ضده سابقاً .

لم يركز الكتاب على دور السعودية في محاربة الثورة اليمنية ، لأن الكاتب قد خصص له كتاباً بعنوان : العدوان السعودي على اليمن ماضياً وحاضرا : تتبع تاريخي ، ولذلك لم يستطرد الكاتب في سرد ذلك الدور كما فعل مع الدور المصري .

والكاتب هنا لا يرى أن كل ما نقله عن الثوار حقيقة كاملة لكنه يتمنى أن يكون غالبية ما قالوه حقيقة ، آملين أن تكون هذه الدارسة فاتحة لدراسات قادمة ، مستلهمة ما قاله الفيلسوف فرنسيس بيكون : ” لا تقرأ لتعارض وتُفند ولا لتؤمن وتسلّم ولا لتجد ما تتحدث عنه ، بل لتزن وتُفكر ” لأن تلك القراءة كفيلة بالوقوف على اعتاب طريق الحقيقة .

قم بتحميل الكتاب من هنا

أحدث العناوين

بعد تحذيرات قائد الأنصار.. انسحاب أمريكي جديد من البحر الأحمر

انسحبت حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور" (CVN-69) ويو إس إس جرافلي (DDG-107)، اليوم الجمعة، من البحر...

مقالات ذات صلة